آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:56م

من هنا وهناك


تاريخ الشرق؛ قصة صناعة التزييف المستمر ؟!

الثلاثاء - 11 فبراير 2020 - 12:24 م بتوقيت عدن

تاريخ الشرق؛ قصة صناعة التزييف المستمر ؟!

كتب / محمد الصباغ:

هناك صفحات كثيرة من التاريخ ؛ لم يتم تدوينها ؛ لأنها حصيلة العمل السري والمؤامرات والصفقات غير الوطنية ؛ والتي تمت في الغرف المغلقة والمساحات السوداء ، وعبر الأشخاص في الخلفية ؛ من أصحاب المهام السرية وعملاء أجهزة المخابرات المجندون ، وما بقي من أثر هؤلاء ؛ هو أثر العمليات التي نفذوها والإتفاقات التي أبرموها وهو أيضا دليل باق غير مسجل تماما ؛ ولكن كاشفا أنهم فعلوا ما فعلوا !! .

وفي "الشرق الأوسط " عبر التاريخ وإلي الآن ؛ كان هؤلاء النافذون ؛ يطمحون إلي تنفيذ المزيد من العمليات التي تحكم الشعوب وتتلاعب بمصائرها أيضا ، وهم في النهاية وسواء بأنفسهم أو عبر غيرهم وبواسطة عملاء آخرين ؛ وسواء كان ذلك بالدعاية أو بالعمل السري ؛ فقد كانوا يصنعون تاريخا مغايرا ؛ يغطي علي التاريخ الحقيقي ، ويتلاعب بالوعي الإنساني ، ويؤسس بصراعات جديدة تستهلك أرواح الملايين من البشر  والذين يجدون أنفسهم ضحايا لعبة لم يلعبوها ؛ ويتلفظون بكلام صاغه آخرون ؛ ويتحدثون بحكايات مطبوخة ومصنوعة وكأن هذا هو التاريخ !! .

 

محمد علي الوالي  " الفرنسي " في مصر ؟!

منذ عام 1805و"محمد علي" يعتبر نفسه مواطنا فرنسيا ؛ يحكم مصر ؛ وهو قد اعترف بنفسه بهذا ؛ ولم يخفيه حتي الأيام الأخيرة من عمره ؛ في سنوات حكمه الأولي فقد صرح بذلك حين كان يتولي بنفسه الدعاية عن شخصه وأصله وأعماله ؛ وكذلك حين جدد " محمد علي "  التصريح بذلك الفضل الفرنسي عليه ؛ في مايو " آيار" 1841 بعدما انكسر عسكريا وقبوله بمعاهدة لندن في العام السابق 1840 .

لن تكون هذه هي المعلومة المؤكدة الوحيدة  عن التبعية الفرنسية التي خضع لها " محمد علي " ؛ والتي كان تأكيدها هي سنوات حكمه الطويلة ( 1805 وحتي 1848) .

 

في حياة الوالي" محمد علي " تصريحات ذات دلالة قوية ؛ وتكشف في نفس الوقت العلاقة الخاصة جدا بينه وبين "الدولة الفرنسية " ؛ فقد صرح مثلا في مايو" آيار " 1832 بعد أن عادت أسرة " البربون " إلي حكم فرنسا وقد استعاد "البربونيون "السلطة مؤقتا في فرنسا بعد سنوات من الحكم الثوري الذي أعقب الثورة الفرنسية ؛ صرح محمد علي قائلا : " أدين لفرنسا بما أنا عليه وسأدين لها بما سأكون" ، " وفي الوقت الذي كان فيه " محمد علي " يوسع في علاقات دبلوماسية مهمة مع " البربونيين " الذين عادوا للحكم ؛ فقد كان هناك أيضا خبراء وعلماء وعسكريون فرنسيون يشعرون بالحنين للإمبراطورية الفرنسية ؛ وقد جاءوا إلي مصر ؛ ليضعوا أنفسهم في خدمة " محمد علي والي مصر " الذي كان ينظر له في هذا الوقت علي أنه وريث أفكار نابليون في الشرق . وتقول الباحثة " كارولين جوتييه كورخان " في كتابها " قصة فريدة لنابليون الشرق " : " لقد استطاع محمد علي ؛ نابليون الشرق ؛ أن يؤسس دولة حديثة يرجع الفضل فيها جزئيا إلي هؤلاء الذين أصبحوا موظفين مصريين " . وقد عبر أيضا "محمد علي" عن عميق إمتنانه لفرنسا وللفرنسيين الذين أقاموا له دولته في مصر قائلا : " أدين بكل شيء لفرنسا ؛ بكل شيء لملكها ، إن من ساعدوني علي الخروج من البربرية التي كنا منغمسين فيها فرنسيون . إن أسطولي وتنظيم قواتي ومؤسساتي وتجارتي ليست إلا ثمرة هذا العمل النبيل ؛ وكيف لا أحب الفرنسيين " .

 

"إنطلاقا من هذه العلاقة المتميزة تأسس طيلة سنوات حكم عائلة محمد علي الألبانية التي استولت علي حكم مصر بالمساعدة الفرنسية ؛ ما يمكن أن يطلق عليه في الواقع " مجتمعا فرانكفونيا " ؛ كانت اللغة الفرنسية هي لغة التواصل داخل العائلة الحاكمة ؛ وتستعمل أيضا من قبل الطبقة البرجوازية التي تخلقت بوجود " محمد علي " وطوال سنوات حكمه .

وقد حافظ "محمد علي" طوال فترة حكمه الطويلة ؛ علي علاقات مع الإمبراطور نابليون الأول ؛ وأيضا مع الملوك : "لويس الثامن عشر" و"شارل العاشر " و" لويس فليب " !! .

 

وفي مايو " آيار"1841 ؛ أضاف " محمد علي "إلي توصيف لعلاقته مع فرنسا ؛ رغم ما تعرض له من إنكسارات ؛ قائلا : "  ما من صديق مخلص لي سوي فرنسا " .

 

في كتاب الباحثة الفرنسية " كارولين جوتييه كورخان " : " قصة فريدة لنابليون الشرق .. العلاقات المصرية الفرنسية في عهد محمد علي (  1849 - 1805 ) ترجمة ؛ نانيس حسن عبدالوهاب ؛ ومراجعة وتقديم : مجدي عبد الحافظ ، ومن إصدارات المركز القومي للترجمة في عام 2015 في هذا الكتاب الكثير من المعلومات والحقائق والوقائع ؛ التي تعمد إغفالها من كتبوا عن أعمال محمد علي في ظل حكم أسرته ؛ وأيضا بعد أن زال حكم أسرته بإنقلاب 23 يوليو " تموز " 1952 .

 

في عهد البطريرك " بطرس السابع " الذي جلس علي كرسي البطريركية ( 1809 -  1852 )  فقد أراد " محمد علي باشا " أن يرد  بعض الجميل للحكومة الفرنسية ورجال " السان سيمون " بسبب ما أظهروه نحوه من تعاطف وما باشروه في مصر من مشروعات نفذوها لصالح "محمد علي" وطموحه ؛ وقد نفذ محمد علي الكثير من محاولات رد الجميل؛ لفرنسا الكاثوليكية ؛ فقد نفذ محمد علي مشروعا بإقتراح من أحد قواد جيشه وكان فرنسيا كاثوليكيا ؛ بأن تضم الكنيسة المصرية الأرثوذكسية ؛ إلي الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية ، وقد ترتب علي هذا المشروع الإندماجي مع الكنيسة الفرنسية ؛ أن صار الكثير من أعيان الأقباط "إتحاديين " .

كما قدم "محمد علي " الكثير من المساعدات إلي الجيوش الفرنسية الكاثوليكية في غزوها للجزائر العربية المسلمة ؛ حتي تم نجاح الغزو في عام 1828 . وقد استمر "محمد علي" في نطاق التبعية الفرنسية الكاثوليكية ؛ حتي وفاته في عام 1848 .

                                 

علي امتداد صفحات هذا الكتاب " العلاقات المصرية الفرنسية في عهد محمد علي " ؛ المترجم أخيرا في مصر ؛ سوف يطالع القارئ الكثير من الحقائق ؛ التي ستكشف أن حكام مصر من بعد " محمد علي " لم يكونوا من نسله ؛ بل كانوا من نسل إبراهيم باشا ؛ والمؤكد أن "إبراهيم باشا " ليس إبنا لمحمد علي ؛ بل هو إبن " أمينة هانم " التي تزوجها محمد علي بعد وفاة زوجها ؛ " أبو إبراهيم " . وهنا يمكن القول أن حكم أسرة محمد علي ؛ ليس وصفا دقيقا أو حقيقيا للعائلة التي حكمت مصر بعد وفاة " إبراهيم باشا " ومقتل " عباس الأول " !! .

 

لقد قدمت الباحثة الفرنسية " كارولين جونييه كورخان "  كتابا هاما جدا وكاشفا للحقبة الفرنسية التي أعقبت نهاية الحملة النابوليونية علي مصر في العام 1801 . والتي حكم فيها محمد علي مصر ومعه مجموعة " الفرنسيين " والسان سيمون ؛ الذين كان هم عماد نظامه " غير المصري" والذي استبد فيه " محمد علي " بحياة المصريين ؛ إلي درجة "الإستعباد " ومن الإستبداد ؛ فاقت كل ما كان سابقا في فترة حكم " الأجانب المماليك "  !! .