آخر تحديث :الأربعاء-17 أبريل 2024-02:05ص

أدب وثقافة


قصة قصيرة .. هزة أرضية

الخميس - 21 نوفمبر 2019 - 06:53 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة .. هزة أرضية

كتب / عصام مريسي

في كل صباح يجتمع سكان القرية الصغيرة وما حولها من القرى الصغيرة المتناثرة في أحضان الجبال وكنف الوديان وضواحي المدينة بسكانها البسطاء الذين من أول بزوغ النهار ومع الخيوط الأولى التي ترسلها الشمس تداعب بها سنابل الذرة وتمدها بحاجتها من الحرارة وتنعكس اشعتها على حبات الرمل فتتلألأ كحبات عقد من ذهب منثور على ساحة القرية ، قرية البسطاء الذين يخرجون وكل همهم ملء بطونهم وبطون صغارهم بما يسد معدهم الخاوية ، وقبل ذلك عليهم دفع الاتاوات التي يقتطعونها من رزقهم لذلك القزم المعاق الذي تسلط عليهم ، هكذا هو الحال في كل يوم وقبل أن تودع الشمس القرية يعود الجميع ليستلقوا على أسرتهم الخشبية المخاطة بالعزف ( سعف النخيل) غير أب وأم لا يذوقان لذة غمضة عين بعد أن فر ولدهم الوحيد من بطش القزم التجبر ذا العين الحولاء بعد أن وقف في وجهه ليمنعه يمتص عرقه وجهد أباه وأمه:

أبداً بعد اليوم لن نعطيك شيء من جهدنا

يمتعض القزم مما يسمع فيتوعد قائلاً :

ستدفع ثمن تمردك غالياً أيها الآبق .. ستعود لخدمتي والليلة أخر لحظات لك تقضيها في القرية

يغادر القزم المتعملق أرض الفلاح الشجاع وهو يولول  ويندب حظ القرية إذا استمر الفتى الشجاع في الاقامة في القرية, يجتمع الفلاحون أمام بيت الطين الذي يسكنه الفتى ووالديه وهم يلحون عليه ترك القرية حتى لا ينصب غضب القزم عليهم فيحرق القرية ويعذب أهلها البسطاء، يرتفع صوت الغلام مزمجراً غاضباً من خنوع سكان القرية:

إلى متى سيستمر ضعفكم ، كلما خفتم أزداد بطشه وتعسفه ، أنتم أصحاب الحق , ولم يكن هو إلى وافد استظل بحماكم فكيف تركتموه يتسلط عليكم ويكون حاشية ممن هم ارباب تهم وعديمي نخوة من كل القرى وهم مطرودون من قراهم .

تتجه انظار سكان القرية نحو قمة الجبل حيث يقيم القزم ورفاقه المتمردون وقد أرهقت أجسادهم بعد عناء يوم طويل في اراضيهم الذي أصبح ريعها يذهب معظمه إلى خزانة القزم وهم يلحون على الفتى أن يترك القرية:

عليك أن ترحل .. حتى لا يزيد السيد قزم من حنقه وغضبه ويصبه على سكان القرية بحرق زراعتهم واتلاف محاصيلهم ونهب مواشيهم وربما يصل الأذى إلى والديك.

يلتفت الفتى نحو والديه وهم يشيران ببصريهما دون حديث :

 عليك أن ترحل

بعيني لم يثنيها قلة الحيلة وضعف الأهل وتخلي سكان القرية عن الحق وتنازلهم عن حقوقهم ’ يلمح فيها القوة والرغبة في تغيير الواقع المؤلم لقريته يغادر وهو ينوي العودة كبركان يزلزل جوانب الظلم ويدك عرش الطغيان يغادر دون أن يلتفت وهو يدوي بصوته كأكبر هزة أرضية زلزلت طمأنينة الباغي :

سأعود , سوف أعود

يغادر الفتى القرية ويسير في طريقه وهو ينوي جمع كل مَن مسه ضرر من قوم الرعاع اللذين أصبحوا سادة يتحكمون في مصير الفقراء من أهل القرى الذين تسلطوا عليهم .