آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

أخبار وتقارير


مستقبل صقور الشرعية.. هل سيرجحون كفة الأحداث في المشهد اليمني؟

السبت - 15 فبراير 2020 - 11:35 م بتوقيت عدن

مستقبل صقور الشرعية.. هل سيرجحون كفة الأحداث في المشهد اليمني؟

عدن (عدن الغد ) تقرير / القسم السياسي :

نتج عن الأحداث الأخيرة التي عاشتها البلاد خلال الستة الشهور الماضية استقطاباتٌ واستثناءاتٌ متباينة ضربت صلب المكونات السياسية والعسكرية في المشهد اليمني.

كانت المواقف عقب تلك الأحداث حادة وجذرية، ووصلت إلى مستوى التناقض في أكثر الكيانات تماسكاً -كما كانت تبدو على الأقل- وظهر ذلك جلياً في مواقف الرجالات والشخصيات السياسية وحتى العسكرية.

نقصد هنا ما حدث لجبهة الشرعية اليمنية من تصدعٍ لم يخفَ على أحد، وبدا واضحاً من تصريحات أبرز رموز الشرعية والتي كانت في واجهة المواجهات التي جرت في عدن خلال أغسطس الماضي، وتصدرت مشهد ومهمة الذود عن حياض الشرعية في مواجهة خصومها.

فالنتائج التي أسفرت عنها أحداث عدن الماضية أفرزت مواقف عديدة في جبهة الشرعية، وقسمتها إلى صنفين: "الحمائم والصقور"، كان صوت الصقور فيها عالياً، بينما خفتت أصوات الحمائم، أو هكذا فضّلت.

بادر الصقور إلى الكشف عن خفايا الأحداث ومسبباتها وخلفياتها، وكيف آلت نتيجة المواجهات لصالح الانتقالي، ومن يقف خلفها من داعمين ومساندين.

كانت نبرتهم عالية، ونافح كلٌ من نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، أحمد الميسري، ووزير النقل، صالح الجبواني عن مواقف الشرعية وتعرضها للالتفاف وناشدوا المملكة العربية السعودية للوقوف إلى جانب الشرعية، وتصدروا لمهمة كشف ما تعرضت له خلال الأحداث.

وتسببت هذه المواقف القوية التي تبناها هؤلاء الرجال بتصنيفهم في خانة الصقور الموالين للشرعية والمتحدثين بلسانها ضد خصومها، بحسب رأي الموالين لهم.

غير أن تلك المواقف لم تعجب الكثير من القوى المناهضة للشرعية، واعتبروا أن أولئك الصقور يحاولون السيطرة على الشرعية من خلال تصريحاتهم الموالية، كما أن بعض الجهات اتهمتهم بالارتزاق للاعبين دوليين آخرين يسعون للعب دورٍ في الأزمة اليمنية.

ومهما كانت مواقف الصقور جدلية، إلا أن أحدًا لن يستطيع أن ينفي مقدرتهم على ترجيح كفة المشهد اليمني لصالح من يقفون إلى جانبهم، كما أن أحدًا لن يقدر التقليل من تأثيراتهم على تطورات الأمور والأوضاع في البلاد.

هجمات الحمائم ضد الصقور

دفع الميسري والجبواني ثمن مواقفهم، وظلوا خارج البلاد منذ أحداث أغسطس الماضي، رغم عودتهم المتقطعة إلى الداخل اليمني، حتى أنهم تعرضوا للهجوم من قبل "حمائم" الشرعية؛ تحت مبرر تشويه علاقة هذه الأخيرة بالتحالف العربي.

وتفاقمت تلك الهجمات خلال الفترة الأخيرة، حتى بلغت حد خروج مصدر حكومي للحديث عن قطع أية علاقة بين الحكومة اليمنية وأنشطة عدد من وزرائها الصقور، ممن يطوفون مدن وعواصم عربية وإقليمية، بالرغم من علاقة تلك الأنشطة بمهام وزارات كلٍ من أولئك الصقور.

ورغم تلك الهجمات مضى الصقور يتبنون مواقف الشرعية في كل فرصة تُسنح لهم، ويتحدثون باسم الحكومة، ويعقدون اللقاءات ويصدرون القرارات الخاصة بوزاراتهم، في إشارةٍ منهم إلى أن مستمرون في عملهم باعتبارهم جزءًا من الحكومة الشرعية.

صقور الداخل

مواقف الميسري والجبواني لم تكن هي الوحيدة المتمسكة بأحقية أن تكون الشرعية ندًا يُعتدُّ بها في علاقتها مع غيرها من المكونات المحلية والإقليمية، بل كان هناك "صقورٌ" ينهجون ذات النهج وينافحون عن شرعيتهم، وبرزوا كرجال دولة يمكن أن تُعوّل عليهم الشرعية.

من هؤلاء كان رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر، الذي دفع ثمن مواقفه الشرعية الرافضة لتدخلات اللاعبين الإقليميين وأدواتهم المحلية، وكانت النتيجة خروجه من رئاسة الحكومة وإحالته للتحقيق؛ قبل أن يعود إلى عباءة الشرعية كمستشار للرئيس هادي.

واجه بن دغر الكثير من التمردات المسلحة، وحافظ على هيبة الدولة والحكومة ونديتها مع الآخر، "التحالف"، ومكث في منصب رئاسة الوزراء يعيد تأسيس كيان الدولة.

ولم يكن محافظ مأرب، سلطان العرادة بمنأى عن هذا التصنيف، وهو الذي حوّل محافظته عاصمةً غير معلنة لليمن، واستقطب الكثير من رؤوس الأموال والتجار، وأضحت مأرب حاضرة وقبلة المناطق المحررة.

ولا ننسى هنا أيضاً الإشارة إلى صقر آخر من صقور الشرعية في الداخل اليمني، وهو محافظ محافظة حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فرج البحسني، الذي وإن كان بعيداً عن بؤر الصراعات التي غرقت فيها مناطق يمنية عديدة إلا أنه أثبت موالاته للحكومة اليمنية رغم الإغراءات، كما أثبت حرصه على مصلحة ووحدة الحضارم، على العكس تماماً من بعض القيادات الجنوبية.

حتى أن خلافاته مع الحكومة الشرعية اليمنية لا يمكن اعتبارها سوى سعيٌ لحصول أبناء حضرموت على حقوقهم من التنمية والخدمات، وليس لأسباب ضيقة أخرى.

وكون البحسني قائدًا للمنطقة العسكرية الرابعة فهو قد حافظ على محافظته من الإنزلاق نحو الصراعات، وجعل من مدينة سيئون ملاذًا لفعاليات الحكومة الشرعية ورمزًا للدولة.

وفي وسط اليمن، وقف محافظ شبوة محمد بن عديو في سبتمبر الماضي ليعيد إلى الشرعية اليمنية بعضاً من هيبتها ويحافظ على ماء وجهها عند تصديه لتمدد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

كما أن كان قبل ذلك منخرطاً في مهام التنمية والإعمار، والتي بفضلها رُشحت شبوة لتكون مقرًا بديلاً لعاصمة البلاد بعد خروج الشرعية من عدن.

وعلى أطراف خليج عدن، وتخوم المحيط الهندي تقبع جزيرة سقطرى التي تحوي على أحد رموز الشرعية اليمنية وصقورها، محافظ الأرخبيل رمزي محروس، الذي وقف في وجه محاولات جر الجزيرة القصية والبعيدة إلى الصراعات. بل أن محروس استطاع تثبيت وجود الحكومة الشرعية متفوقاً على محافظي العديد من المحافظات اليمنية الأخرى.

كل هؤلاء "الصقور" برزوا دفعةً واحدة في ظل الصراعات والنزاعات التي تعصف بالبلاد، وسعوا إلى الحفاظ عن وجه الشرعية "القوي"، حتى وإن تسببت مواقفهم في ظهور جبهة الشرعية بمظهر التصدع والإنشقاق، إلا أن مواقفهم يمكن البناء عليها لإعادة دور الحكومة الشرعية وصياغة علاقة جديدة مع الآخر، عنوانها الندية الإيجابية والاحترام المتبادل.

التحالف.. كيف سيستفيد من هؤلاء؟

ينتظر التحالف العربي في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، الكثير من الاستحقاقات لتطبيع الأوضاع، وإعادة الأمور إلى نصابها؛ خاصةً في عدن وما جاورها من محافظات.

ومن أجل تحقيق الاستقرار الغائب عن عدن منذ نصف عام تقريباً؛ على التحالف العربي تقوية موقف الحكومة الشرعية، باعتبارها الند الحقيقي والمقابل الطبيعي للجهات والمكونات التي بدأت في خلق مشكلات ونزاعات مؤخراً مع التحالف العربي.

كما أن هناك جزئيات وتفاصيل مهمة يجب على التحالف العربي عدم إغفالها، تتمثل في أن التحالف بحاجة إلى تنفيذ اتفاق الرياض، الذي يعتبره كثيرون بأنه بدايةٌ للحل النهائي في اليمن، وكشفت السعودية عن ملامحه قبل أيام، من خلال حديث وزير الدولة للشئون الخارجية عادل الجبير، والذي وصف ذلك الحل "بالسلمي".

وذلك الحل النهائي "السلمي" لن يمر إلا من خلال إشراك مليشيا الحوثيين كطرفٍ أساسي؛ وعليه فإن الجموح الذي يتصف به الحوثيون يستدعي وجود جبهة مقابلة لا تقل جموحاً وقوة، توازن كفة المشهد القادم الذي ينتظر البلاد.

وفي رأي العديد من المحللين فإن على الرياض الكثير من الإجراءات لتحقيق ذلك التوازن، بل وحتى ترجيح كفته لصالحها ولصالح معسكرها.

ومن تلك الإجراءات ضرورة التمسك بالرجال الأقوياء، حتى وإن تسببوا بإحداث بعض المشكلات أو إثارة الخلافات، لكن تلك الخلافات لا تعدو عن كونها اختلافات بالرؤى -ربما- أو إشكالياتٌ في تقديم وتأخير الأولويات والهوامش.

وليست التسوية النهائية المرتقبة التي تنبأ بها كثيرون وعلى رأسهم المبعوث الأممي، هي وحدها من تفرض على التحالف مثل هذه الإجراءات بل ثمة وضعٌ بحاجةٍ إلى تدخل، لا يقل أهمية عن سابقه، هو الوضع الجاري حالياً في المحافظات الجنوبية.

فمحاولات التحالف تطبيع الأوضاع في عدن وما جاورها، بعد محاولات بعض القوى المسيطرة هناك على رفض عودة القوات الحكومية، يتطلب تقوية عود الشرعية من خلال عودة صقورها؛ لمواجهة جموح المجلس الانتقالي الجنوبي وفرض تنفيذ اتفاق الرياض.

ترميم العلاقة

بإمكان التحالف العربي العمل على تلك الإجراءات إذا ما أراد تسهيل مهمته في عدن تحديداً، وفي اليمن عموماً.

فالعلاقة بين التحالف وصقور الشرعية لم تصل بعد إلى مرحلة اللاعودة، فما يجري في محافظات الجنوب اليمني تجعل مناصري الشرعية يعولون كثيراً على الدور السعودي هناك، خاصةً في ظل علاقة تبدو غير مستقرة بين التحالف وقيادات الانتقالي، باحت بها الأحداث الأخيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن صقور الشرعية أبقوا "الباب مواربا"، ولم تصل الاختلافات إلى مرحلة الفجور بعد، وهو ما قد يحفز الرياض على ترميم علاقتها بصقور الشرعية؛ تحقيقاً لأهدافها في اليمن.

وفي الواقع فإن ترميم العلاقة ليس بالأمر الصعب، في ظل احتضان الرياض لصقور الشرعية في أعقاب تداعيات مواجهات أغسطس الماضي، بل أن عددٌ منهم دعا السعودية للتدخل وإعادة الشرعية إلى عدن، وهي ما يبدو أنها "شعرة معاوية" التي يجب أن يتمسك بها الطرفان.

ويعتقد مراقبون أن معارك واستحقاقات التحالف العربي في اليمن لن تكون سهلة، بل ستزداد صعوبةً في حالة عدم الاستقواء عليها بالاستعانة بصقور الشرعية، وبشرعيةٍ قوية في علاقة متبادلة و"متكافئة".

وفي حقيقة الأمر فإن ليس هناك ما يمنع من المبادرة نحو هذه الخطوة من قبل التحالف العربي، وإصلاح العلاقة مع الرجال الأقوياء في الشرعية، خاصةً وأن القيام بهذا العمل سيخدم التحالف كثيرًا، وسيقوي موقفه في الداخل اليمني.

متربصون بالصقور

مثل هذه المطالب تبدو وكأنها مُلِحة في ظل العديد من الاستقطابات الإقليمية التي تسعى من خلالها عددٌ من القوى إلى الدخول على خط الأزمة اليمنية، واللعب فيها دوراً مؤثراً.

ويرى متابعون أن إطالة أمد الأزمة والحرب في اليمن ليس في مصلحة التحالف العربي، فكلما طالت فترة اللاستقرار تهافت المزيد من الراغبين في التدخل بالشأن اليمني وتدويل الأزمة وحرفها عن أهدافها ومسارها.

ولهذا يرى كثير من المحللين أن صقور الشرعية قد تعرضوا ويتعرضون لمحاولات استقطاب من قبل عدد من الدول الإقليمية التي تسعى إلى جذب الشخصيات العسكرية والسياسية المؤثرة في الداخل اليمني.

ويأتي على رأس تلك القوى والدول الإقليمية: دولة قطر وسلطنة عُمان، حيث تركز الأولى على استخدام تصريحات صقور الشرعية عبر سلاحها الإعلامي لانتقاد التحالف، فيما استقبلت عُمان بالفعل عددًا من الصقور في مسقط عبر عدة لقاءات واجتماعات مع مسئولين وسياسيين يمنيين في المهجر.

ومن هنا تبرز المخاوف من استقطاب الدوحة ومسقط للقيادات القوية في الشرعية اليمنية، والبناء على هذه الاستقطابات للتدخل والتأثير في الوضع اليمني، وهو ما يجعل من مهمة ترميم التحالف العربي للعلاقة مع أقوياء الشرعية أمرًا ملحاً وضرورياً لقطع الطريق أمام الحالمين باستقطابهم.

وبغض النظر عن الاتهامات الموجهة لتلك الشخصيات السياسية اليمنية بأنها تعمل لصالح عُمان أو قطر، فإن تلك الاتهامات لا تعدو عن كونها اجتهادات من البعض؛ بناءً على الإعلامي أو السياسي الذي قد تلجأ إليه تلك القيادات الشرعية لإبداء آرائها ونقل تصريحاتها.

بل أن البعض يؤكد أن صقور الشرعية يلجأون إلى مثل هذه الأساليب للفت انتباه التحالف، وتحذيرهم من أن جفاءهم هذا قد يعود عليهم بنتائج سلبية، تضر مساعي التحالف وتهدد كيان الحكومة الشرعية في اليمن.

ترميم بيت الشرعية أولاً

يعتقد مراقبون أن الحكومة الشرعية سواءً برجالاتها الأقوياء من "الصقور" أو برجالاتها المعتدلين من "الحمائم"، بحاجةٍ إلى توحيد صفوفها أولاً قبل دعوة التحالف العربي إلى تبني صقور الشرعية في معاركه.

ويرون أن الحكومة الشرعية -وأي مكون سياسي أو عسكري آخر- لا يمكن أن تنتصر دون أن تحتفظ بصقورها ورجالها الأقوياء ممن تبنوا مواقفها ونافحوا عنها وروجوا لسياستها وثوابتها طيلة فترة الأزمة.

ولهذا يدعو المرقبون إلى توحيد بيت الشرعية اليمنية، والكف عن الردود التي تتناقلها وسائل الإعلام مؤخراً بين الحمائم والصقور، والتي لن تؤدي إلا إلى خسارة الجبهة الموحدة الداخلية، في مواجهة كافة الخصوم محلياً وإقليمياً.

فالشرعية لن تنتصر، ولن تحافظ على أي مكاسب سياسية كانت أو عسكرية ما دامت مستمرة في خسارة صقورها ورجالها الأقوياء.

فالأزمة الأخيرة في عدن والمحافظات الجنوبية كانت فيها لهجة الصقور عالية، ونبرتها أقوى وأوضح من دونها، كما أن هذه الأزمة كشفت كم تحتاج الحكومة الشرعية -وأي مكون سياسي- إلى رجالٍ أقوياء يتبنون سياستها ومشروعها، ويتحدثون باسمها.

فالحفاظ على مسار التنمية والبناء والاستمرار على هذا النهج، في ظل الظروف الصعبة التي تنر بها البلاد كفيل بمنح هذه الأسماء صفة الصقور، ونعتهم بنعت الرجال الأقوياء.

وما على التحالف العربي إلا البناء على أمثال هؤلاء لتحقيق أهداف تواجده في اليمن، فلم تتم أهداف التحالف إلا بيمنيين يعرفون ما يفعلون.