آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-03:29ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد تطورات الحرب في اليمن على خلفية إسقاط الحوثيين طائرة تابعة للتحالف

الإثنين - 17 فبراير 2020 - 10:33 ص بتوقيت عدن

تقرير يرصد تطورات الحرب في اليمن على خلفية إسقاط الحوثيين طائرة تابعة للتحالف

(عدن الغد)خاص:

كيف أسقط الحوثيون طائرة عسكرية متطورة للتحالف؟

هل هو تغير في موازين القوى بين الطرفين.. أم أن إسقاط الطائرة كان مصادفة؟

هل يمكن للتحالف أن يفقد أبرز قدراته التي يتفوق بها على الحوثيين وهي
سلاح الطيران؟

ما علاقة إيران بالأمر.. هل زودت الحوثيين بأسلحة حديثة؟

هل بات الحوثيون يمتلكون أسلحةً نوعية؟

كيف يمكن لهذا الأمر أن يغير مجرى الحرب بشكل كامل؟

الحوثيون.. كيف استعادوا قواهم؟

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

تدلف الحرب في اليمن خلال الشهر القادم عامها السادس، في ظل تغيرات
وتطورات خطيرة لمساراتها؛ مما ينبئ بتفاقم وتجدد فصولها.

ورغم أن السنوات الخمس الماضية من الحرب أتت على كل ما له علاقة بالحياة
وطبيعتها في اليمن، وبالرغم من الدعوات العالمية لوقفها، إلا أن
منعطفاتها تبدو اليوم أكثر حدة، وترشح نحو مزيد من التصعيد.

وهذا التطور في الحرب اليمنية يعتبر مفاجأةً بالنسبة للكثير من المراقبين
الذين توقعوا حسم الأمور العسكرية منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015،
خلال أشهر إن لم يكن أسابيع.

ومرد هذه التوقعات كان نابعاً من فارق القوة والإمكانيات العسكرية بين
طرفي المواجهة التي مازالت مستمرة إلى اليوم في اليمن.

فمن جانب التحالف العربي وما يمتلكه من قدرات في التسليح، ودعمٍ لوجستي
واستخباراتي من دولٍ عظمى، وإسنادٍ من قوى المقاومة في الداخل اليمني
والمكونات التي تولى التحالف تسليحها في الداخل، في مقابل محدودية قدرات
الحوثيين الخاضعين لحصارٍ بري وجوي وبحري، كل ذلك التفاوت والتباين في
القوى كان يستوجب حسماً عسكرياً لصالح الطرف الأول.

غير أنه وبعد خمس سنواتٍ من القتال والقصف الجوي وتحرير نطاقات جغرافية
واسعة من الأرض اليمنية وانتزاعها من أيدي الحوثيين توقفت الأمور عند هذا
الحد، بل وتراجعت وفق مراقبين.

فالجبهات التي أعاد الحوثيون إشعالها شمال الضالع، وشرق صنعاء، وجنوب
الجوف، ومديريات الحديدة لا توحي بأن هناك تراجعاً في قدرات الانقلابيين
الحوثيين، بل على العكس من ذلك، يبدو أنهم عادوا ليأخذوا زمام المبادرة.

فما الذي يمكن أن يدفع نحو تقوية الحوثيين لقدراتهم، واستعادتهم مبادرة
الهجوم بعد أن كانوا في موقف الدفاع خلال السنوات الماضية ومنذ تدخل
التحالف العربي وعاصفة الحزم.

تطور خطير

لا يختلف اثنان على أن ما تشهده جبهات القتال مع المليشيات الحوثية يعتبر
تطورًا خطيراً، خاصةً ما جرى قبل أسابيع على جبهات نهم وغرب مأرب،
ومديريات جنوب الجوف.

غير أن التطور اللافت والذي يعد أشد خطورة مما سبق هو إعلان الحوثيين،
عبر الناطق الرسمي لقواتهم المسلحة، العميد يحيى سريع، عن "إسقاط طائرة
حربية من طراز (تورنيدو) تابعة للتحالف العربي في محافظة الجوف، شمال
اليمن".

وقال الحوثيون: إن مسلحيهم أسقطوا طائرة "تورنيدو" تابعة للتحالف العربي
في سماء محافظة الجوف التي تبعد 143 شمال العاصمة اليمنية صنعاء، مؤكدين
أن "الدفاعات الجوية تمكنت من إسقاط الطائرة الحربية بصاروخ أرض جو متطور
بتقنية حديثة"، بحسب زعمهم.

وهذه "التقنية الحديثة" التي يدعي الحوثيون امتلاكها هي ما نقصده عند
الإشارة إلى التطورات العسكرية لمسار الحرب التي أشرنا إليها، رغم الحصار
الذي يطوق المليشيات الانقلابية.

كما أن التطور الخطير مرتبط بكون الطائرة التي أسقطت هي طائرة تورنيدو
Tornado، وهي مقاتلة متعددة المهام تستعمل كمطاردة وقاذفة وهي من إنتاج
أوربي مشترك، وهو ما يعد تطورًا غير مسبوق لمسار الحرب اليمنية يوحي
بالكثير، وله دلالاته.

 

التحالف يُقر

 

وفي الوقت الذي كان فيه الحوثيون يستعرضون ويعلنون خبر إسقاط طائرة
التحالف العربي، أقرّ المتحدث باسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي
بسقوط طائرة مقاتلة من نوع "تورنيدو" تابعة للقوات الجوية الملكية
السعودية.

وأوضح المالكي أن المقاتلة أسقطت أثناء قيامها بمهمة إسناد جوي قريب
للوحدات التابعة للجيش الوطني اليمني، في محافظة الجوف.

وحمّل التحالف الحوثيين مسؤولية حياة وسلامة طاقم طائرة التورنيدو التي
سقطت في الجوف، بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الثالثة.

ويأتي هذا الإقرار من التحالف العربي ليؤكد أن مسار الحرب في اليمن بدأ
يأخذ منحى مغايرا لما كان عليه قبل ثلاث سنوات على الأقل.

كما لم يغفل الكثير من المتابعين اعتبار هذه الواقعة تقدماً في قدرات
المليشيات الحوثية، وامتلاكها قدرات لم تكن تمتلكها من قبل، وهو ما يؤكد
أن الحرب تمر بمنعطفٍ قد يبوح بالكثير من الأسرار والخفايا، وربما ينعكس
على مستقبل الحرب، سواء باستمرارها أو التوصل لتسويةٍ ما.

هل هو تغيرٌ في موازين القوى؟

يذهب مراقبون إلى الحديث عن تغير في قوى كل طرف من أطراف الحرب، وهذا
التغير ليس ضرورياً أن يكون عسكرياً بقدر ما قد يتخذ أشكالاً ومظاهر
عديدة ووفق مواقف كثيرة، فرضتها التطورات المحلية والإقليمية والدولية.

فموازين القوى العسكرية وكل ما يتعلق بالتسلح وامتلاك التقنيات القتالية
الحديثة قد يصب، بنظر الكثيرين، في مصلحة التحالف العربي بكل قواه ودوله
المشتركة وتقنياته اللوجستية، وما يمتلكه من تفوق على مستوى القوى الجوية
وسلاح الطيران.

لكن لا يمكن لكل تلك الموازين والقوى أن يعتريها أية تغيرات بمنأى عما
يدور من أحداث وتطورات في المحيط الإقليمي والدولي، تؤثر فيها وتعمل على
"تحييدها" ومنعها من المشاركة في المعارك وفق تفاهماتٍ معنية، لا يدرك
أغوارها وأسرارها سوى القريبون من كواليسها وخفاياها.

ولهذا يذهب متابعون إلى عدم استبعاد أن تكون الأخبار والمعلومات التي
وردت عن وجود مشاورات ومحادثات بين التحالف وجماعة الحوثي ذات فترة هي من
شجعت هذه الأخيرة على الإقدام الميداني الحاصل على أكثر من جبهة قتال.

كما أن ذلك الإقدام والجرأة الحوثية وإشعال جبهات القتال في أكثر من محور
تزامنت مع "تحييد" لسلاح التحالف الذي حافظ على تفوقه طيلة السنوات الخمس
الماضية، ونقصد هنا سلاح الطيران.

وبحسب رؤى أخرى فإن بعض المراقبين يرون أن ما تشهده الساحة الدولية
والصراعات الإيرانية - الأمريكية في المنطقة العربية، ومنطقة الخليج؛
ألقت بظلالها على ما يدور في اليمن.

وليس بمنأى عن ذلك مقتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم
سليماني بنيران الطائرات الأمريكية، والذي تعهدت فيه طهران بردٍ ضد مصالح
واشنطن وحلفائها في المنطقة، من خلال تحريك أدوات إيران القريبة من
المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها.

وليس هناك أكبر من الأداة الحوثية التي تحركها عصا التوجيهات الصادرة من
نظام الملالي وولاية الفقيه في طهران، وتنعكس على التحالف العربي وقواته
في اليمن.

من هنا يمكننا أن نعي ما المقصود بمفهوم "تغير موازين القوى"، إذا ربطناه
بالمتغيرات والأحداث الإقليمية والدولية التي تتجاوز تأثيراتها منطقة
الخليج العربي ومضيق هرمز، أو باب المندب والبحر الأحمر، أو الأحداث في
العراق وسوريا.

مصادفة أم تطور في القدرات؟

لا يخفي الكثيرون من البوح بأن ما أقدم عليه الحوثيون من إسقاطٍ لطائرة
"التورنيدو"، لا يعدو عن كونه مصادفة، فالمليشيات الانقلابية لا تملك من
القدرات والدفاعات الجوية ما يشجعها على مثل هكذا فعل.

كما أن حصار خمس سنوات وتضييق الخناق على الجماعة في مناطق سيطرتها
الجبلية في شمال اليمن، سيجعل الجماعة المتمردة في حالةٍ من الضعف لا
تساعدها على مثل هذا العمل.

ويستشهد معتنقو هذا الرأي بما عمدت إليه المليشيات خلال هجماتها على مأرب
والجوف، ونقل الأكاذيب وقطع الاتصالات بغرض الترويج لانتصارات وهمية لم
تحقق في الأصل، وهو ما يدل على ضعفها وقلة حيلتها.

وقد يكون هذا الطرح مقنعاً لوهلة، لكنه لن يصمد أمام الكثير من الحقائق
الميدانية التي تؤكد استمرار الحوثيين في شن الهجمات العسكرية على نقاط
التماس مع القوات اليمنية والمقاومة الجنوبية منذ شهر أبريل 2018 وحتى
اليوم، وهذا الوضع لا يوحي بأي ضعف، بقدر ما يشير إلى تزايد في قدرات
الانقلابيين الحوثيين، وليس العكس.

لكن.. ما هي التفسيرات المقنعة التي قد تجعل مثل هذه الجماعة المحاصرة
منذ سنوات، قادرة على إسقاط طائرة حديثة وبمهام متعددة، بالإضافة إلى
قدرتها على الاستمرار في الجبهات، بل وتفتح جبهات قتال جديدة؟

 

الدعم الإيراني المتواصل

التفسيرات الوحيدة التي يمكن الاقتناع بها هي استمرار الدعم العسكري
بالأسلحة والصواريخ والخبرات من النظام الإيراني إلى المليشيات الحوثية.

قبل يومين كانت البحرية الأمريكية قد أعلنت عن مصادرة سفينة في بحر
العرب، تحمل على متنها 150 صاروخًا إيرانيًّا، قبل وصولها إلى مليشيا
الحوثي داخل اليمن.

وقالت القيادة المركزية للجيش الأمريكي في بيانٍ رصدته (عدن الغد): "إن
الأسلحة المضبوطة على السفينة، شملت ثلاثة صواريخ أرض جو، و150 صاروخًا
مضادًا للدبابات".

وأوضحت أن المدمرة الأمريكية يو إس إس نورماندي، ضبطت أجهزة تصوير حراري
ومكونات إيرانية لعتادٍ بحري وجوي مسير.

القيادة المركزية للجيش الأمريكي اعتبرت هذا الأمر انتهاكًا من قِبل
طهران لقرارات مجلس الأمن التي تحظر إمداد الحوثيين بالسلاح.

ويمثّل الدعم الإيراني للحوثيين أحد أهم الأسباب التي مكّنت المليشيات من
إطالة أمد الحرب واستمرار انتهاكاتها.

هذا التأكيد بالدعم وتهريب الأسلحة لم يكن مصدره الوحيد تقارير وبيانات
أمريكية؛ فرغم محاولة إيران إخفاء دعمها المسلح للمليشيات الحوثية على
مدار السنوات الماضية، خرجت طهران بتصريح غير معتاد، كشفت فيه عن دعمها
للحوثيين.

ففي أول مرة تكشف فيها إيران عن مدى قدرة تواجدها الفعلي في اليمن منذ
بداية الحرب قبل خمس سنوات، أكّد أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران
محسن رضائي إنّ طهران تمكَّنت من نقل تقنياتها العسكرية إلى لبنان
وفلسطين واليمن، في إطار مساعيها لتصدير الثورة الإيرانية.

رضائي في مقابلة بثتها قناة (الميادين)، هاجم السعودية وزعم أنّ المملكة
تعرضت لضعف شديد وباتت غير قادرة على مواجهة دولة فقيرة كاليمن، وأضاف:
"الخطوة الثانية للثورة الإيرانية بدأت بمواجهة اقتصادية وسياسية وعسكرية
جادة مع أمريكا.. هدف إيران في المواجهة الجديدة هو إخراج الولايات
المتحدة من المنطقة، ونحن جادون للغاية".

وهنا تأكيد من الإيرانيين بأن دعمهم للحوثيين مستمر ومتواصل بطرقٍ
متعددة، رغم الحصار الذي يبدو أن طهران عرفت كيف تقفز على حواجزه.

وكان تقرير أممي قد صدر قبل أيام، تحدّث عن الانتهاكات المحتملة لحظر
الأسلحة المستهدف، حيث لاحظ اتجاهين رئيسيين، الأول هو نقل الأجزاء
المتاحة تجاريًّا مثل محركات الطائرات بدون طيار، والمحركات المؤازرة
والإلكترونيات، والتي يتم تصديرها من البلدان الصناعية عبر شبكة من
الوسطاء إلى الحوثيين، والثاني أنّه لا تزال قوات الحوثيين تتلقى الدعم
العسكري في شكل بنادق هجومية وقاذفات قنابل صاروخية وصواريخ موجهة مضادة
للدبابات، فضلاً عن أنظمة صواريخ كروز أكثر تطورًا، وبعض هذه الأسلحة لها
خصائص تقنية مشابهة للأسلحة المصنعة في إيران.

وبحسب تقرير الخبراء، يشير الاستيلاء الكبير على مركب شراعي من قبل
البحرية الأمريكية، ويحمل صواريخ في 25 نوفمبر 2019 في بحر العرب إلى
أنه، كما في السنوات السابقة، يستمر النقل البحري في لعب دور في
الانتهاكات المحتملة للحظر المستهدف للأسلحة.

أسلحة نوعية قد تغيّر مجرى الحرب

استمرار التواطؤ الإيراني، والدعم المتواصل للجماعة الانقلابية في اليمن
لن يمنع الحوثيين من امتلاك أسلحة نوعية وفريدة، يمكن أن تعمل على تغيير
موازين القوى العسكري هذه المرة، وليس فقط موازين القوى الإقليمي أو
الدولي.

فإسقاط طائرة قتالية وبوظائف متنوعة يجعل من الجهة التي أقدمت على ذلك
تتمتع بقدرات خاصة ونوعية، ويمكن للحوثيين أن يصلوا إلى هذا المستوى بفضل
الدعم والتهريب الإيراني.

وطيلة السنوات الماضية كان التحالف العربي متقدماً على الحوثيين من خلال
امتلاكه لأسباب التفوق والمتمثلة في سلاح الطيران والقوة الجوية، في ظل
حظرٍ جوي يفرضه التحالف على سماء المناطق الحوثية.

غير أن الحوثيين تجاوزوا هذا الحظر من خلال العديد من الطرق والأساليب
التي أثبتت خطورتها، وهددت الجيش اليمني وقوات المقاومة في كل مكان،
كالطائرات المُسيّرة والصواريخ الموجهة وغيرها.

ومع دخول الأسلحة التي أُسقطت من خلالها طائرة التورنيدو التابعة للتحالف
يصل الحوثيون إلى مرحلةٍ متقدمة من التطور، لا يمكن أن نخفيها، وليس من
مصلحة أحدٍ أن يُخفي هذا التطور الذي تشهده القدرات الحوثية، بغض النظر
عن طبيعة وجهة الداعم.

فالأمر غاية في الخطورة، باعتبار أن خمس سنواتٍ من الحصار والحرب لم تفت
في عضد الانقلابيين بل فاقمت في قدراتهم، وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر في
أساليب مواجهة هذه الجماعة المتمردة والخطيرة على أمن واستقرار البلاد.

خاصةً وأن مراقبين يرون أن استمرار هذا الوضع دون حسم الحرب، قد يُغيّر
مجراها، ويخرجها من أهدافها التي اندلعت بسببها، ويعيد الأوضاع إلى سابق
عهدها، ويقوي شوكة الانقلابيين الحوثيين على حساب مختلف القوى والمكونات
اليمنية، وهنا تكمن الخطورة بكامل بشاعتها.

تداعيات الصراعات الداخلية

رأي آخر يمتلك الكثير من الوجاهة، يرى أن صراعات اليمنيين الداخلية هي من
حثت وحفّزت المليشيات الحوثية على الجرأة والإقدام.

والمقصود هنا ما حصل من تصدعٍ وانشقاقات في الجبهة المقاومة للحوثيين.

ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن الصراعات الداخلية في صف المناهضين للمليشيات
دفعت هذه الأخيرة للتماسك والاستقواء وتوجيه ضرباتها ليس فقط لفرقاء
الداخل، بل حتى للتحالف العربي.

وهو ما يحتم وحدة الصف لمواجهة الخطر الأكثر شراسة وعدوانية والمتمثل في
تفاقم وتعاظم قوى الحوثيين الانقلابيين.