آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:21ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يتتبع التاريخ السياسي للدكتور أحمد عبيد بن دغر وعودته مجدداً إلى المشهد السياسي

الأربعاء - 15 يناير 2020 - 10:23 ص بتوقيت عدن

تقرير يتتبع التاريخ السياسي للدكتور أحمد عبيد بن دغر وعودته مجدداً إلى المشهد السياسي

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

- تقلباته وتنقلاته الحزبية.. خدمته أم أضرت به؟

- اختلاف تجاربه.. هل كانت سبباً في جعله سياسياً محنكاً؟

- لماذا تخلى عن (الاشتراكي) والتحق بـ(المؤتمر)؟

- أدار الحكومة في ظروفٍ لم تساعده.. فلماذا أقيل ولماذا أعاده الرئيس هادي؟

- كيف استطاع تحريك عجلات اتفاق الرياض المتعثرة؟

- تعيينه ممثلاً عن الحكومة.. هل كان سبباً للتوصل إلى مصفوفة الانسحابات؟

بن دغر.. رجل دولة محنك أم سياسيٌ حسب الطلب؟


القسم السياسي بـ(عدن الغد):



لم تُثِر شخصيةٌ سياسيةٌ يمنية الجدل أكثر من شخصية رئيس الوزراء اليمني
السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر.

ومكمن الإثارة في شخصية بن دغر تتجسد في خبراته السياسية المختلفة،
و"تنقلاته"- إن جاز التعبير- بين الأحزاب اليمنية، ومواقفه المتعددة التي
تصل إلى حد التناقض أحيانًا.

وربما قد تكون تلك المسيرة المليئة بالتناقضات هي ما جعلت التوجس، وربما
"التشكيك" في خيارات الرجل ومواقفه هو المسيطر عند الحديث عنه أو تقييم
مسيرته.

حتى ان البعض يذهب في التشكيك بنزاهته، واتهامه بالفساد والتجاوزات
المالية خلال توليه الكثير من المسئوليات الرسمية والعامة، والتي كان
آخرها رئيس الحكومة اليمنية، التي غادرها بإقالةٍ وإحالةٍ إلى التحقيق.

غير أن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن الدكتور أحمد عبيد بن دغر "رجل
دولة" من طراز رفيع، وأثبت ذلك في مجمل المحطات والمهام التي شغلها
ويشغلها حاليا، وهذا هو رأي معارضيه ورافضيه قبل مواليه وأنصاره.

بل إن أغلب المصادر والمراجع التي تتناول ترجمات وسير الساسة اليمنيين
تصف بن دغر بأنه "سياسي يمني محنك"، حتى وإن تلوثت سمعته أحيانًا
بتجاوزات مالية واتهامات تبقى في طور الاتهام الذي يحتاج إثباته إلى
إدانة جلية وواضحة.

ولعل أبرز ما يثير الجدل حول الرجل هو تنقلاته بين الأحزاب اليمنية
والمواقف المتضادة، حتى وصفه البعض بأنه "سياسي حسب الطلب"، حيث كان من
قيادات الحزب الاشتراكي، ثم أصبح من رموز حزب المؤتمر الشعبي العام،
وانضم إلى المسؤولين الذين انشقوا على نظام الرئيس السابق علي عبدالله
صالح ودعموا "عاصفة الحزم" لاستعادة الشرعية في اليمن، وعُين بقرار
جمهوري رئيساً للحكومة، قبل أن تتم إقالته، ويعين مستشارًا لرئيس
الجمهورية بعد أقل من عامٍ على إقالته.



C.V

وُلد أحمد بن عبيد بن دغر عام 1952 في قرية (موشج)، مديرية شبام، بمحافظة
حضرموت جنوب شرقي اليمن.

وتلقى مراحل تعليمه الأولى في المدارس الحكومية بحضرموت، وعندما أنهى
الثانوية عام 1976 انتقل إلى مدينة عدن حيث دخل كلية التربية في جامعتها
فنال منها درجة البكالوريوس عام 1983.

وتولى بن دغر عدة مسؤوليات حزبية ونقابية ومناصب تشريعية وتنفيذية في
جنوب اليمن، فقد عمل عام 1973 في القطاع الزراعي ونشط في الحركة
التعاونية حتى صار في 1976 رئيساً لاتحاد الفلاحين في الشطر الجنوبي من
اليمن.

وفي 1986 انتخب عضواً في مجلس الشعب الأعلى عن دائرة شبام، وعضواً في
هيئة رئاسة المجلس.

وغادر البلاد- في مرحلة لاحقة- إلى مصر للدراسة في معهد البحوث والدراسات
العربية بالقاهرة، حيث حصل على الماجستير في تخصص التاريخ عام 2000،
والدكتوراه في نفس التخصص بمرتبة الشرف الأولى عام 2004.

يعتبر بن دغر من أبرز القيادات اليسارية في اليمن الجنوبي سابقاً، وبعد
الوحدة اليمنية انتخب عضواً في مجلس النواب عن الحزب الاشتراكي اليمني،
وعقب حرب صيف 1994 غادر إلى المنفى، وبعد عودته 2005 التحق العام التالي
بحزب المؤتمر الشعبي العام الذي حكم البلاد تحت قيادة الرئيس السابق
صالح.

وبعد الثورة الشبابية عام 2011؛ تولى بن دغر عدة مناصب حكومية بدءًا
بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، مروراً بنائب رئيس وزراء حكومة
الوفاق برئاسة باسندوة أواخر 2011، ومستشارًا في رئاسة الجمهورية،
وانتهاءً بتعيينه رئيساً للحكومة اليمنية في 2016.



التجربة الحزبية والسياسية

المتتبع لمسيرة الدكتور بن دغر سيكتشف أن بصمات الرجل موجودة في مختلف
المهام والمناصب التي تقلدها، خلال مسيرته الحزبية والسياسية.

حيث يصف متتبعون لسيرة بن دغر بأن دوره كان "مؤثرًا" شعبيًا وجماهيريًا،
بعد بروزه كزعيم نقابي للفلاحين في مديرية شبام بحضرموت، خلال سبعينيات
وثمانينيات القرن الماضي، أهلته ليصبح عضوًا حزبياً في مجلس النواب
اليمني عقب تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990.

ويؤكد مقربون من بن دغر أن تجربته النقابية والعُمالية مع الفلاحين في
شبام حضرموت ساهمت في صقل مواهبه السياسية، وصنعت شخصيته القيادية، ودفعت
به نحو تجارب أكبر وأكثر عمقًا وتأثيرًا.



من الاشتراكي إلى المؤتمر

وحين عاد إلى الوطن عام 2006 قطع الصلة بحزبه السابق (الحزب الاشتراكي)
وقرر الانضمام إلى حزب المؤتمر الشعبي الحاكم آنذاك.

ولم تمر قضية تغيير "الجلد السياسي" لابن دغر مرور الكرام، لدى كثير من
المحللين والمتابعين، فمنهم من قال إنها طبيعة حتمية بعد تراجع مكانة
الحزب الاشتراكي، وتحول المؤتمر الشعبي إلى الحزب الأول والحاكم في
البلاد، ومنهم من وصف الفعل بأنه بعيد عن الوفاء لتنظيم ساهم في تطوير
وصقل المهارات السياسية لابن دغر.

وبغض النظر عن الاختلافات في وجهات المحللين، استطاع بن دغر فرض نفسه
داخل المؤتمر الشعبي العام، وتدرج في مناصبه المتوسطة ثم العليا، فترأس
دائرة المنظمات الجماهيرية، ثم أصبح أميناً عاماً مساعداً لقطاع الثقافة
والإعلام، وعُين لاحقاً نائباً أول لرئيس الحزب، علي عبدالله صالح.



محطات مصيرية

خلال العقد الماضي، لم يغب بن دغر عن أهم الأحداث والمحطات المصيرية التي
شهدتها اليمن، فكان في قلب الوقائع التي عصفت في البلاد.

فبعد اندلاع الثورة الشعبية اليمنية كان بن دغر أحد الموقعين على
المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لحل الأزمة 2011، ثم صار أحد أعضاء
مؤتمر الحوار الوطني عام 2013، وشغل منصب وزير الاتصالات وتقنية
المعلومات في حكومة الوفاق الوطني المشكلة يوم 7 ديسمبر 2011، وكل ذلك
ممثلاً عن المؤتمر الشعبي العام.

وفي 11 يونيو 2014 صدر قرار جمهوري بتعيينه نائبا لرئيس الوزراء في حكومة
محمد سالم باسندوة إضافة إلى توليه منصب وزير الاتصالات وتقنية
المعلومات.



الانشقاق عن المؤتمر

وإثر انشقاقه عن حزب المؤتمر وخروجه من البلاد يوم 3 أبريل 2015 عبر
سلطنة عُمان؛ استقر بن دغر في السعودية مشكلاً جناحاً معارضاً للرئيس
السابق (صالح) داخل حزب المؤتمر.

وانضم إلى القوى المؤيدة للشرعية اليمنية برئاسة عبدربه منصور هادي، كما
أيد- مع عدة شخصيات قيادية انشقت عن صالح- عملية عاصفة الحزم التي نفذها
التحالف العربي ضد الحوثيين.

وفي 17 مايو 2015 صرح بن دغر- بوصفه النائب الأول لرئيس حزب المؤتمر
الشعبي العام- بأن ثمة مجموعات قيادية في الحزب بدأت ترى أنه لم يعد
مناسبا استمرار الرئيس السابق (صالح) في رئاسة الحزب.. داعيًا إلى عقد
المؤتمر العام للحزب وانتخاب قيادة جديدة عندما تتهيأ الظروف المناسبة
لذلك.

كما طالب الحوثيين بالاعتراف بالشرعية الدستورية والالتزام الصريح
بقرارات مجلس الأمن بشأن اليمن، حرصا على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.



توليه رئاسة الحكومة

أهلت بن دغر خبرته السياسية في فهم وإدارة الشأن اليمني لأن يُتداول اسمه
مرات عديدة كأحد المؤهلين لتشكيل وقيادة الحكومة اليمنية، خاصة بعد أن
عُين في أغسطس 2015 نائباً لرئيس الوزراء ومستشارًا سياسياً لرئيس
الجمهورية.

وفي يوم 3 أبريل 2016 أصدر رئيس الجمهورية قراره (رقم 49 لسنة 2016)
بتولي بن دغر رئاسة الحكومة خلفاً لخالد محفوظ بحاح.

وبرر القرار هذا التعيين بأنه جاء "نتيجة للإخفاق الذي رافق أداء الحكومة
خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية، وتعثر
الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير
احتياجاته، وخصوصاً دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء، ولعدم
توفر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم اللا محدود الذي قدمه الأشقاء في
التحالف العربي، ولتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستباب
الأمن والاستقرار.

وللسخرية والمفارقة العجيبة، أن تلك الأسباب التي أدت إلى إقالة حكومة بن
دغر، لم تختلف كثيرًا عن أسباب إقالة بن دغر من رئاسة الحكومة والتي تمت
بعد نحو عامين ونصف.



رئاسته للحكومة.. في الميزان

وترافق تولي بن دغر لمهمة تسيير شئون الحكومة اليمنية مع الكثير من
الاضطرابات السياسية والعسكرية والأمنية، وكانت عدن في تلك الفترة عبارة
عن "صفيح ساخن" من عدم الاستقرار، حيث انتشرت الاغتيالات التي استهدفت
أئمة مساجد ودعاة، وضباط أمن ومخابرات.

كما تزامن عهد بن دغر في الحكومة مع حملات أمنية ضد أوكار التنظيمات
الإرهابية، مما جعل من الحياة في عدن غير آمنة، في ظل تعدد التشكيلات
المسلحة وانتشارها في المدينة.

وهي أوضاع من الصعب أن تسمح لأي رئيس حكومة بالعمل بأريحية في ظل غياب
الاستقرار الأمني، كما أن تلك الظروف الأمنية المضطربة جعلت من الأمن
أولوية قصوى، جاءت على حساب القطاع الخدمي والتنموي الذي تأثر تأثرًا
مباشرًا.

حتى أن بعضًا من التشكيلات الأمنية المسيطرة على بعض المعسكرات والتي
تأتمر بأمر كيانات سياسية معينة لم تكن خاضعة للحكومة، ولم تكن تتلقى
منها أية أوامر، وهو ما أدى إلى منع بن دغر نفسه ومنع حكومته من إقامة
أية فعاليات رسمية، أو تدشين المشاريع أو الخدمات، أو حتى تخرج الدفعات
العسكرية والأمنية.

حتى ذهب مراقبون إلى القول إن عهد بن دغر كان من أكثر عهود الحكومات
اضطرابًا، حيث لم تساعد الظروف الأمنية والاجتماعية، التي كانت سائدة في
عدن آنذاك، الحكومة من تقديم أي عملٍ ملموس، رغم جهودها الدؤوبة.



يناير 2018 واتهامات الفساد

استمر الوضع كما هو، حتى بلغ أوجه في 28 يناير 2018، بعد تصعيد من قبل
أطراف سياسية، بدأتها باتهامات إعلامية للحكومة ورئيسها بن دغر بالفساد،
وعدم توفير الخدمات الأساسية.

ووصل الأمر إلى عقد اجتماعات عسكرية، والتهديد بطرد حكومة بن دغر من عدن،
عبر استخدام قوات موالية لكيانات سياسية جنوبية، ومدعومة من أطراف
إقليمية.

وشهدت عدن مواجهات مسلحة عنيفة وبالأسلحة الثقيلة فجر 28 يناير 2018، كان
هدفها طرد الحكومة، ولم يفلح سوى التدخل السعودي في إنهاء المواجهات.

غير أن التصعيد لم يقف عند هذا الحد، واستمرت مهاجمة الحكومة ورئيسها
بالفساد، وعدم تقديم حلول ناجعة في توفير الخدمات، أو تقديم معالجات
لمعاناة الجرحى وأسر الشهداء.



أسباب الإقالة

حتى جاءت أحداث الأعاصير والعواصف المدارية التي ضربت محافظات شرق اليمن
وجزيرة سقطرى، وأدت إلى كوارث إنسانية، وبناءً عليها وعلى ما سبق من
اتهامات تمت إقالة بن دغر أواخر 2018، وإحالته إلى التحقيق، ربما تحت
ضغوط سياسية معينة.

واللافت أن ذات أسباب إقالة حكومة بن دغر التي أصدرها الرئيس هادي كانت
هي ذاتها التي بسببها أُقيلت حكومة خالد بحاح من قبل، كما أن الإقالة
أبقت على وزراء الحكومة واكتفت بإقالة شخص بن دغر.

وبحسب وكالة الأنباء الرسمية فإن قرار الرئيس هادي إقالة بن دغر يعود إلى
"الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات
الاقتصادية والخدمية، وتعثر أداء الحكومة في تخفيف معاناة الشعب اليمني
في سبيل حل المشاكل التي تواجهه وتوفير احتياجاته، وانهيار العملة
المحلية وفشل الحكومة في التعامل مع الحالة الاقتصادية المتدهورة للبلاد،
وفشل الحكومة في اتخاذ إجراءات فعلية لمواجهة كارثة إعصار (لبان) الذي
أصاب محافظة المهرة جنوبي البلاد".



لماذا خرج بهذه الطريقة؟

رغم التوقعات حينها بإقالة بن دغر من رأس الحكومة اليمنية، إلا أن مسألة
الإحالة إلى التحقيق كانت مفاجئة لكثير من المتابعين!.

ذلك أنها السابقة الأولى بحق رئيس حكومة يمني تتم إقالته، أن يُحال إلى
التحقيق، في إجراء لم تشهده أروقة السياسة اليمنية.

وفي الحقيقة فإن المسألة كانت مستغربة ومفاجئة حتى اليوم، ولم تتوقف أو
تقتصر على توقيت الإقالة، بالتحقيق المزعوم لم يتم إلى اليوم أصلاً، ولم
يشهد اليمنيون أو يسمعوا أن هناك تحقيقًا أجري بحق بن دغر.

غير أن التفسير الوحيد الذي يمكن أن يُرجحه المحللون في هذه القضية هو أن
الرئيس هادي تعرض لضغوطات من قبل بعض الأطراف السياسية وربما الإقليمية؛
لإقالة بن دغر.

كما يذهب آخرون إلى القول إن الرئيس هادي أراد أن يمتص رفض القوى
السياسية- تحديدًا تلك المتواجدة في محافظات جنوب اليمن- "ويسكتها"، إن
جاز التعبير- بعملية الإقالة والإحالة إلى التحقيق الذي لم يتم أصلاً.

وهذا لعله هو ما يُفسر هذا الخروج وبهذه الطريقة للدكتور أحمد بن دغر من
المشهد السياسي.



وشايات

يتحدث أكثر من مراقب وإعلامي عبر تغريدات ومنشورات على مواقع التواصل
الاجتماعي، رصدتها (عدن الغد) عن وجود ما أسموها "وشايات" من قبل مقربين
للرئيس هادي، طالت بن دغر والتشكيك بقدراته.

وذكر الصحفي أنيس منصور، والإعلامي في رئاسة الجمهورية مختار الرحبي،
وغير واحد من الصحفيين، أن ثمة أطرافا لا تحبذ استمرار بن دغر في منصبه
كرئيس للحكومة، قامت "بالوشاية" لدى الرئيس هادي، الأمر الذي تسبب بإقالة
الرجل.

وتضيف تغريدات ومنشورات الصحفيين أن الرئيس هادي سرعان ما أدرك حقيقة تلك
"الوشايات"، وعمل لاحقًا على تلافي نتائجها التي تسببت بإقالة بن دغر،
وسارع إلى إعادة تعيينه مستشارًا له، بعد أقل من عامٍ على إقالته.

وهو التعيين الذي أثار حفيظة الكثيرين؛ إذ كيف يعين هادي رجلاً محالاً
الى التحقيق في منصب مستشار للرئيس؟!.



لماذا الاستغناء عنه في ذلك التوقيت؟

آخرون فسروا استغناء رئيس الجمهورية عن خدمات بن دغر في أواخر 2018، وهو
توقيت كان فيه الرئيس هادي والحكومة في محنة سياسية وعسكرية خلال مواجهات
مع المناوئين لها في محافظات جنوب اليمن.. معللين ذلك بالرغبة في تهدئة
الأوضاع داخل عدن والمحافظات الجنوبية، ونزع أسباب وفتيل أي توتر قد يقود
إلى مشاكل أو مواجهات مسلحة.

في المقابل يرى متابعون أن إقالة بن دغر من رئاسة الحكومة في حينه يعد
"استسلامًا" لمطالب المعارضين، ويُظهر الحكومة بمظهر الضعيف والمستضعف
أمام مناوئيها.

كما يربط أصحاب هذا الرأي بتحول المسئولية من القوات الإماراتية في عدن،
إلى القوات السعودية، باعتبار أن خليفة بن دغر الدكتور معين عبدالملك هو
أحد رجالات المملكة في اليمن، فكان لا بد من الإقالة.



كيف عاد؟

في أواخر أكتوبر 2019 تفاجأ اليمنيون بعودة الدكتور أحمد عبيد بن دغر إلى
المشهد السياسي من جديد، بعد تعيينه بقرار من الرئيس هادي مستشارًا له،
بعد أقل من عام على إقالته من رئاسة الحكومة.

وهو القرار الذي اعتبره كثيرون مراجعة لخطأ الإقالة، وربما تأكيد لما ذهب
إليه إعلاميون من أن قرار الإقالة كان بسبب "وشاية" معارضين للرجل.

ويبدو أن عودة بن دغر إلى المشهد مجددًا كانت نتيجة تطورات الأوضاع، التي
تسارعت مؤخرًا؛ خاصةً بعد مواجهات وأحداث أغسطس الماضي.

وهي التطورات التي استبعدت الكثير من رجالات هادي "الأقوياء" وتركت
الرئيس مكشوفًا، ولهذا يبدو أنه استعان ببن دغر لإعادة التوازن إلى جبهة
الشرعية، التي بدت رخوة بعد التضييق على "صقورها".

كما اعتبر مراقبون أن قرار إعادة بن دغر هو إنصاف الرجل من اتهامات
الفساد التي طالته قبيل إقالته.



رجل اتفاق الرياض

الأسابيع الماضية شاهدنا توجه الحكومة الشرعية إلى تعيين مفوض لها مسئول
وممثل عنها لمراقبة وتنسيق تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة
والانتقالي.

لم يكن ذلك المفوض سوى الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وبالفعل شهد اتفاق
الرياض بعد تعيين بن دغر تقدمًا ملحوظًا لم يكن كما قبله.

بل إن طرف الانتقالي في الفريق المشترك لتنفيذ الاتفاق كان قد أعلن، قبيل
تعيين بن دغر مفوضًا للحكومة، عن تعليق عمل ممثلي الانتقالي في مختلف
اللجان المشتركة.

ولا يمكن فصل ما حققه اتفاق الرياض على مستوى تبادل الأسرى والانتشار
العسكري في شبوة وأبين ومعاشيق، عن تواجد بن دغر في المشهد السياسي من
جديد.

ويذهب محللون إلى اعتباره أنه هو "مهندس مصفوفة الانسحابات العسكرية"،
وإذا صدق ذلك فإن بن دغر يعتبر "رجل اتفاق الرياض"، كونه كان فاعلاً في
تحريك عجلاته المتعثرة.

وهنا فقط.. يمكننا معرفة لماذا أعاده الرئيس هادي إلى المشهد مجددًا، كون
بن دغر رجل دولة وسياسيا ضليعا، بغض النظر عن كل ما قيل عنه أو اتهم به
في ملفات فساد لم تُثبت بعد، وبصرف النظر عن تعدد انتماءاته للأحزاب
والمواقف السياسية والتي تسببت بوصفه بأنه "سياسي حسب الطلب".