آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-09:58م

ملفات وتحقيقات


تقرير يبحث اسباب تراجع علاقة المجلس الانتقالي بالسعودية..الانتقالي والرياض..ما الذي حدث؟!

الجمعة - 14 فبراير 2020 - 05:05 م بتوقيت عدن

تقرير يبحث اسباب تراجع علاقة المجلس الانتقالي بالسعودية..الانتقالي والرياض..ما الذي حدث؟!

عدن(عدن الغد)خاص:

 

تثير الأوضاع في عدن والمحافظات الجنوبية الكثير من الجدل والغرابة، بسبب تقلباتها المتكررة، وأزماتها المتلاحقة، وليست تلك التقلبات في حد ذاتها هي من يثير الجدل والغرابة، ولكن هناك ما هو أكثر منها جدلاً.

 

فالتحالفات السياسية هي من تشهد تقلباتٍ تكاد تكون جذرية، وذلك خلال الفترة الماضية، وتحديدًا عقب توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

وقد تكون مثل هذه الظواهر مقبولة؛ إذا عرفنا كيف ينظر متخصصو العلوم السياسية والعارفون بها إلى علم السياسة، حيث يُصنف بأنه علم "التقلبات"، كونه يخضع للمصالح والتنازلات، التي تحدد وجهة وبوصلة كل طرف من الأطراف السياسية تجاه الآخر.

 

فلا شيء مستحيل أو مستعصٍ في عالم السياسة، ولا يوجد هناك ما هو غير متوقع.

ولا نبالغ، لو أسقطنا هذا التوصيف على الوضع السياسي داخل عدن والمحافظات الجنوبية، وهو وضعٌ بدأت فيه خارطة التحالفات والعلاقات السياسية تشهد تغييرًا وتطورًا خطيرًا لم يكن أحدٌ يتوقعه.

 

 

 

صدمات التحالفات غير المدروسة

 

انطلقت "عاصفة الحزم" أواخر مارس 2015، في تحالفٍ عسكري قادته المملكة العربية السعودية، تعاملت معه الأطراف السياسية والعسكرية في المحافظات الجنوبية بكل ترحاب، بل ومضت تلك الأطراف تضع نفسها تحت إمرة هذا التحالف، وتعتبر نفسها جزءًا منه.

 

ومضت سنون الحرب في اليمن، لتكشف عن تغيراتٍ في تلك التحالفات، فبعض القوى والمكونات السياسية والعسكرية كانت بحاجةٍ إلى من يتبنى قضيتها، ويحول أحلامها السياسية إلى واقع، فارتمت في أحضان من ظنت أنه سيحقق طموحاتها.

 

فانصدمت تلك القوى بتعرضها لعملية استغلال كبرى، فلم تستطع من خلال تحالفاتها تحقيق غاياتها السياسية، بل تم استغلالها وتوظيفها لابتزاز قوى أخرى؛ لأنها ببساطة انخرطت في تحالفاتٍ غير مدروسة، فاضطرت للتوجه نحو حليفٍ آخر علّها تجد فيه ضالتها؛ غير أنها تعرضت لصدمةٍ ثانية، كانت أسوأ

من ذي قبل.

 

وبعيدًا عن عموميات التورية، فإن التحالفات التي نشير إليها هي التحالفات التي صاغتها جهاتٍ جنوبية، مع اللاعبين الإقليميين الفاعلين، وتحديدًا  المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي تحالفات مشروعة ومتاحة لمكونٍ سياسي كالانتقالي يبحث عن غاية وجوده، وهي استعادة الدولة الجنوبية، وفك الارتباط.

 

وجميع تلك التحالفات التي صاغها الانتقالي، يمكن تبريرها تحت مسمى الدعم السياسي والعسكري لمواجهة المد الحوثي ومشاريع السيطرة الإيرانية، وهو ما يتفق مع مخاوف دول الإقليم، ولهذا بُنيت تلك التحالفات.

 

غير أن خروج غايات تلك العلاقات والتحالفات عن إطارها العام الذي وجدت من أجله، وهي كبح جماح المد الحوثي الإيراني في اليمن، هو ما تسبب في صدماتٍ متوالية تلقاها الانتقالي.

 

حيث لم يدرك الانتقالي أن الخروج عن الهدف المحدد لتواجد التحالف العربي في اليمن قد يسيء للتحالف العربي أولاً قبل أن يسيء للمجلس الانتقالي، وربما هذا السبب هو الذي أدى بدولةٍ أساسيةٍ في التحالف كالإمارات إلى سحب قواتها والخروج من عدن.

 

 

 

تحالفات ما بعد اتفاق الرياض

 

لم يكن خروج الإمارات من عدن عفوياً أو بطريقة سلسة، بل مرّ بعمليةٍ قيصرية نتج عنها تسليم المدينة لقوات الانتقالي على حساب قوات الحكومة الشرعية.

 

كان السيناريو المعد مسبقاً، بحسب محللين، أن يفاوض الانتقالي خصومه وهو في مركز قوة، حتى يتم فرضه كمكون أساسي، ويتم الاعتراف به من قبل الشرعية والتحالف العربي بشكلٍ رسمي. وهو ما تم فعلاً من خلال الخوض في اتفاق الرياض، وقبول الحكومة باستيعاب الانتقالي في قوامها المستقبلي.

 

عندها فقط، يبدو أن المجلس الانتقالي بحث عن تحالفٍ إقليمي آخر، فلم يجد أمامه سوى المملكة العربية السعودية التي تبنت مشاركته في مفاوضات اتفاق الرياض ومخرجاته، بحيث أصبح الانتقالي مكونا معترفا به. ولم يكن الحليف الجديد بعد اتفاق الرياض، كالحليف القديم قبل اتفاق الرياض، حيث لم يكن أمام السعودية خيار من تبني دعم ورعاية الحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما يأتي معارضاً مع توجهات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرى في الحكومة خصماً سياسياً، إن لم يكن عسكرياً أيضاً.

 

فالعلاقة القوية بين الرياض والشرعية لم تأتِ على هوى الانتقاليين، وهذا يبدو أنه ما وتّر العلاقة بين السعودية والانتقالي في عدن والمحافظات الجنوبية، والتي نحن بصدد مناقشتها.

 

 

 

لماذا تراجعت علاقة السعودية والانتقالي؟

 

في حقيقة الأمر، يعتقد مراقبون أن تدهور العلاقة بين الانتقالي والرياض لم تكن وليدة المحاولة الأخيرة لقوات الحكومة الشرعية في العودة إلى عدن، أو المرور عبرها نحو جبهات القتال مع الحوثيين. بل كان مردها إلى العديد من الأحداث والخلافات التي خرجت إلى السطح

مؤخراً، والتي تراكمت وتجمعت لتشكل كرة ثلج ضخمة، قادت نحو تراجع العلاقة بين الجانبين إلى هذا المستوى، وإلى درجة الصفر. وربما أن أحد تلك التراكمات يكمن في حرص السعودية على خلق علاقات متوازنة مع كافة المكونات والأطراف في اليمن، في مقابل علاقة الخصومة التي يتبناها الانتقالي مع الشرعية تحديداً.

 

ومن تلك التراكمات أيضاً ما يتعلق بتنفيذ اتفاق الرياض، والذي يعاني ملفاه الأمني والعسكري مخاضاً عسيراً حال دون تنفيذهما بشكلٍ فعلي في عدن على وجه الخصوص. وهذا يقودنا إلى العديد من الأحداث التي شهدت توترًا بين السعودية والانتقالي في عدن وعددٍ من المحافظات الجنوبية، لأسبابٍ عسكرية.

 

كما أن تراجع العلاقة ظهر جلياً، وبوضوح لا يمكن إغفاله، بعد الهجمات التي تعرض لها مشرف الفريق الإعلامي لقيادة التحالف العربي بعدن، ناصر حبتر، والتي وصلت لهجتها إلى مستوى "الحدة"، على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الانتقاد الأساسي حينها لطبيعة التدخلات السعودية ودعم

عدد من القطاعات الصغيرة.

 

وعقب كل تلك التراكمات، جاءت واقعة محاولة مرور قواتٍ من الجيش اليمني مسنودةً بمدرعاتٍ سعودية عبر منفذ العلم، شرق عدن، وهي الواقعة التي فجرت التوتر في علاقة الانتقالي مع السعودية، وجعلته ينحو منحنى مغايراً.

 

 

 

الانتقالي.. كيف يرى الوضع؟

 

لا يمكن الجزم أبداً بأن المجلس الانتقالي يتعمد جعل علاقته مع المملكةالعربية السعودية متوترة، فهذا ليس من مصلحة الانتقالي، الذي يؤكد دوماً في تصريحاته الرسمية، وتصريحات قياداته، على العلاقة الوطيدة مع الرياض، باعتبارها الراعية لكل التفاهمات والتوجهات نحو إعادة وتطبيع الحياة في

البلاد.

 

ويرى مراقبون أن المجلس الانتقالي من الحصافة والخبرة السياسية بحيث لا يعمد إلى تصعيد أي خلافات أو تباينات سياسية مع قائدة التحالف العربي، خاصةً في هذه المرحلة التي يعتبر فيها الانتقالي أحد الأطراف السياسية التي يعول عليها في تطبيع الأوضاع بعدن وما جاورها، إن لم يكن هو الوحيد.

 

لهذا فالانتقالي، بالفعل، حريص على الحفاظ على "شعرة معاوية" مع السعودية، لأنه باختصار ليس له بديل عن هذا الخيار، حتى وإن تمسكت الرياض بالحكومة الشرعية، الخصم السياسي للانتقالي.

 

فكثير من المحللين يرون أن منع قوات الانتقالي لمرور القوات الحكومية نحو عدن قبل أيام، لم يكن موجهاً ضد السعودية بقدر ما هو موقف ومبدأ أساسي من الانتقالي تجاه الحكومة الشرعية وقواتها، التي يتهمها الانتقالي بأنها تحوي عناصر "إرهابية"، بحسب رؤيته.

 

كما يعتقدون أن الانتقالي لم يكن يوماً ضد الرياض، غير أنه يحرص على إشراكه في تفاصيل أية تحركات عسكرية وسياسية خاصة بتنفيذ الاتفاق، باعتباره سلطة الأمر الواقع في عدن وما جاورها، ومن مصلحته تنفيذ اتفاق الرياض بحذافيره؛ حتى تعود الحياة إلى طبيعتها.

 

وهو ما يؤكده الانتقالي دوماً، ويؤكد حرصه على العلاقة مع الرياض، مهما اختلفت أو تباينت المواقف وتنوعت الأحداث.

 

 

 

الانتقالي يُلقي بالكرة لملعب الشرعية

 

يؤكد الانتقالي أنه ليس الطرف المعرقل لاتفاق الرياض، ويشير بأصابع الاتهام للحكومة الشرعية بتعمدها في عرقلة الاتفاق، وهي من تُسيء إلى علاقتها مع السعودية، وتعرض الاستقرار في المحافظات الجنوبية للتوتر. فالعلاقة مع السعودية من وجهة نظر الانتقالي مصيرية، وكثيرًا ما يُروّج

لنفسه باعتباره الخيار الأفضل في المنطقة، وعلى الرياض أن تتمسك به كون الانتقالي هو القادر على تثبيت الأمن والاستقرار، كما يُسوّق لذلك. وعليه فإن العلاقة بين الانتقالي والسعودية في أوج مراحلها، بحسب تصريحات الانتقالي وقياداته، وأن العلاقة مستمرة في ظل تفاهمات سياسية وأمنية وعسكرية.

 

ويبدو أن هذا الرأي يمتلك الكثير من الوجاهة، كون الانتقالي وقواته الموالية هي من تسيطر على الأرض، ويمتلك شعبية وقبولا لا يمكن إنكاره، على الأقل في أوساط القوات والتشكيلات الأمنية الموالية.

 

 

 

ما الذي يمكن للسعودية أن تقوم به؟

 

في ظل هذا الوضع في عدن وما جاورها المليء بالتعقيدات، حد التخمة، تقف المملكة العربية السعودية محاولة تفكيك هذه العقد وحلحلتها للوصول إلى صيغ توافقية تمكن الجميع من تحقيق الاستقرار وتطبيع الحياة. وهي مهمة محفوفة بالمخاطر، تخوضها الرياض منذ فترة طويلة، وهو السبب الذي اعتبره محللون أنه خلف التأخر في تنفيذ اتفاق الرياض، بعد نحو أربعة أشهر من التوقيع عليه.

 

فالسعودية تعمد إلى استخدام قوتها "الناعمة" لتنفيذ الاتفاق، فهي تدرك أن الوضع الأمني والعسكري في المنطقة لا يحتمل مزيداً من التصعيد أو استخدام القوة "الخشنة".

 

كما أن الرياض بمقدورها عقد العديد من التحالفات، وتوطيد المزيد من العلاقات مع مكونات وقوى سياسية مختلفة في الداخل اليمني، ولكنها حريصةعلى البناء على ما هو موجود من مكونات ممثلة بالشرعية والانتقالي. لهذا.. يبدو أن خيار السعودية هو العمل والاستمرار في العمل، ولا يمكن

لها أن تتوقف في وسط الطريق بسبب عرقلة طرف أو آخر، نظرًا لالتزاماته اللمحلية والدولية، وهي التزامات تحرص الرياض على الإتيان بمقومات نجاحها مهما تأخر الوقت.

 

فسياسة "النَفَس السعودي" في مثل هذه الاتفاقيات يُصنف بأنه طويل، لكنه في الأخير يُؤتي أُكله ويُعطي حصاده بشكل وفير.

 

 

 

حلفاء جدد

 

هناك من يرى أن مماطلة أطراف الصراع في عدن والمحافظات المجاورة، في تنفيذ اتفاق الرياض ربما ستقود السعودية للبحث عن تحالفات أخرى. وهو ما يرجحه البعض عطفاً على الجمود في الحياة العامة داخل عدن رغم جهود المملكة على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية.

 

ويعتقد مراقبون أن هناك العديد من الحلفاء الجدد الذين قد يمثلون خياراً للسعودية لتسريع وتيرة تطبيع الأوضاع في عدن، وهي المهمة التي طالت وتأخرت كثيراً.

 

من هؤلاء الحلفاء يبرز اسم قائد قوات "حراس الجمهورية" العميد طارق صالح، الذي كان ضيفاً على قادة السعودية في الرياض قبل أسابيع، وهو ما يرجحه كثيرون ليكون حليفاً بديلاً عن كل من يعرقل أو يتهاون بتنفيذ اتفاق الرياض.

 

ومن الحلفاء الجدد الذين يمكن أن يعول عليهم، رئيس الوزراء اليمني، الدكتور معين عبدالملك الذي يعتبر بسياسته المتوازنة مع كل الأطراف مرشحاً ليكون الرجل القادم في المشهد، مستفيدًا من علاقاته المتشابكة، كونه رجلاً في الشرعية، ويتمتع بقبولٍ لدى الانتقالي، كما أنه رجل

السعودية بامتياز وعلاقته بالبرنامج السعودي لإعادة إعمار وتنمية اليمن، منذ أن كان وزيرًا للأشغال العامة.

 

ومهما كانت الخيارات أمام الرياض في بناء تحالفاتها الجديدة فإن نطاقاتها لن تبتعد عن النطاقات التنموية من جهة، والنطاقات الأمنية بأبعادها العسكرية من جهةٍ أخرى.

 

 

 

تفكيك التوتر

 

هناك العديد من الخيارات التي قد تبدو صعبة وأحياناً مصيرية، سواء للرياض أو من تتعامل معهم من أطراف ومكونات داخل عدن ومحافظات الجوار. لكنها خيارات مُلحة لا مناص منها إذا أرادت السعودية تفكيك بؤر التوتر والصراع في هذا الموقع من اليمن، ويقترح مراقبون أن تتخلى الرياض عن

سياسة النفس الطويل، وأن تسارع في فرض رغبات المواطنين الباحثين عن الاستقرار والأمان.

 

كما يقترح آخرون التخلي عن سياسة "القوة الناعمة" والشروع في أعمالٍ وخطواتٍ تنفيذية، خاصةً في المجال التنموي تحديداً، والمجال الأمني أيضاً؛ تُعيد للمواطن اليمني والعدني الثقة بحياةٍ أفضل.