آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-01:26م

أدب وثقافة


الذكرى (السابعة) لرحيل الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي .. روح الغناء الوثابة وصوت الأمة..(خلاني وراح)

الثلاثاء - 04 فبراير 2020 - 04:15 م بتوقيت عدن

الذكرى (السابعة) لرحيل الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي .. روح الغناء الوثابة وصوت الأمة..(خلاني وراح)

كتب الناقد الفني والباحث/ عصام خليدي

مازالت ذاكــرتي ترسم وتـسـتعـيد الـ مواقف الجـمـيـلة الراسخة والرصينة مــع الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي منذ بدايات العلاقة الحميمة والوثيقة التي جمعتني به وفي لقاءات متعددة أتـذكـر فيها سلطة الأبوة التي غمرني بفيضها لسنوات طويلة كان ديـدنـه محباً متسامحاً ناصحاً ومخلصاً في الأقوال والأفعال..

 لقد كُـتب عن الفقيد الفنان المرشدي كما كتب عن سائر أمثاله مـن الناس / الـنخبـة – الهيـام والمـوت حـباً في الوطن .. وبالتالي تـــبـوؤ  مقامات المعاناة النبيلة والسامية.. شاقة وصعبة الكتابة حينما نسطر حروفها بحبر مـداد الـقـلب عن فقيد الغناء والوطن (المرشدي).. أحاول عـبثـاً محاكاته ولمسه من أي طرف متاح كي يستوي النص نصاً خالياً من الحرائق ، الإختراقات... استطرادات البــكاء.. والأحزان ، أعني إني أبذل قصارى المعـرفة كي أبلغ معناك والإلمام ولو ببعضك الكثير والجميل..

 

 يـُـعـد الفــنان الكبــيـر مــحــمد مــرشـد نــاجــي واحـداً مــن أهـــم دعــائم وركـــائز (الغناء التجديدي العدني الحديث) بالإضافة لـدوره البارز الهام والمؤثر بتقديم الموروث والفلكلور الغنائي اليمني بكل تلاوينه وإيقاعاتها المختلفة والمتعددة بأسلوبٍ رائع أخاذٍ ومقدرةٍ فائقة أعادت إليه الروح والحياة بــعد حالــة الإهمال والنسيان .

 

 

ولعل ( المرشدي ) من الفنانين القلائل الذين تمكنوا ببراعة من تقديم عطاءات ونتاجات إبداعية استندت على محاكاة التراث اليمني برؤيته المستقلة بمنظوره ومنهاجه ومدرسته المتميزة معتمداً بذلك على جمال وعذوبة ورقة (صوته الــذهــب) و سلاسة وسلامة مخارج الألفاظ والقدرة الهائلة على التغيير والتنويع بخلق جمل لحنية نغـــمية (ديناميكية) والاهتمام بالــمـقـامــات والايقاعات اليمنية المصحوبة بثراء في العاطفة والـشـجــن المتـــدفـــق والمرتــبــط بــجــذور وأصــول الـتـربـة الـيـمـنـيـة المــعــطــاء .

 

 

  أن صـــوت (المرشدي السـرمـدي ) ونحن نستمع إليه يخيل إلينا ونحس كأنه جاء منبعـثـاً من أعماق الأرض والتاريخ حاملاً بصوته الرخيم العذب أبرز وأهم ملامح الأصالة والحضارة اليمنية المترامية بإمتدادها واتساعها في كل أرجاء الجزيرة العربية والخليج العربي، مـــؤكداً بـ أدواته وقدراته الإبــداع الــ متفردة  (جدارته وحنكته) في توصيل كل تلك السمات الفنية والتفاصيل التاريخية / الإجتماعية/ السياسية بحرفية وتقنية عالية وبملكه الفنان المبدع الخلاق المتكئ بمشروعه الغنائي الموسيقي على مرجعية الثقافة والعلم وفي الإطلاع و البــحث عن المـــعرفة بكل شـــاردة وواردة (يصادفها فــي جامــعة الحــياة).

 

 

عُـرف الفقيد منذ يفاعة الصبا وعنفوان الشباب مكافحاً ومناضلاً صلباً عاشت قضايا أمته في خلاياه الدموية وكان يتنفسها فــناً وموسيقى ونغماً مساهماً في تفعيل وسيرورة وتنامي الوعي الوطني والقومي وتطور مداركه الفكرية المنفتحة إضافة إلى مواقفه الإنسانية والنضالية الصلبة والجسورة المشهودة (الــفــذة) في مقاومة الظلم والإستعباد والقهر والعبودية والجهل والتخلف إبان الحكم الإمامي الكهنوتي في شمال الوطن سابقاً والإستعمار البريطاني في جنوبه.. فمن منا لا يتذكر أناشيده الوطنية التي ألهبت همم وحماس الجماهير العريضة وأقضت مضاجع الطغاة الفاسدين الظالمين و رفدت المكتبة الفنية الغنائية الموسيقية والعربية بأعظم وأروع الأغنيات الخالدات التي كان لها السبق والريادة في توحيد الوجدان والضمير الوطني والعاطفي لكل فئات وطبقات الشعب اليمني .. ناضل في سبيل العدل والإستقرار نــاشـداً وآمـــلاً أن يعيش كل اليمنيين في سلام وسكينة وأمان.

 

 

كان للفنان المرشدي نشاطات نوعية .. نخبوية.. وظيفية.. مهنية .. نقــابة .. تربوية .. فنيـة .. وسياسية دلـف من خلالها في منظومة المجتمع اليمني ..  كان رحمه الله صاحب مدرسة فـنـيـة استثنائية مـتـمـيزة ، أمتــلــك فــقــيــدنـا المـبدع ( كاريزما مرشدية مستقلة ) ورونقاً وحضوراً فنياً إذاعياً وتلفزيونياً ومسرحياً لافتاً ومتفرداً.

 

 

ضيـقـة هي كتاباتنا والتأبينات ، المراثي .. وحتى القصــائد وأنت القامة السامقة الشاهقة الباسقة (يامرشدنا ) في حضورك البهي الطاغي الجبار كشلالات الماء المتدفقة التي لا يأتيها اليباس والجفاف والتصحر .. في هذا المقام نحاول البحث والغوص في سبر أغوار تجربتك النغمية واللحنية المقامية والإيقاعية الساحرة الآسرة، آملين من خلال قراءاتنا النقدية العلمية تسليط الأضواء وإبراز المواطن الجمالية ومطارح وانبعاثات التألق والمغايرة الكامنة في سفر رحلتك الغنائية الموسيقية الإبداعية العظيمة والخالدة ، ولعل من المفارقات العجيبة التي تجزم أنك متعدد وافـر الخصال والشمــائــل .. المحتـــشد فـــي رونـــق شخـــصك الـواحد المتجلي في اســمــك .. (الـمـرشـد).. وتستحق كل هذا الحزن والوجوم والوجع والذهول المضطرد اللامتناهي .. إن لحظات القضاء والقدر أكدت مصادفة وبــتلقائية ربانية  (عصاميـتـك وصــلابـتـك وجسارتــك) واجتهادك ودأبـك الحثيث بالمعنى التوصيفي والقيمي والأخلاقي والإبداعي من خلال قيامك بدورك في تأدية رسالتك الفنية والوطنية والإنسانية على أكمل وأنفع وأروع صورة لخدمة قضايا وطموحات وآمال وهموم وتطلعات بسطاء الناس من أبناء أهلك وشعبك ووطنك حتى الرمق الأخير من حـياتـك.

 

 

لقد جاءت لحظات القضاء و القدر ومشيئة الله سبحانه وتعالى وفنانا ( العملاق ) يستعد ويتأهب لتقديم المشاركة وواجب التحية والمباركة في حفل زواج أحد أحفاده، وبعد مغادرة منزله الكائن في مدينة المنصورة وإصراره على الذهاب - رغم حالته الصحية المتعثرة- ووصوله إلى قاعة الحفل في مدينة عدن سقط مغشياً عليه وهو يصعد سلم صالة الفرح .. وقد كان الحضور من عشاق فنه ومحبيه في إنتظاره يترقبون طلعته وتشريفه ويتطلعون شوقاً ولهفة للإطمئنان عليه ورؤيته شخصياً ..  لكن الأجل المكتوب سبقنا جميعاً وعلمنا أنه نقل على أثر ذلك إلى المستشفى وبعدها مباشرة وقبل أن نستوعب آثار الصدمة الأولى وصل إلينا الخبر المحزن المبكي والمفجع ذلك في خبر الوفاة ورحيله عن دنيانا الفانية إلى دار البقاء الخالد جوار ربه .. نعم صعدت روحه العفيفة الطاهرة إلى باريها وخالقها فتحول العرس والفرح إلى موت وعزاء ...

 

وفي الواقع  ( نـجــح ) الفنان القدير محمد مرشد ناجي بشكل لافت ومبهر في تحقيق كل القيم والمبادئ والمفاهيم التي تحمل بمضامينها ماهية ووظيفة الفن ودور الفنان المثقف الملتزم فأبدع بإشتغالاته الغنائية والموسيقية المبتكرة الحديثة واستطاع في نفس الوقت أن يتعامل ويتعاطى مع التراث والفلكلور اليمـني (برؤى ومعــالــجة فنــية حــداثيــة) ليجعله محتفظاً بأصالته وهويته ومحبباً لأذن المستمع والمتلقي في داخل الوطن وخارجه ، وتمكن (المرشدي ) من خلال أحاسيسه ومشاعره الصادقة أن يمر على كل جبال وهضاب وسهول ووديان اليمن بكل تضاريسها ومناخاتها الساحرة الخلابة فجعلنا نطوف ونحلق مع أعماله وأغانيه الرائعة التي قدمها  وأعاد صياغتها غنائياً وموسيقياً بصوته المخملي الدافئ والحنون الممتلئ بالـــعُـرب والـحُـليــات المتوهجة المعبرة لنستمع ونستمتع بفضاءات غنائية موسيقية رحبة فنستعيد بعطاءاتها وإبداعاته الفنية ( ذاكرة الزمان والمكان ) كل الحقب والمراحل الزمنية من تاريخ اليمن الزاخر والحافل بالإبداعات الخالدة ولعل هذه الأعمال الرائعة التي قدمها تؤكد مصداقية ما أشرنا إليه على سبيل المثال لا الحصر : أراك طروباً ، عن ساكني صنعاء ، صادت فؤادي ، يامن سلب نوم عيني ، الفل والورد ، ياساري البرق ، يحيى عمر قال ، قال أبو زيد ، قطفت لك ، شابوك أنا ، يامكحل عيوني بالسهر ، الله أعلم ، أنا من ناظري ، المعنى يقول ، عظيم الشان ، ياغارة الله ، اهلاً بمن داس العذول وأقبل ، صادت عيون المها ، عليك سموني وسمسموني ، هلــيـبه..يا هليــبه، قال الفتى يحيى عمر، أخضر جهيش مليان ، يا نجم يا سامر ، بانجناه ، صون الغرام .. وغيرها .

 

حمل فناننا المبدع محمد مرشد ناجي على عاتقه هموم وقضايا ونضالات أمته وشعبة فعاش مجبولاً متبنياً لها منذ نعومة أظفاره حتى آخر رمق في حياته.. عشق الأرض اليمنية وأحب أناسها بكل طيبتهم وبساطتهم ، ليجعل من موهبته وفنه وعطاءاته وإبداعاته وسـيـلـة استطاع من خلالها أن يتــصــدر  (قـلب الأحداث والمتغيرات) التي عاصرها على كل الأصعدة : السياسية / الإقتصادية / الإجتماعية / الثقافية / والنضالية .. فعاش متمتعاً بحساسية وطنية شديدة الرهافة متطوعاً بوافر جهوده ومعاناته والآمه من أجل انتصار حقوق كافة شرائح وطبقات أبناء الشعب .

 

 

 كان فـقـيـد الوطن فناننا المتألق مهموماً منهمكاً بذلك الحس والوعي الإنساني والوطني اللامتناهي غير المحدود المضني الذي أنعكس على أسلوب عيشه وحياته فدفع ضريبته ثمناً باهظاً من صحته ومستقبله وعدم استقراره في حياة هانئة هادئة من تبعات مواقفه الوطنية والإنسانية الجادة ، وأستطاع أن يُـغـير ويعيد تقييم نظرة (السلطة والمجتمع) تجاه ( الـفـن ) لــيرتقي بــ سلوكه وأعماله الغنائية الوطنية والعاطفية الــرائعة والـخــالــــدة  (بقيمة وأهمية وماهية وظيفة الفنان المثقف والملتزم ) غير العابث اللاهي (المسلي) إلى مفهوم مغاير مختلف تماماً شكلاً ومضموناً في سلوكياته وأخلاقياته ويعـــبر عن معنى وقيمة الفنان المثقف المتمثل لنبض الشارع وهواجس مجتمعه وبيئته وأمته وشعبه .

ومن أهم الأعمال التي عبرت عن هذا المفهوم بصورة جلية ماقدمه المرشدي من أناشيد وطنية حصدت نجاحات جماهيرية واسعة وموجعة للإستعمار البريطاني وحكم الإمامة نتذكر في هذا المقام الأعمال التالية : يـا بـلادي / هـــات يـدك / ياطير يارمادي / شعبي ثــار الـيـوم / أنا الشعب / أنا يمني /  ياطــير كـم أحسدك / ياميــناء التــواهــي / أنظر إلى بيتي / أخي كبلوني / طفي النار / والله انه قرب دورك يابن الجنوب / قائد الجيش البريطاني .. والعديد من الأناشيد والأغاني الوطنية التي ألهبت وحشدت الطاقات والهمم وأيقظت الوعي الوطني والنضالي ودفعت الجماهير الغفيرة للخلاص من ظلمات وويلات وعبودية الحكم الإمامي والاستعمار البريطاني في شطري اليمن. 

 

 

المــــرشــدي والأغــــنــية الـحـديـثـة ( فــــن التلـــحين)

 

يعتبر الفنان محمد مرشد ناجي أحد أهم وأبرز رواد وروافد (الغناء التجديدي الحديث ) فقد قدم إضافات تميز بها عن زملائه ومجايــليه وحسبت له في مسار تطوير الأغنية اليمنية الحديثة (فللــمرشدي وثبات فـنـيـة) مبتكرة ذات أبعاد جمالية ورؤى ودلالات فنية مدعمة باشتغالات (ديــاليكــتيكــية) وبناءات معمارية هندسية مقامية وإيقاعية وموسيقية بالغة التميز والفرادة والخصوصية تتمحور في تراكيب وصياغات الجملة اللحنية النغمية الموسيقية التعبيرية التصويرية بطريقته وأسلوبه ومنهجه الذي يعتمد على شـــقـــيـن :

 

 الشــــق الأول:

 

يتمثل  في اختياراته الأدبية الثقافية والمعرفية الواعية في (تلــحين القصائد الفصحى والحمــيــنية) التي تـُــبرز تـ بيـن الجملة الموسيقية وتــستــند على الثبات والركوز في صياغة تراكيب وبناءات القوالب اللحنية والإيقاعية والجمل الموسيقية وغزارة وعمق وتدفـــق القـوالب المقــــامية والنــغمـية التـــي طريــبية والتعــبــيرية (والحوارية الموسيقية) وبالتالي يرتكز قوامها ويستقيم على رصانة وعذوبة ونقاء وصفاء ووضوح مخارج الألفاظ وسلامة وسلاسة المفردات والشعور والإحساس الصادق الشفاف والقوي المفعم والمتضمخ بمضامين معاني الكلمات (في النص الغنائي الفصيح) إضافة إلى حالة سريان التدفق النغمي الوجداني والروحي الممزوج والمنصهر بنسيج عاطـــفي رومانســي مـع الأغـــنية - القصيدة والكلمات المغناة بشكل متناغم بـــديع ومعبر يضيف ويضفي القصيدة والنص الشعـــري الذي يتعاطاه (المرشد) كثيراً من الصور والدلالات والرؤى الفنية الموسيقية والإيقاعية .. ولعل من أبرز هذه الأعمال الحانه لقصائد الشاعر العظيم محمد سعيد جرادة فقد اشتركا معاً  في تقديم (ثنائيات وأعمال غنائية متميزة رائعة) كأغنيات : وقـفـة / ذات الخال / لـقـاء / هجرت وأبعدتني / شبابك ندى ريان .. وغيرها.

 

كما لايفوتني أيضاً الإشارة إلى (الثــنائية) المشهود لها بالإبداع والتفوق مع الشاعر المبدع والخلاق لطفي جعفر أمان والتي نتذكر منها الأعمال الغنائية الموسيقية العظيمة التالية على سبيل المثال لا الحصر : إلى متى (يا كدا.. والا كدا) / ظبي من شمسان / عرفت الحب / ودعـت حبك / مش مصدق / مع السلامــة / ياريت ما كــنا.. والقائمة تطول بروائعهما..

 

بالإضافة للأعمال الجميلة التي سنتطرق إليها تباعاً وتبين بوضوح عبقرية فناننا القـدير المرشدي كما أنها ستؤكـد ما أشرت إليه في (الـشـق الأول) مـن تـجـربـته في (فــن صياغة الألحان) و شراكته وتعاونه مع العديد من القامات الشعرية وإسهاماته الهامة في تطوير الأغنية اليمنية التي ارتقت بذائقة الناس و حفرت في ذاكرة ووجدان الجماهير اليمنية وفي الخليج والجزيرة العربية، بل إنها وضعت بصمات وملامح هامة شكلت أهم تجليات وإشراقات الأغنية الحديثة والمعاصرة ومن هذه الأغنيات الناضجات فائـقـة الـعـذوبـة: خــلاني وراح، صـــلاة قلـــب، دا كان زمان يا صــاح ، نظرة من مقلتيها ، سألتني عن هوايا ، طلعت بدرية ، غنوا معي غنوا ، لاتخجلي ، بـروحـي وقلــبي ،  لا تطلبي الصفح مني ، بيني وبينك كلام ، على ذكراها ، اكـــيد يا حبـيــبي ، مــع الســلامه ، ضـــناني الشــوق، احبــها ، ياللي أنكرت الــحب (نهاية حب) ، الـلـقــاء العـظـيـم، ورق .. ورق، يا دموعي، مــازلت أهـواك ، يا عيــبتــك، اشتـــقت لك ، تـــاج النـهار، لم يندمل جرحي.. وكثير من الأعمال التي ستظل راسخة في ضمير ووجدان الأمـة..

 

أما الشـــوق الثـــاني :

 

 من تجربة المرشدي الغنائية والموسيقية ومدرسته في فــن التلحين وطرائقه المتعددة المختلفة يتمحور في استخداماته للمفردة واللفظة الشعرية الغنائية العالمية ويعتمد على الجملة الموسيقية القصيرة التي تســـتند علــى  (ديناميكية حــركة ورشــاقة الأرتــام والإيقاعات) ويمكننا أن نطلق عليها أسلوب (السهل الممتنع) ، ولكنه يهتم أيضاً بالتنويعات المقامية والإيقاعية وبالمقدمات الموسيقية التي تحتاج لمحور خاص للحديث عنها بشكل مفصل ومستقل، ومن الأعمال الغنائية التي تتوافر فيها هذه المعطيات والمقومات اللحــنية والإيقاعية والموسيقية التي ذكرناها على سبيل المثال هذه الباقة المخــتارة من الأغــانــي الـتـالـيـة : حبــيبي جــانــي عتـــابــك ، يا بـخت من حـب ، ياســـائلــي عن هــوى المحــبوب ، يـا أغـلى الحـبايـب يا غالي وزيـن، حــــارس الـــبـن ، بــامـعــك ، لقــــيــته يا أمــاه ، ليه يابوي ، يانجم ياسامر ، غزير الحب ، ندامه .. ندانه ، يا عيدوه .. يا عيدوه ، يا غـــارة الله ، يا حبـــايب (عمرنا ليل) ، لاوين انــا لاويــن ، يا شركسي ، بانـجــناه ، بغينا الحب دايم بالتفاهم،  يابوي أنا شي لله .. والعديد من الأعمال المتميزة.

 

 

الـمــرشــدي والثنائيات المتعـددة الــ ناجــحــة

 

ربما يكون من المألوف وكما جرت العادة أن يتفوق فنان مع شاعر معين ويشكلا ( ثنـائيــة ) يشار إليها بالبنان ، ولكن الأمر مع فناننا المبدع أختلف تماماً ولا يمكن أن يحدث إلا إذا جاء الزمان بحالة إستثناء (فالمرشدي واحـد من فصيلة العظماء) حقق ماعجز عنه الكثيرون من الفنانين وشكل (ثنائيات) غنائية متعددة ناجحة مع أكثر من شاعر من فحولة وفطاحلة الشعراء اليمنيين والعرب ، وأستطاع أن يتميز ويتفرد بإبداعاته وعطاءاته الغنائية الموسيقية مع كل واحد منهم بل وكان جديراً مقتدراً بتعامله مع نصوصهم وقصائدهم المختلفة المتنوعة بحسب ثقافتهم وفلسفتهم في أسلوب ونمط العيش والحياة .. فمن منا لايتذكر روائعه وإبداعاته مع الشعراء الكبار الأساتذة : محمد سعيد جرادة ، لطفي جعفر أمان ، عبدالله هادي سبيت ، أحمد الجابري ، علي محمد علي لقمان ، حسين أبو بكر المحضار ، الأمير أحمد فضــل الــقـمـنـدان، أحمـد الـسقاف ، عبد الرحمن ثابت ، علــي بن علـي صـبـرة، نـاصــر شـيخ، مــحـمـد سـيـف كـبشي، مهدي حمدون،  مطهر الأرياني ، د.سعيد الشيباني ، ناصر علوي حميقاني ، أحمد بو مهدي ، القرشي عبد الرحيم سلام ، تامر نصر، أحمد عباد الحسيني ، أحمد فؤاد نجم، علي أمان، عباس المطاع، نجيب أمان ، عبدالله سلام ناجي، محمد عبدالله بامطرف، أحمد شريف الرفـــاعي ، فــريد بركــات ، وديع أمان.. وآخرين .

 

 

فللشاعر الكـــبير عبدالله هادي سبيت قـــدم هــذه الأغنيات : حبيبي جاني ، لاوين أنا لاوين ، نظرة من مقلتيها ، ليه يابوي ، ياعيدوه .. ياعيدوه ، بانجناه ، يابن الناس حبيتك ، عمرنا ليل (ياحبايب)، سألتني عن هوايا..

وقدم للأستاذ أحمد الجابري هذه الأعمال الهامة أيضاً: علم سيري، ياغارة الله ، أخضر جهيش مليان ، يا عاشقين ، لاتخجلي ، يا بوي أنا شي لله (مالك كدا يا هلي)، غفران (لاتطلبي الصفح مني)...

وللشاعر والملحن القدير حسين أبوبكر المحضار قدم باقة منتقاة من الأعمال الجميلة أبتسمت بالخصوصية منـــها : دار الـفـلك ، أهـل باكرمان، دعـوة الأوطـان ، ياساري الـلـيـلـة.

وكذلك قدم للشاعر الرائع علي محمد علي لقمان هذه الأغنيات: صــلاة قــلـب ، غنوا معي غنوا .. وغيرها .

وللأديب عبدالله فاضل فارع تـعاونا معاً بـ تـقـديـم عـملـين غنائـين هامـيـن : بروحي وقلبي .. وأغنية مازلت أهواك ..

من هنا تأتي عبقرية فناننا القدير المرشدي بقدرته على العطاء المتدفق وإمكانياته الغنائية والموسيقية التي جعلته يتجدد لحناً بديعاً وإبداعاًً بصور وأشكال مختلفة وبالطبع تأتي ثنائياته مع العملاقين محمد سعيد جرادة ولطفي جعفر أمان بصدارة القائمة في سجل المرشدي الغنائي والموسيقي الطويل والحافل ..

 

مـقـطوعـات موسـيقـية مسـتـقـلة في أغـنـيات الـمـرشــدي

 

سمـــعت بعض التصــريحات مفـــادها أن الأستـاذ محــمد مرشـد ناجـــي يصــنف ( بالفنان الشعبي ) وفي الواقع أن هذا التصنيف مجاف للحقيقة و مغلوط جملة وتفصيلاً ولا ينطبق عليه إذا توخينا الدقة في إختيار التصنيفات الفنية على  (المرشدي) أو غيره من فنانينا المبدعين، ومع تقديرنا واحترامنا لتصنيف ومسمى الفنان الشعبي إلا أن الأمر يختلف تماماً وهناك ( بــون شاسع بين توصيف الفنان الشعبي وفنان الشعب ) وفناننا الكبير المرشدي ينطبق عليه فنياً وموسيقياً وحرفياً وإبداعياً التوصيف واللقب الثاني مسمى ( فنان الشعب ) بكل دقة ومنهاج علمي ودراسة كما سنشرح و نوضح بالبراهين والأدلة في هذا السياق الذي نؤكد فيه إهتمامات المرشدي واشتغالاته الموسيقية التي لايمكن أن يُــقــدم عليها ويتعاطاها إلا ( فنان مثقف وشامل ) يمتلك موهبة الخلق والإبداع والابتكار.

 

 

 فإذا أعدنا شريط الذاكرة وقمنا بعملية مسح شامل وعام في هذا الإتجاه الهام لأغنيات المرشدي منذ بداياته سنكتشف اهتماماته بالمقطوعات الموسيقية كمقدمات مستقلة لأغنيات سنجدها (مطرزة بزخارف ونمنمات مقامية وإيقاعية مرشدية ) في غاية الروعة والجمال وكانت عبارة عن (تاج موسيقي بديع وضعه على رأس أغنياته) الأمر الذي يؤكد بالقطع تطلعاته وتحدياته وتمرده الواعي والمسؤول عن كل ماكان مألوفاً وسائداً في ذلك الوقت أما الأدلة والبراهين فهي كثيرة منها على سبيل المثال المقدمات الموسيقية لهذه الأغنيات الشاهدة على براعته ونزعته العارمة نحو أفاق التحديث والتجديد بأعماله التي نتذكر منها على سبيل المثال : عــلى ذكراها / عرفت الحب / ودعت حبك / ضناني الشوق / أهلاً بـ من ســلم/  صــلاة قــلب / ذات الخال / مع السلامة / أهلاً بمن داس الــعــذول وأقـبل / إلـى متــى / لـقـاء / عــن ساكــني صنـعاء / أكــيد .. أكــيد / أحبــها / وقـفـة / بالله عليك ياطير يا رمادي / قطفت لك/ نظرة من مقلتيها / يابلادي / تاج النهار/ هات يدك .. وكثير من الأعمال الأخرى التي أتحفنا بها في مشواره الفني .

 

أغـنـيـة عـن سـاكن صنـعــاء

 

فــي هــذا المــقــام سنـــعــرج على هـــــذه الأبيـــات الشعــــريـة في أغـــنـــية (عـن ســاكني صنعاء) ذات الــــ قصيدة الحمينية كــلمات الـشاعر والقاضي العلامة / عبد الرحمن بن يحيى الآنسي لنستخلص من هذا العمل الفني و اللــحن الـ بديـع والرشيق (أهم خصائص ومميزات الفنان القمة المرشدي الملحن المتجدد والمتطور) منــذ بـــدايـــتـــه الأولى مروراً بمشواره الـغـنائي الزاخر و الحافل بالعطاءات الإبــداع ــية وبالــتألق والمفاجآت..

 

البــــدايــــة / المـــقــدمــة الموسـيــقــية .. والاشتغال على خلق جمل لـحـنـــــية نــغمية مــقــامية وإيقــاعـية جــديدة مبتكرة مغايرة عن ما كان سـائـداً حينها في ذلك الوقت فإذا أستمعنا للمقدمة الموسيقية جيداً وقمنا بتحليلها علمياً سندرك أنها لحنت على (مقام البيات على درجة الدوكاه) واستخدم فيها إيـقـاع الشرح العــدنــي (الثــقيـل 8/6) وكانت المفاجأة في (تراكيب جمل موسيقى صولو العود) ، حيث أستخدم المرشدي (تـكنـــيكاً عالي المستوى ورفــيعاً) بطريقة (مضاعفة سرعة الـ ريشـة و زيــادة الوحــدات) إذ أن العود كان متناغماً بانسجام بـديـع مع (الكمانات وبــقــية الآلات الوترية) في قوام الفرقة الموسيقية فاستطاع  أن يخلق ويـبتـكر مقطوعة موسيقية فائقة الروعة والجمال، ثم يـبـدأ بعد ذلك التمهيــد الموسيقي والـغـناء طـريقـة حــديــثة جــديــدة نجــد فيــها (زخرفات ونمنمات هندسية معمارية مقامية نغمية وإيــقـاعــية تـــ تماهى وتــتــوحد مع روح وإحساس مدرسة (المرشـدي) فلم يخضع لخصوصية وطبيعة النص الحمـيـني المعروف والتــقــلـيـدي الذي عـــادة ما كان يـكـتـب شاعر القصيدة الحمــينـية وعُــرفت قصائــد ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية الــيــمنية ، لكن قــدرة المرشــدي المـوسـيـقـية الـــهائـلة مـكـنـــته مـن الخـروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية (الإحـــيائـــية) بإشتغال جــاد مبتكر تمرد به من (تـبعيـة) النص الغنائي الحميني وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروف بصياغات لحنــية وإيـقـاعـية على النمط الغنائي التقليدي المتداول والسـائـد.

 

فــقــد تــجــد نـجاح (مرشـدنـا) بتلك المقدمة الموسيقية الرائعة وفي الخروج والتمرد من قوالب التلحين بــطريقـة (الموشح اليمني الصنعاني التقــليـدي) التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحمينية منذ زمن طويل جــداً، والواقع أن رغبة ونزعة المرشدي بتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جـديد مكنه من التفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك (المخاطرة الفـنية الصــعـبة) وتألقه بنجاح هذا الـ لحـن وأدائه العظيم في إحدى (تجـلـياته المدهشات) المتكئة على إشــتغـالاتــه الـواعـية، وبـناءاته الـمعمارية الـلحـنية الموسيقية المترفة الــثريــة ،فإلى مذهب الأغنية التي صاغها من (مقـام الابـــيات على نغمة الدوكاه):

عن ســـاكن صنعاء حديثك هــات/ وافـــوج النسيم/ وخفف المسعى وقــف/ كــي يفهــم الــقلب الكــليـم/ هل عــهدنا يُـرعى وما يــرعـى/ يـــرعـى العــهــــود إلا الكــريم

ثم يــزداد إبــداع ــه تــألــقــاً وروعة في الكوبليهات التي يقول فيها:

تــبدلــوا عــنا ؟! / وقالــوا عـنـدنـا منــهم بــديـــل/ والله ما حلــنا / ولا مــلنــا عــلى العـهد الأصـيـل/ مــا بعدهم عنـــا يغيـــرنا / ولــو طــــال الطــويــــل/ بالله علـــيك يا ريــح / أمـــانه أن تيسر لك رجـــوع / لمــح لــهــم تلـــميــح / بمــا شـــاهــدت من فيـض الــدمــوع/ والشـــوق والتبريح/ والوجـــد الـــذي بـيـن الضـلـوع

إن المرشدي حــينما نسمعه يردد هذه الأبيات الشعــريـــة مــ موســقة ملحــنة بــتــنويعــاته النغمية التعبيرية والتطريب ــية و بصوته الدافئ والشجي نشعر وكــأنه يحترق لـوعة وعــشقاً وهــياماً للوصول لمحبــوبــه الغـائب، وفي الحقيقة نــجح (أبــوعــلي) ببراعة واقتدار في ترجمة أبـيـات مفردات ومعاني قـصيـدة شاعرنا الكبير القاضي العلامة (عبد الرحمن بن يحيى الآنسي) وفي التـعبـــير عن (مكنونــاتــه ودواخــلـه الــشعورية) من خلال اللحن الجميل الذي أتـحــفنا به وبكـــثافـــة الأحاسيس والشوق والشجن الذي امتزجت لــتشكل مع صوته وحــدة فــنية متماسكة ونسيــجاً رومانــسياً عاطــفياً عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمــانــة، ونحن لا نملك إلا تسليط الضوء صوب هذه الأغنية التي تعتبر نـموذجاً ومــثـالاً لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي ودوره الريادي وخدمته لتطوير الغناء اليمني .. فهي بقيمتها الموسيقية والغنائية من وجهة نظري عــلامة بارزة وبصمة هــامــة أضيفت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف ورفدت مع عطاءاته الغنائية الموسيقية بـثــراء دافــق مـسار الــغـنــاء اليمني واستمراريته وتألـــقه نحو الأفضل والأجمل.

 

محـــطــــــات إبــــداع ـــ ـية هـــــــامــــة

:

 

تـــــألــق عـمـيـد الـغـنـاء الـيـمـنـي وأشـهـر مشــايخـه وأسـاطـيـنه الـفـنـان الكـبير/ مـحـمـد مـرشـد نـاجـي فـي تــقديـم ونـشر كــافـة الــلـهجات والألــوان الــغنائية اليمنيـة : الصنعاني / اللحجي / العــدني / اليــافــعي/ الحـضرمي / التهـامي / الأبيــني / والتعزي (الحجري) .. مـطـربـاً ومـلـحـنـاً مـن الطراز الأول وأبــدع بإبــتكار (تحــف فـــنية غنـــائية نــادرة) حــلـق من خــلالـــهــا في فضــاءات (كـونـية رحبــة) على بساط حنجرته الذهبية في الخليج والجزيرة العربية والوطن العربي وفي كل أصقاع المعمورة ..

 

قـــــدام الـفـنـان الكبير / محمد مرشد ناجي مجموعة مـتـمــيـزة من الأصوات ودفعها لساحة الغناء اليمني مدعومة بألحانه ورعايته ومن أبـرز هذه الأصوات الأساتذة: طه فارع بهذه الأعمال الفنــية:  هجرت وأبعدتني / غلطة عمر/ يخاصمني ويضحك لي / مرحب رمضان، الفنان عبد الرحمن حداد: حبـيـب القلب / لقـــيته يا أمـــاه / حارس الـبـن، الفنان محمد صالح عزاني: أنت السبب / وأبوي إيش الذي صار/ اشـتـقـت لك / يالله الســابق.. واشترك العزاني و أحمد علي قاسم و فتحية الصغيرة في إسكــتــش (بنـت الأكــــابــــر).. وقدم الفنان عصـــام خلـــيدي (حلفـت ما شفــرقك يا ريـــم وادي شبــام)، ( أشتــــقـــت لك يــا حبيب روحي)، كما قــدم الفنان محمد مرشد ناجي مع الخلــيــدي والـفـنـانـه نوال حسين مقدمة المسلسل الإذاعي (الرهيـــنـة) والفنان أبـو بـكر سكاريب قــدم أغــنية (مش معقـول) والفنان أحمد علي قاسم أغــنية (ريــح الشروق) و الـفـنـانـة أمل كعدل أغنية (يا معــك) كمــا غـنـت بالإشتراك معه أنشودة الوحــدة اليمنية (صنعاء الكروم) ، و قــدم أيـضاً للـفـنـان الجـمـيـل مـحـمـد عـبـده زيـدي اغــنيـة (فـلـسـطـيـن) وللـفـنان عـوض أحـمـد نــشــيــد (يـاجــيلـــنا) وللـفنـانة المـتميزة رجـاء باسودان قـدم أغنــية (داري هـواك داري) و الفـنان محمد عبده سعد اغنيه (طول جفنـاه) أما مع المنلوجست المبدع والقدير الفنان فؤاد الشريــف له العديد من الألحان والأعمال الرائعة والجميلة أتــذكر منها هذه المنلوجات: الــقــات / كركر جمل / منلوج الزار/ يا ناس حلو المشـكلة / امنعوا الهجرة / حــلو لــو / ســير يا طــير سـيـر/ يا مجلس تشريعي/ عملت إيش بالبـــلدية...وغيرها من الأعمال الهادفة الناجحة التي حـقـقـت إنتشاراً واسعاً وجماهيرية.

ولــد فــقــد الغناء اليمني ( أبــو عــلــي ) في السادس من نوفمبر عام 1929م في مدينة الشيخ عثمان بعدن ، وتلقى تعليمه في الكُـتّـاب (الــعـــامــة)  وذلـك عــلى يــد الـفـقـيـه أحمد الجبلي، وكانت هذه المعلامة في حافة (القـــحــم) في مدينة الشيخ عثمان وقد ختم القرآن الكريم في سن مبكرة مما جعل والده يحتفي به وأقام له الحفلات أحتفاءً بختمه القرآن الكريم في هذه السن المبكرة .. ثم واصل تعليمه في مدرسة الحكومة الإبتدائية في الشيخ عثمان ولأسباب متداخلة متعددة أنقطع عن مواصلة الدراسة في المدارس الحكومية الثانوية بحجة كبر سنه (الأوفــرايـج) كما كان يقال في ذلك الوقت.. ليـــعـود مــرة أخــرى لتلقي مبادئ تعليمه الثانوي و اللــغة الإنجليزية في (الكتاتيب) على يد الشيخ صالح حسن تركي جــد الفنان المعروف إسكندر ثابت رحمهما الله ..

 

 

للـــفنان القـــدر محمد مرشد ناجي الـعـيـد من المؤلفات والإصدارات والمطبوعات والكتب الهامة القيمة أهـــتمت بـــتوثيــق التراث الغنائي المتنوع والغزير وتخصصت بـ شــؤون وقـــضــايا الغــــــناء الــيـــمني القــديــم والمعــاصر أهمـــها: أغــانيــنا الشـــعبــية / الغناء اليمــني القديم ومشاهيره / أغنيات وحكايات / صفحات من الــذكــريــات .. وله إسهامات مؤثرة وفاعلة تتضمن الكثير من الآراء والأطروحات في سياق المشــهد الإبــداع الــغــنــائي والــ فـني بصورة عـامـة ..

 

لا يـسـتـطـيـع تـقـديـم أعمال (المرشدي الغنائية) بإجـــادة وإتـقـــان الفــنان لأسباب كثيرة فهي تتطلب مواصفات و مميزات لا تتوافر إلا بـ صوته وثـقـــافـته الواسعة من أبرزها عذوبـة وصــفاء ونــقــاء الــصوت ورصانـــته بالإضافة لـ سلامـة ووضوح مخارج الألفاظ وقدرته (الــفـــذة) على توصيل المعاني والكلمات معتمداً على براعته وحنكته في إتـقان (فـن الإلقاء الصوتي وطرائقه المتعددة والمختلفة) ..

 

أحــب الـفـنـان مـحـمـد مـرشـد نـاجـي وتــــأثــــر فـنــــيـاً بأصوات وأسلوب غـناء العمالقة: الشــيخ علي أبــو بــكــر باشراحيل/ الشيخ محمد جمعة خان / الشيخ عوض عبــدالله المســلمي .. ورائــــــــدا الأغــنية العــدنية خلـــيل مـحمد خلــيل/ سـالـم بامـدهـف.. ومن الوطن العربي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ..

 

تعـامل فنـــاننا المبدع (المرشدي) مع معظم المقامات الموسيقية الشرقية العـربـية و استخدمها في أعماله منها: الـبــيــات / الـهــــزام / الســــوزنـــاك/ الـــسـيكا / الراســــت / النـــهونــــد / الحــــجـاز / الـنـــواثــــر/ والحــجــاز كــار كـــورد/ الـنــيــرز راســت / راحــة الأرواح... وغيرها من المقامات الأخرى.

 

ابــتـــدأ الـفـنـان مـحـمـد مـرشـد نـاجـي بــاكـورة مـشـوار الغنائي الموسيقي من (القـــمة) في أغـنـيـة (وقــفــة) مـن كــلمـات الشاعـر الـعـظـيـم/ مـحـمـد سـعـيـد جـريدة في عام (1951م) وقام بتسجيلها بمصاحبة (نـــــدوة الموســــيقى العــدنيــــة) في إذاعـــة عـــدن (منتصف الخمسينات) من الــقـرآن الــفـارط ضـمـن مجــموعة أغــانــي الشـهـيــرة التـــالــية: خــلاني وراح/ شبــابـك نــدي ريــان/ طلعت بــدايــة.. وحينها كانت الأغاني تبث على الهواء مباشرة تحت إشراف الأستــاذ (تـوفـيـق إيــران) ومنذ ذلك الحين ظل (المرشدي) متربــعــاً محافظاً على مكــانـــته وجمهوره ومحبـــيــه إلى أن تـــوفـــاه الــلــه ..

 

 

خـــــتــــامـــــاً

:

 

قـمــتُ بتــ قديــم هـذه القراءة النقدية والفنية تـقـديـراً وعـرفـانـاً لأهمية مكـانـه ودور الأسـتـاذ الـفنان الـكـبـيـر/ محمد مرشد نـاجي في مســار تـاريـخ الـغـناء الـيـمني وتطويــر ..  نعم جاءت قراءتي النقدية بصورة مختزلة لتجربة فـنـيـة وإنسانية ثـريـة عمـيقـة الأثـر متعـددة الوجهات والمحاور ستظل راسخة في الضمير والوجدان والذاكرة المتعبة المرهقة وعلى وجــه الخصوص بعد أن تلقت الأوساط الفنية والثقافية الأدبـيـة والإبداعية والجماهير العريضة على إمتداد خارطة اليمن والخليج والـــ جزيـــرة الــوطـــن العـــربــــي بــــأســـره فـــي عــصــر يـــــوم الخــمــيس الــمــوافــــق 7 / فبراير/  2013م نـبأ خـبـر وفـــاة آخــر حصون وقلاع فـــن الغناء والطرب الأصيل، رحيل الفنان والمناضل المثـــقف والأديـــب والــ تربوي والــ مؤرخ محمد مرشد ناجي عن عمر ناهز (84عاماً) .. قـــدم ( أبـو عـلـي ) رحمه الله إبداعات فـنـيـة استثنائية ويُــعـد رافـــداً للأصالة والمعاصرة ، وفي الواقع تضمنت هذه القراءة بين ثنايا حروفها وسطورها النابضة في المقـام الأول (رســـالـــة حـــب و وفـــــاء) لواحد من أهم رواد ورموز الغناء في اليمن (وآخـر عــناقــيد الإبــداع).

 

 أجزم أنني لا زلت أرزح تحت أعـــباء وأثـقــال وتداعيات وفــاتـــه.. أحـسـن مقيما في خلاياي ، صوته ، صورته ، ضحكاته ومـداعـبـاتـه لا تـفـارقـنا منذ شبابنا حتى شيخوختنا وبكل ملامحها ماثـلـة أمامي وقبـالي تعبث بلغـت وتعطل تفكيـري .. لقد كان مشهد تشييع الجنازة مؤثراً وموجعاً ولم يكـن على الإطلاق لائـقــاً بتاريخه ومكانته وعطاءاته ونتاجاته التي أتحفنا وأسعدنا من خلالها بفنه البديع منــذ (ستة عقود من زمن الغناء الأصيل و الريادة والتأسيس) .. ونستطيع القول أن تجربته الإبداعية والنضالية والوطنية وشمت في ذاكرة الوطن ، غابت الجهات الرسمية والمختصة وتصدرت الشخصيات العدنية والجماهير المحتشدة التي توافدت رغم ضيق الوقت وتواجدت لتجسد بحضورها معاني وسطوراً كتبت بأحرف من ضياء ونور أبرز وأعظم عناوين المحبة والوفاء والعرفان.

 

 أننا نؤمن بالقضاء والقدر ولا إعتراض على إرادة ومشيئة الله .. (والموت) الحقيقة المطلقة الوحيدة للإنسان في الأرض .. فالنفس البشرية وديعة الخالق سبحانه وتعالى تعود إليه.. لكننا لسنا بملائكة لدينا من نقاط الضعف ما يجعلنا نشعر بالغربة والوحشة لفراق ورحيل (الأب الـروحـي الحنون الموسوعة الأدبية والفنية ) فقد كان رحمه الله (مؤنسنا ) رغم ما كان يـعـانـيه من التــغـيـيب والجــحـود وشــدة وطأة المرض والوهن وكبر السن في السنوات الأخيرة ومع ذلك كان وسيظل  (قاموسنا الفني و مرجعيتنا في حياته وبعد مماته ) ..