آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-06:53م

ملفات وتحقيقات


"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات( القطار .. رحلة إلى الغرب ) للرئيس علي ناصر محمد(الحلقة 22)

السبت - 15 فبراير 2020 - 01:57 م بتوقيت عدن

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات( القطار .. رحلة إلى الغرب ) للرئيس علي ناصر محمد(الحلقة 22)

(عدن الغد)خاص:

تعاني الشعوب العربية من الفقر والبطالة والفساد والاستبداد وانعدام الحريات والعدالة الاجتماعية ونهب الثروات .. فهل تصبح هذه المشكلات مزمنة وبدون حل ؟!

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله:

من السويد إلى كوبنهاجن

ينقلنا سيادة رئيس الجنوب الأسبق علي ناصر  هذا المرة عن رحلته من السويد إلى كوبنهاجن عقب مضي وقتاً مع من التقاء بهم  من السفراء والاصدقاء نترك له الحديث ليروي لنا عن تفاصيل عودته إلى كوبنهاجن حيث يشير قائلاً :" المكان: جوتنبرج

الزمان: 4 سبتمبر 2010 م

الوقت: الواحدة والنصف ظهرا بتوقيت السويد

أصر خالد السعدي على وداعنا حتى باب القطار الذي سيقلنا إلى كوبنهاجن، بعد أن اعتذرنا عن عرضه بنقلنا بسيارته إلى كوبنهاجن.. كرم كبير و دماثةأخلاق من خالد السعدي أخجلتناوأشعرتناكأننا في بلادنا وأنه واحد منا ونرتبط معه بعلاقة قديمة.

العربات قليلة... المقاعد مريحة... والركاب كعادة هذه الشعوب، يقضون زمن الرحلة بالقراءة.. وحتى إذا تكلموا إلى بعضهم، أو بالهاتف "الموبيل" فأنهم يفعلون ذلك بهدوء يشبه الهمس فلا ترتفع أصواتهم.. والبعض يسترخي، أو يخلد إلى النوم كأن لا هموم عندهم، إلا الانشغال بكيفية الترتيب والتخطيط لمثل هذه الرحلات، والإجازات ولميزانية الأسرة، وتربية الكلاب والقطط والذهاب الى السينما والمسرح. وطبعاً إعطاء العمل حقه من الجهد والإتقان، وغير هذا فإن حكامهم المنتخبين هم الذين يهتمون بشؤون السياستين الداخلية والخارجية.. وحين يشعرون بتقصيرهم في أمر من الأمور يحاسبونهم على ذلك،كأن يقصروا في تنفيذ وعودهم الانتخابية، أو يتورطوا في الفساد، أو في عمل من الأعمال غير المشروعة بما فيها الأخلاقية.. أما إذا وفوا بوعودهم، وحققوا النجاح في برامجهم فإنّ الفوز يكون من نصيبهم، في إعادة انتخابهم وتلك تكون جائزة هؤلاء السياسيين بعكس الامور في بلادنا حيث تحول الكل الى سياسيين أو بالاحرى (طباخين) وأفسدوا الطبخة .

 

الفقر والبطالة لشعوبنا

 

ويعبر عن آسفه لما اصاب الشعوب العربية من  فقر وبطالة قائلاً :" هموم شعوب بلداننا مختلفة تماماً.. الفقر.. البطالة.. الفساد.. الاستبداد.. انعدام الحريات والعدالة الاجتماعية.. نهب ثروات الشعوب من قبل مسئوليها.. ثراء الأقلية على حساب فقر الأغلبية الساحقة.. والتخلف، وتدني مستويات التعليم والصحة والخدمات.. وغيرها، تعرض المنطقة وشعوبها لمخاطر حقيقية، وتنعكس كلها على مستوى معيشتها، وعلى نوع اهتمامها وأولوياتها، وطبيعة مشكلاتها، وهمومها التي صارت مزمنة وبدون حل. وتنتج عنها صراعات سياسية تعاني منها المنطقة منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم.. وللأسف لا تزال مؤجلة، ولا يزال حكام بلادنا عاجزين عن تقديم الحلول لها على رغم طول أمدهم في السلطة.. فبعض الحكام والرؤساء يستمر حكمهم لأكثر من أربعين وخمسين عاماً (عبد الدايم أحد حكام الخليج وابنه عبد الصبور) ومع هذا لا يرحلون أو يتركون كرسي الحكم إلا إذا افتكرهم "عزرائيل" بعد عمر طويل! أو أدركتهم رصاصات الرفاق!! أو سجون الأبناء الذين يستعجلون وراثة الآباء.. أو المنافي..

 

حضارة الغرب المتقدم

 

ويضيف أيضاً :" على أعتاب ألفية جديدة وقرن جديد فإن الذي يصنع الحضارة الجديدة هو الغرب المتقدم.. ولسنا مشاركين في صناعتها.. جل ما نقوم به هو أن نستورد منتجات حضارتهم ليس إلا التي هي في أغلبها إما ترفيهي أو تدميري!!  ونعيش في حالة من الصدمة الحضارية عندما نزور بلدانهم ونرى انجازاتهم..

كل الدلائل والشواهد والمقارانات والارقام والممارسات تؤكد أننا متخلفون عن هذا الغرب بمراحل، والفجوة بيننا وبينه في اتساع كل يوم، بل كل لحظة، نحن مشغولون بسباق الهجن ومباريات كرة القدم وشراء النوق وتخزين القات والمسابقات الغنائية (أحد الأثرياء اشترى ناقة واحدة بعشرين مليون دولار وآخر دفع 20 مليون درهم ثمن رقم سيارة مميزة!!!..) بينما الشعوب تموت من الجوع ولا تجد من يقدم لها شيئاً.. هذا ما يدفع البعض إلى أحضان الإرهاب والتطرف الذي يجدون فيه متنفساً يلجأون إليه تحت دعوى شيوخهم بالجنة الموعودة والحور العين والولدان المخلدين.

أتأمل وجوه ركاب القطار الهادئة المسترخية.. أحاول الاقتراب منها، أو فهم ما يدور في خلدهم مهما كان... فهمومهم، ومشاكلهم، وتطلعاتهم نحو المستقبل هي غير همومنا، ومشاكلنا، وتطلعاتنا المستقبلية.. فهم مطمئنون على الأقل إلى حاضرهم ومستوى تطورهم... والمشكلة أن هذا الغرب هو الذي يقودنا في عصر هو من صنعه، وليس لنا القدرة على اللحاق به والاستفادة من تجاربه وحروبه.

اكتفي بهذا القدر من التأمل والتفكير في إجراء المقارنات بيننا وبين هؤلاء القوم، التي قد يرى غيري أنها غير مجدية..

استعين بمناظر الطبيعة التي توفرها لي نافذة القطار للانتقال إلى حالة أخرى غير مرهقة لتفكيري... أجدها في المناظر المتتابعة لـ بحيرات.. خلجان.. مزارع.. مصانع، وتفاصيل لا يمكن رصدها بمجرد العين وحدها، ولكن كاميرا رفيق رحلتنا لؤي صالح تلتقط الصور لما حولنا من مشاهد جميلة و طبيعة رائعة ومعالم تفوق الخيال والقدرة على  استيعابها فهي اشد إعجازا في جمالها وروعتهاوخاصة عندما تقرر أن توصفها على أوراقك.

"فادى بارى" محطة يتوقف فيها القطار.. يصعد إليه موظف، أومفتش، للتأكد من تذاكر الركاب، ينزل ركاب.. ويصعد إليه آخرون.. ينطلق مرة أخرى...

الأزرق.. والأخضر من جديد.. بحر.. بحيرات.. غابات.. تجتاح أعماقنا بألوانها، نطير في زهورها، ونبحر في نسيج غنائها، فتسكب فينا السكون وتسكن فينا راحة نفسية مفقودة.

 

رفيق رحلتي انساقت عيناه وأفكاره نحو شقراء جميلة



ويحكي سيادة الرئيس الأسبق  عن تفكير رفيق رحلته حيث قال :" رفيق رحلتي لؤي، انساقت عيناه وأفكاره نحو شقراء جميلة كانت تجلس على يمينه تقرأ.. بينما كان السيد لؤي يتصفح جسدها... ويبوح بما في نفسه.

يقول: أن أجمل ما في المرأة قلبها وركبتها!! والكلمة الأولى لا تعني القلب ومصدرها قلَب بفتح اللام ، والثانية يتغيير معناها بفتح الراء وتسكين الكاف.

يضحك مجدداً... ويضيف:

هذه الفتاه السويدية جميلة، وكأنها من "الحور العين" التي ورد ذكرها في القرآن الكريم..

ويعلق: في الجنة سيحتاجون إلى مثل هذه الفتاة.. ولن يجدوا مثلها!

يواصل ضحكه..

هل كانت تلك هي حقيقته ؟ أم انه كان يمزح فقط؟ أم رغبته الذاتية في السويدية الشقراء.. الفائقة الجمال إلى درجة تشبيهها بالحور العين؟!!

وكان كلما تكلم مع امرأة يكثر من استخدام كلمة "مرسي" الفرنسية، مع معرفته بأن الاسكندينافيات لا يتحدثن الفرنسية كثيراً، إلا العاملات منهن في الفنادق والأماكن السياحية بحكم عملهن.

الدكتور أو السيد لؤي، رجل مثقف، مهذب، ومتحدث لبق، وان كان يكثر من الكلام، ويفيض في الشرح خاصة عن باريس، فهو يعيش فيها منذ سنوات، ويعرفها أكثر مما يعرف بلاده سورية، أو مدينته حمص.

الوقت يمر سريعاً... وكذلك القطار يمر بنا فوق جسر معلق طوله نحو 8 كيلومترات، هو الحد الفاصل بين السويد وكوبنهاجن.. مررنا بمدينة "مال ماو" على الحدود الدنمركية... لم يوقفنا أحد للتفتيش أو رؤية وثائق سفرنا، أو تأشيرة دخولنا.. بل يمكن للمرء أن يتنقل بين بلدان القارة الأوربية بتأشيرة واحدة من أي منها، والسفر بعد ذلك إلى حيثما يريد..

اجتزنا الجسر المعلق، وهبطنا منه إلى نفق آخر إلى هامبورج التي وصلناها بالعَّبارة في العاشرة والخمسة عشر دقيقة مساء بعد رحلة استغرقت أكثر من تسع ساعات.. ونحن بحاجة ماسة إلى الراحة والنوم أكثر من أي شيء آخر.

وليس هناك أفضل من النوم في فندق جميل وفراش مريح بعد يوم حافل..



ويسترسل  بالحديث :" وقد جاءني النوم الهانئ بسهولة ويسر فى الفندق الذي نزلنا فيه، وأسمه "رويال مريديان" الواقع عند بحيرة "Aussenalster Lake "  الجميلة... قضيت الليل دون مقاطعات أو أحداث تذكر.. بعد نوم عميق استيقظت مبكراً.. شاعراً بالنشاط والحيوية والرغبة بالتواصل مع العالم الخارجي، والاستمتاع بالحياة ومواصلة الرحلة.. تأملت عميقاً في الأفق وشاهدت لحظة الشروق...، اللوحة والألوان التي ترسمها على صفحة السماء الصافية بعض السحب العابرة ورذاذ خفيف من المطر، تمنحك شعوراً مدهشاً بأنك تحب الحياة وتستحق أجمل مافيها وبأنك رأيت هذه اللحظة الإعجازية من خلق الله..

الطقس معتدل، متقلب بين الحرارة والبرودة الخفيفة في هذا الوقت من السنة قبل قدوم الخريف، وهجوم الشتاء بثلوجه وبرودته القاسية، تحتجب الشمس قرابة أكثر من خمسة أشهر، وتهب رياح الشتاء الباردة، وتحمل معها الغيوم الداكنة والأمطار الغزيرة، ومع ذلك فإن الناس الذين تعودوا على أجواء بلادهم هذه يستمرون في الحياة مهما كان الطقس مفرطا في قساوته أحياناً كما هو الحال مع سكان سيبريا أو الاسكيمو، مثلما نحن متعودون على حرارة شمس الجزيرة العربية اللاهبة، ورطوبتها القاتلة... التي شكى منها رئيس الوزراء السوفيتي كوسجين عند زيارته لعدن في نهاية سبتمبر عام 1979م وعند خروجه من باب الطائرة  قال بدهشة كيف تعيشون هنا؟ طلب منا الغاء مراسم الاستقبال والانتقال الى دار الضيافة بعد ان سلم على كبار المسؤولين في المطار، وكانت امنيته أن يسبح في خليج عدن إلا ان الاطباء نصحوه بعدم السباحة بدعوى انتشار كوليرا في المنطقة انذاك، ولم يكن ذلك صحيحاً حينها وانما كان من منطلق الحرص على صحته وحياته .

 

على الحدود السويسرية

 

ويستدرك عن رحلته إلى الحدود السويسرية  فيقول :" الرابع من سبتمبر الساعة الثانية عشرة ظهرا.. قطار -T.J.V- ينطلق بنا إلى "بازل" على الحدود السويسرية، وهي المدينة التي عقد فيها المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1897م الذي أدت مقرراته من ضمن أشياء أخرى أهم إلى قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948م وتشريد أغلبية شعبها الى دول الجوار وغيرها..

وكما هو حال معظم الدول الأوربية التي زرناها حتى الآن، كانت الطبيعة سخية أيضاً هنا، إذ كان قطارنا "يبحر" بين ضفتين من الأراضي الخضراء كأنها بساط ممدود.

وكالعادة أيضا فأن الركاب ومعظمهم أوربيون كانوا لا يعيرون مناظر الطبيعة الباذخة التي كان القطار يمر بها، نفس اهتمامنا نحن بها، ودهشتنا لسحرها بل أخذوا ينشغلون بالقراءة، ومتابعة اهتماماتهم عبر"الانترنت"  أوإنجاز أعمالهم عبره.. فالكمبيوترات المحمولة والانترنت يوفران الكثير من الوقت والجهد بفضل ما تقدمه الشبكة العنكبوتية من معلومات وخدمات سريعة لمستخدميها، ومثلا في رحلتنا هذه كنا نحجز الفنادق، وتذاكر رحلتنا، دون أن نكون مضطرين للذهاب إلى مكاتب الحجز، أو مكاتب السياحة بل عن طريق الانترنت، وحتى ونحن في قطار مسرع.. لكن أوربا ليست بلاد الإنجازات والمخترعات العلمية والتكنولوجيا الحديثة فقط، بل هي أيضاً بلاد التقليعات، والأزياء، والموضات الغريبة.. في القطار رأيت شابين يضعان أقراطاً ذهبية في أذنيهما.. وأحدهما يضع عدستين لاصقتين.. والآخر حلقة متدلية من أذنيه مثل البنات والنساء في بلادنا.. بينما جلست أمامهما فتاتان لا تلبسن الحلق أو الخروص كما نسميها في اليمن.. بل استبدلوها بوضعها على الآنف، أو على السرة المكشوفة ليراها الناس... وضع الحلق في الأنف عادة قديمة في دثنية وشبوة وحضرموت وبعض مناطق الهند عند المرأة، وفي بعض المناطق الجنوبية الأخرى قبل أن تتحول إلى موضة لدي النساء الأوربيات في السنوات الأخيرة..وحلق الرأس من الجانبين، وإبقاء خصلة وسط الرأس كما نراه اليوم في أوروبا، كان موجوداً لدينا وكان يسمى "قنزعة" وإطلاق الشعر الطويل وإرساله إلى الخلف لدي الرجال، كان موجوداً أيضاً عندنا، ويسمى "القصلة" ورجال البدو ورجال القبائل يتباهون بالشعر الطويل والقصلة التي يلفونها إلى أعلى.. وبسبب طولها يربطها صاحبها أكثر من مرة حتى آخر الشعر الذي يظهر كعرف الديك في أعلى رأسه ويدهنها بالسليط "الزيت" السمسم الذي يسيل وقت المقيل على مؤخرّة ظهره، وحتى قدميه وهو يغسل جسمه العاري من لون "النيل" Indigo النيلة السوداء...  

 

 



استمتع كثيرا بالقراءة والكتابة، متعتي اليومية

 

ويردف   فخامة الرئيس ناصر وهو  يواصل حديث ذكرياته :" ولم يكن غريباً أن أشاهد في القطار، وفي الكثير من الأماكن التي زرتها خلال رحلتي الاوربية هذه شباناً شعورهم أطول من شعور صديقاتهم، فوجدت صعوبة في التفريق بينهم، أيهما الفتيان وأيهن الصبايا.. ولكن يجب الاعتراف بأن الملابس والأزياء ليسا المقياس لرجولة الشباب، أو أنوثة المرأة هنا في اوروبا التي تجاوزت ذلك، باعتباره نوعاً من الحرية الشخصية، بقدر ما يعدون العمل ومقدار مساهمة الفرد في الإنتاج القومي، وتطور المجتمع هو مقياس للحكم على الشخص ومنفعته، ثم أن هذه التقليعات هي ظاهرة مؤقتة سرعان ما تزول مثلما زالت أو انحسرت موضة الهيبيز، والخنافس، والشارلستون، ورقص التويست التي كانت سائدة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الماضي، والتي غزت حتى بلداننا العربية كنوع من الانبهار بكل ما يأتي من الغرب، خاصة ما يتعلق بالموضة والتقليعات، وعموماً فأغلب شبان وشابات اوروبا جادون ويدركون أنه بدون العلم والعمل سيكون مصيرهم كمصير فقراء ومتعطلي دول العالم الثالث.

أما عن المرأة فنعلم أن المرأة العربية والشرقية عموما تهتم بمظهرها وأناقتها أكثر من اهتمامها بالعلم والعمل.. وتقضي ساعات طويلة في تجميل نفسها بكل مساحيق الدنيا وأحدثها، المستوردة من الغرب ومن الدول الأخرى الصانعة لها.. وتتعطر بأفخر العطور الباريسية وتتزيا بآخر أزياء الموضات العالمية، وبعضهن من الثريات، أو زوجات الأثرياء يتباهين بأنهن يسافرن خصيصاً إلى باريس من أجل شراء الملابس والعطور "والمكياجات" وخاصة نساء في بلاد الشام والدول الخليجية.. وفي بلدان الخليج تنفق المرأة على الموضة "والمكياج" وأدوات الزينة مليارات الدولارات ، فصرف المال على الجمال والزينة لا يهم بقدر ما هو المهم إرضاء رغبات النساء، ورغبة وشهوة الرجال! ولا شك أن القوة الشرائية الهائلة قد أدت إلى ارتفاع أسعار العطور وغيرها وهو ما يشكل استبعادا كليا لمحدودي الدخل.

وحديثي هنا طبعاً عن نساء الأثرياء وليس عن نساء الفقراء، فهؤلاء بالكاد يحصلن على كفاف يومهن والتبرج يعد نوعاً من الترف الذي لا يملكن حتى التفكير فيه، ناهيك السفر إلى عواصم الموضة لشراء آخر صيحاتها!!

على قطارنا أن يمر بنوفو، وفرانكفورت، قبل الوصول إلى بازل، وزيورخ.. المحطة الأخيرة له.. نظراً للسرعة التي سافرنا بها لم يتمكن السيد لؤي صالح مرافقي في الرحلة، من حجز مقصورة لنا على القطار الذي أقلنا من هامبورج إلى بازل..

بعد انطلاق القطار بوقت، انتقلنا إلى مقصورة تتسع لستة أشخاص، المقصورة كبيرة، والكراسي مريحة جداً، وبينها طاولة جميلة من الخشب هي التي أكتب عليها هذه اللحظة انطباعاتي وملاحظاتي عن الرحلة.. والكتابة هي عادتي اليومية المفضلة التي أدون خلالها أهم تفاصيل الأحداث، واللقاءات، والأشياء التي تخلق لدي حافزا قويا لتسجيلها أو الكتابة عنها، والتي تكون قد مرت بي أو عشتها خلال اليوم... وحتى عندما تنتابني حالة حزن فأنني أفرغ كل مشاعري التي لا أستطيع الإفصاح عنها صراحة، وأبوح بها إلى أعز رفيقين لي: الورق والقلم... فهما اللذان يحفظان أسراري إلى حين أقرر إخراجها، أو الإفصاح عنها...

 

 

الحنين إلى الماضي

 

ويضيف أيضاً :" وعندما أعود بين وقت وآخر إلى تلك المفكرات أو اليوميات في دفاتري الكثيرة تمنحني الراحة، وتشعرني بالحنين إلى الماضي، بكل إيجابياته، وسلبياته، ففي هذه الدفاتر عصارة تجارب حياتي..ورأيي في أهم القضايا، الأحداث.. الأشخاص الذين عاصرتهم، وبعضها كنت من الصانعين لها بحكم الأدوار التي هيأتها الظروف لي في بلادي.. و أجد فيها اليوم حين أعود لقراءتها مادة غنية جدا.. وهي تجمع بين الانطباعات الشخصية، وعناصر السيرة الذاتية، وأهم أحداث العصر الذي لازلت أعيش فيه.. وقد دونت اغلبها وأهمها في مذكراتي.

وأنا استمتع كثيرا بالقراءة والكتابة، وبالسباحة، ولعبة الشدة، أو "البطة" كما نسميها في اليمن... لكن الكتابة تكاد تكون متعتي اليومية الوحيدة التي مازلت مواظباً على ممارستها دون انقطاع إلا فيما ندر بالإضافة إلى القراءة.

فيما مضي كان التدخين متعتي المفضلة.. هذا إذا اعتبرنا التدخين متعة في الأساس ولم تكن آفة.. بل كارثة.

كنت مدمناً سابقاً على التدخين بأنواعه، السيجارة، السيجار الكوبي، المداعة، الشيشة.. وأدخن في اليوم الواحد 100 سيجارة، وأحيانا 120 حتى أن أصابع يدي اليمني استحال لونها إلى الأصفر، ورئتي إلى الأسود، أما دمي فقد أشبع بالنكوتين..

وفي بعض الأحيان كنت أدخن نحو ثمانية عشر ساعة متواصلة في اليوم الواحد.. كان ذلك عندما كنت رئيساً ورئيسا للوزراء ووزيراً للدفاع في عدن، في سبعينيات وثمانيات القرن الماضي، حيث كانت تضغط عليَّ ظروف وهموم العمل والقضايا والمشاكل التي تواجه الدولة في اليمن الديمقراطية بقوة، وقد تعرضت لأكثر من حادث صحي، وقد منعني الأطباء من التدخين، وفى النهاية تعرضت للخطر في عام 1997 م مما أضطرني إلى إجراء عملية دقيقة في القلب في لندن على يد الجراح المصري العالمي "مجدي يعقوب" .(1)..

 

وقد قدم لي مشكوراً الأستاذ ادريس حنبلة بعض الصور والمعلومات الذي أسس مركزاً صغيراً للتوثيق في منزله في الشيخ عثمان، ومعروف عن الاستاذ "حنبلة" أنه كان يهوى جمع الوثائق والصور وحتى علب السجائر التي كان يدخنها ويعدها ويحولها الى كروز (عروسة) ثم الى كراتين ثم الى حمولة سيارات، وهو يستشهد بذلك على الفترة الطويلة في حياته وهو يدخن لعشرات السنوات حتى توقف بسبب ما ألم به من التدخين الذي يعاني منه جميع المدخنين في العالم وهو يقول أنه من السهل على الانسان أن يتوقف عن التدخين ولكن من الصعب أن يواصل ويعود إلى التدخين مرة أُخرى.

كنت خلال عملي المرهق والمعقد هذا، والطويل أيضاً الذي يستحوذ على معظم وقتي، أغتنم ساعةً للسباحة، وكانت هذه الساعة أو ساعة نوم في القيلولة تعوضني كثيراً عن ساعات نومي القليلة في الليل، وتعيد إلي النشاط والحيوية، لاستئناف بقية مهامي وانشغالاتي اليومية المكثفة التي استمرت نحو 15 سنة تقريباً، والحقيقة أن ساعة السباحة قبل الغروب أو ساعة نوم القيلولة بعد الظهر كانتا تجعلاني في وضع أفضل للاستمتاع بعدها بإنجاز بقية اهتماماتي وتحقيق أهدافي، والحصول على الراحة والقسط الكافي من النوم والحياة السعيدة، التي لم يكن يعكر صفوها إلا المشاغل والمشاكل التي ترتبط في أغلبها بالصراعات بين الرفاق.. الصراعات التي أضاعت الكل وكانت من اسباب ماوصل اليه اليمن اليوم.

بعد قرابة الساعتين، وصلنا إلى "هانوفر" مدينة جميلة تكثر فيها البحيرات، ومولدات الطاقة الكهربائية بالرياح التي شاهدنا بعضها.. إلى جانبنا رجل ضخم، مفتول العضلات، زنداه وذراعاه وكفاه مليئة بالأوشام والكتابات والأرقام المخططة، مرقطة، منقطة، و بعضها يشبه جلد الثعبان...

والبعض وشم على كتفه علم وشعار النازية، اعتزازا بدورها في بناء قوة ألمانيا، وشن الحرب العالمية الثانية لتعزيز مكانتها في العالم، وأمثال هؤلاء لا يخشون من اتهامهم بالنازية.. وقد ظهرت بعض النزعات العنصرية والنازية خلال الفترة الأخيرة في ألمانيا التي يسمون فيها "بالنازيين الجدد" لكنهم غير مؤثرين في سياستها وحياتها، إذ تعتبر المانيا اليوم أقوى دولة في اوربا اقتصادياً، وهي التي أنقذت اليونان من الإفلاس الذي تعرضت له مؤخراً في عام 2012م.

نظر إلينا الشاب الضخم شزراً، وكأنه شعر بأننا كنا ننظر إليه أو نتحدث عنه، فقلت لمرافقي د.لؤي : لا تشيروا إليه فهو معجب بنفسه وضخامة عضلاته والوشم على يده، والخرصة في أذنه

ومازحت الدكتور لؤي:

احذروا هذا الرجل، فبوكس واحد منه كفيل برميك من القطار إلى البحيرة..!!

وكنا فعلا نمر بجانبها..

ضحك لؤي كعادته.. لكننا لم نتوقف عن الحديث عن هذا الشاب العملاق المفتول الساعدين والوشم الثعباني..

الطول والضخامة والوسامة ليست امورا غريبة  في أوربا.. حيث يمتاز الرجال بالطول الفارع الذي يزيد عند بعضهم عن 1.95 مترا والمترين بسبب الجينات والتغذية الصحية، والرياضة، وتمتعهم بالصحة وخلوهم من كثير من الأمراض رفيقة الناس في العالم الثالث.

في اليمن يسحق الفقر والقات البشر والشجر والتربة ويضعف المناعة ويستهلك المياه الضرورية للزراعة، فقلت المحاصيل اللازمة للإنسان مثل القمح والحمضيات أو النقدية مثل البن والقطن.. وضعفت مناعة جسم الإنسان ففتكت به الأمراض، وسوء التغذية.

ويشكو كثير من اليمنيين من أمراض الكلي، أما بسبب مياه الشرب غير الصحية، أو بسبب الأتربة التي تعلق بأوراق القات التي يجري ابتلاعها بدون غسلها.. حيث يعتقد البعض انه إذا قام بغسل القات، فإنه يفقد مذاقه، وبالتالي يعطل مذاق المقيل ومزاج المخزن... ومؤخراً بسبب المبيدات الكيميائية.  .. ( للحديث بقية ) ..

هوامش /

 

1- - مركز القلب فى أسوان، أسسه ويشرف عليه، جراح القلب العالمى «السير» مجدى يعقوب، ليكون ملاذاً لقلوب البسطاء وليكتب بمشرطه قصة نجاح وأمل جديدة على أرض مصر، وهو مؤسسة أهلية مصرية غير هادفة للربح، ويعتمد على التبرعات ويهدف إلى تقديم أفضل الخدمات الطبية المجانية للمرضى، خاصة الفئات الأقل حظاً، والأكثر احتياجاً، مع إعطاء اهتمام خاص للمرضى من الأطفال، ويعد أكبر مركز للأبحاث والتدريب والعلاج فى مجال أمراض القلب، ويقدم خدماته الطبية مجاناً لغير القادرين، خصوصاً للأطفال. وكان السيد مجدي يعقوب قد عرض علي عام 1998م