آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

ملفات وتحقيقات


عدن الغد تنفرد بنشر مذكرات الرئيس علي ناصرالحلقة (الاخيرة) ( الطريق إلى عدن )

الجمعة - 17 يناير 2020 - 05:30 م بتوقيت عدن

عدن الغد تنفرد بنشر مذكرات  الرئيس علي ناصرالحلقة (الاخيرة) ( الطريق إلى عدن )

(عدن الغد)خاص:

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

الرئيس علي ناصر : كنت أفكر في عدن، وفي الأيام الجميلة التي قضيت فيها، فقد عشقت عدن وجبالها ورمالها وشواطئها وأهلها الطيبين .. ولكن لماذا عاد إلى جمهورية دينة ؟ّ !

 عنتر وعبلة!

 ما زال الرئيس الأسبق علي ناصر محمد يمتعنا بحديثه الجميل الجذاب عن رحلته إلى عدن وهذه المرة يحدثنا عن بقية زيارتها لمعالم المدينة ومختتماً في ذات الوقت محطات ذكرياته العطرة حيث يقول مواصلاً عما انتهى عنه في الحلقة الفائته حيث قالوفي أثناء الطريق قال الأخ صلاح: ما رأيكم لو ندخل الليلة السينما؟

قال العم سليمان: أيش من سينما؟ وكنا نمر بالقرب من سينما مستر حمود (7)بكريتر عند الساعة التاسعة مساءً.

 قال صلاح: شوفوا الإعلانات أيش عليها من فلم؟

اقتربنا من الصور وشاهدنا صوراً لفلم عربي ترقص فيه سامية جمال وفخذاها عاريان.

قال العم سليمان: ما أنا حرام ما دخلت عند بوهم، عيب عليكم روحوا بنا عادنا خرجنا من مسجد الحبيب العيدروس وتباركنا من قبره، والآن با تعطلوا علينا صلاتنا وعيب عليكم تتفرجوا على هذه الصور وهذه الولدة ما شي لها أهل يربوها فاتحة فخوذها يا عيباه.

قال صلاح: يا عم سليمان أدخل شوف فلم عبلة وعنتر.

قال: لا يا صلاح ما عنتر بن شداد ونعم لكن هذه الصور العريانة مالباها ايش تبونا نقول إذا حد شافنا مع الروفلات؟

قال صلاح: كل واحد في حاله, يا الله أيش تقولوا؟

قال العم سليمان: قلنا لا إله إلا الله روحوا بنا.

قال علي محمد: يا جماعة خلوا عمي سليمان يروح "الشيخ عثمان" بالباص ونحن با ندخل السينماء ونلحق به بعدين.

قال: موافق باروح أنا وبرطم.

قال أحمد مسعود برطم: والله ما أنا ما ساعفتك روح وحدك والعقبة و"الشيخ عثمان" قدامك.

 

قال: والله يابوكم ما روح وحدي وقدر الله علي أجلس معكم.

قطع صلاح التذاكر من شباك السينما، وهذه كانت المرة الأولى التي أدخل فيها السينما وأسمع فريد الأطرش يغني قبل عرض السينما حتى يتجمع الناس فيها. وما زلت أتذكر أغنية:

بساط الريح يا بو الجناحين مراكش فين وتونس فين

بساط الريح قوام يا جميل أنا مشتاق لوادي النيل

أنا لفيت وشفت كثير ولقيت البعد يا مصر طويل

واللي يفوت أرضنا يروح ويرجع لنا.

 العم سليمان يهرب من عنتر

ويضيف بالقول :" وبعد الانتهاء من الأغنية أطفأوا الأنوار و"بندوا" (اغلقوا) الأبواب (2) ولم يبق إلا ضوء أحمر فوق الباب، والناس مشدودون صامتون لا نسمع إلا صوت الزعقاء والساكت(3) . وبدأت أصوات وموسيقا وصور متحركة فوق رؤوسنا وعيوننا مصوبة نحو الشاشة وأعصابنا مشدودة ونحن في انتظار عنتر بن شداد. قام العم سليمان من الكرسي عندما ظهر أول ممثل وهو يحمل سيفاً وقال الله أكبر على بوه، وصلكم يا جماعة جروا أعماركم!!.

قال برطم: وأنا معك يا سليمان.

قال صلاح: يا عم سليمان اجلس واسكت الناس با يسمعوك لا تفضحونا.

 قال: أنا سليمان. الجماعة، وصلوا، والله ما أجلس لهم على كرسي.

قال أحمد مسعود: وين الطريق؟

قال عمي سليمان: لا قل لي وين الباب هم با يفكوا لنا؟

قام علي محمد وجرى بعدهم وسط هرج ومرج وشوشرة وإزعاج والناس مشدودون إلى الشاشة منتظرين أبطال الفيلم عنتر وعبلة.

سمعت أحدهم يقول: اسكتوا يا بدو خلونا نشوف الفلم، وآخر يقول: شوفوا "أنتر" (عنتر) ظهر، ويبدو أنه من زبيد من شمال اليمن فهم ينطقون عنتر "أنتر" وينطقون العين تاءً. وبالقرب من الباب مسك علي محمد الحسني بالعم سليمان وبرطم وقال لهما: عيب عليكم فضحتونا يالله خلونا نجلس بعيد من الشاشة وشوفوا هذا تمثيل وهذه صور في جدار وما حد با يخرج علينا ورأس الشيخ عمر بن سعيد.

قال العم سليمان: شوف هذا مسود ما أكبره با يقفز علينا.

قال علي محمد: هذا عنتر بن شداد.

قال العم سليمان: لا تكذب علينا، عنتر مات من زمان الزامنين قبل أيام الرسول محمد r ومن مات ما عاد با يحيا, إلا يوم القيامة يوم الحشر والنشور.

قال: هذا يمثل دور عنتر مع عبلة.

قالوا: أحسن يفتحوا لنا السينما وبا نخرج أو نجلس طارفين قريب الباب.

بعد أن خرجنا من السينما قال صلاح: والله أنني سمعت مثل هذا الموقف الذي حدث لكم في دثينة في قرية الخديرة عندما جاءت سيارة تحمل معدات وآلة عرض وفيلم عن الزراعة وتربية الأبقار في أحدى المزارع البريطانية. وما شي لوم عليكم لأنكم لأول مرة تدخلوا السينما.

 أيش وقع في امخديرة؟

 ويردف في حديثه :" قال العم سليمان: أيش وقع في امخديرة؟ رعهم يسمونهم دثينة أمبقر.

أجابه: جمعوا سكان القرية والقرى المجاورة لمشاهدة فيلم لأول مرة في تاريخ المنطقة، وقد تجمع المواطنون رجالاً ونساءً وأطفالاً وجلسوا على الأرض أمام شاشة العرض، وعندما بدأ عرض الفيلم وبدأت الموسيقى وبعض الأصوات تنطلق من الشاشة. كان الناس مبهورين، ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما ظهرت بعض الأبقار على الشاشة وهم جلوس تحتها وكانوا يتوقعوا أنها واصلة إليهم وستدوسهم بأرجلها وتنطحهم بقرونها وصاح واحد من الجلوس: ألا وصلتكم امبقر جروا أعماركم! وقام الجميع هاربين من بقر أحمد السركال والمرشد الزراعي يصيح: يا جماعة يا جماعة أرجعوا البقر ما باتخرج عليكم أرجعوا محلكم، وأوقف العرض وشرح لهم فكرة الفيلم.

قالوا بعدها: بانتفرج عليها من بعيد وأحنا واقفين والله ما جلسنا تحت امبقر تدحقنا (4) .

وبعد ذلك استؤنف العرض, وخلال العرض، وحتى انتهاء الفيلم كانوا يكبرون على الإنجليز وعلى أحمد السركال دي جاب لهم بقر في سيارة لاند روفر.

 

 العم سليمان: ونعم بن المهجة.

برطم: شي معك رسالة لبوك أو هدية لأمك؟

كنا نستعد للرحيل والعودة إلى دثينة وقلت لعلي محمد: شكراً لك على هذه الزيارة لعدن وأسواقها ومعالمها.

قال العم سليمان: ونعم بن المهجة.

وقال برطم: العفو منك رعنا تعبناك، وإن شاء الله نشوفك في البلاد، شي معك رسالة لبوك أو هدية لأمك؟

قال علي محمد: شكراً.

قال العم سليمان: شي معكم هدايا أو رسائل للبلاد؟

قال أحمد: يا عم سليمان أنتوا با تصلوا بعد أسبوع وبن علي شيخ مسافر لا امفرعة بسيارة صالح بنجيل، وبا يصل قبلكم، لا شيئ رسائل با نرسلها معه.

 العودة إلى جمهورية دثينة

 ويسترسل في الكلام :" قضينا أياماً جميلة وممتعة في أحياء مستعمرة عدن وشاهدنا كثيراً من المعالم التاريخية والمواقع الأثرية ودور العلم والعبادة والثقافة.

وبعد زيارتنا عدن وضواحيها التي استمرت أكثر من أسبوعين كان علينا أن نعود إلى دثينة، وعبر "العلم" هذه المرة، لأن جمالنا محملة بالبضائع وعلينا أن ندفع لموظفي جمرك "العلم" الرسوم الرمزية على البضاعة التي تحملها جمالنا.

عشرات السيارات تقف داخل السور الذي أكلته الرمال الملحية محملة بالبضائع والأسماك المجففة المعلقة.. وبعض زنابيل (أكياس) الحلوى اللحجي والمسمى "المضروب".. كانت الرياح والرمال الحارة تلفح الوجوه والعيون.. وكان البعض يغطي أنفه وفمه من هذه الأتربة وينتظر دوره للمرور من نقطة الجمرك.. وكان "علاّو" مدير جمارك عدن وهو رجل قصير وسمين يجلس وبطنه بارزة ومتكورة أمامه وكان نصفه الأعلى عار ولا يغطي إلا الجزء الأسفل من جسمه بفوطة بالية، كان بعضهم يحاول إزعاجه وآخرون يقدمون له الرشوة والهدايا، وشاهدت عبد الله البطاني يقوم بحركات سحرية كما هي عادته وحوله عدد كبير من السواقين والركاب يضحكون على حركاته، وبعضهم يرتعب من هذه الحركات، وكان في مقدمة الجميع "علاّو" الذي كان يضحك ويمزح مع الساحر الساخر عبد الله البطاني الذي أصبح صديقاً له، فهو يسليه عند ذهابه وإيابه، وسمعت علاّو يقول: البطاني شيطان ضيًع علينا الوقت وصلاة العصر، وتذكرت حديثنا معه ونحن في الطريق إلى البريقة. كانت الشمس تقترب من المغيب والكل يستعد للرحيل إلى زنجبار وجعار وشقره وأحور وبلاد العواذل ودثينة والعوالق وحتى حضرموت بعد انحسار المد، وها هو ذا ساحل أبين وساحر العشاق يرحب بالمسافرين الذين انطلقوا مستفيدين من الجزر وهم يغنون

"سرا الليل وا نايم على البحر ماشي فايدة في منام الليل حل السرية".

 جمالنا نتظر دورها في جمرك العلم

 ويتابع :" كانت جمالنا قد حطت رحالها في انتظار دورها في الجمرك، والرحيل إلى أبين فدثينة، ولكن سفرنا تعرقل بسبب خلاف بين العم سليمان وموظف في الجمرك أصر على تفتيش البضائع وفتح أحد العلب، وشاهدت العم سليمان يعتزي( ) ويطعن الجالون المغلق باللحام بخنجره وإذا بالزيت يتطاير في وجه العم سليمان وعلى ملابس الموظف الذي اعتبر ذلك إهانة له. توجه الموظف نحو مدير الجمارك يشكو ما جرى، أما العم سليمان فكان يصيح بأعلى صوته وهو يرمي بالجالون على الأرض، و ها هو برطم يقفز ويأخذ الجالون ويضع يده على الفتحة التي كان يتدفق منها السليط، ويقول: "الله أكبر عليكم وعلى جمرككم" وكان الهدف من وجود هذا السليط (زيت السمسم) هو استخدامه أثناء الرحلة من عدن إلى دثينة..

تأخر خروجنا من جمرك "العلم" واختفت الشمس خلف رمال "العلم"، وبدأ ضوء الفانوس يشع بلونه الأصفر وحوله عدد من الموظفين ينجزون بعض أعمالهم.

 ويختتم الرئيس علي ناصر محمد محطات ذكريات " الطريق إلى عدن " وهو يقول :" أما أنا فقد كنت أفكر في عدن، وفي الأيام الجميلة التي قضيتها فيها، فقد عشقت عدن وجبالها ورمالها وشواطئها وحاراتها وأهلها الطيبين وتاريخها، وعمقت هذه الزيارة في قلبي حبي الكبير لها.. ولحضارتها، ولم أدرك أنني سأقع في حبها لاحقا كغيري من الناس الذين أحبوها وأخلصوا لها. وبينما كنت أستعرض شريط الذكريات في هذه الزيارة إذا بالعم سليمان يصيح وهو يربت بيده على كتفي: سرينا وتوكلنا على الله. ورد برطم: ونعم الوكيل.

نهضنا جميعا رجالاً وجمالاً استعداداً للمسير الطويل الذي سيمتد لأسبوع كامل سنقطع خلاله أكثر من 209 كيلومتراً, وسمعت أصواتاً تقول: في وداعة الله (أي في حفظ الله) وانطلقنا نحو الشرق إلى جمهورية دثينة. . ( انتهى )

 -----------------------------------------------

هوامش /

1-سينما هريكن، التي أسّسها محمّد حمود الهاشمي في عدن، وكان العامّة يطلقون عليها "سينما مستر حمود"، بتاريخ أسرة محلّية ثرية. فالوالد الذي يُعرف باسم "مستر حمود"، كان مديراً لدائرة التربية في عدن، إبّان حكم البريطانيّين، أمّا ابنه طاهر، فقد بدأ اعتباراً من منتصف القرن العشرين، بفتح صالات السينما، ومن بينها هريكن .

2-بندوا الأبواب: وهي كلمة هندية (بندكرو) ولا تزال تستخدم حتى ألان وتعني أغلق.

3-الزعقاء الصوت الصادر عن أكل البزر الابيض والساكت دلالة على اكل البوشار

4-تدهسنا السيارة