آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:16م

ملفات وتحقيقات


الشرعية والتحول نحو شبوة ... هل تكون شبوة مقرا مؤقتا للشرعية بدلا عن عدن !!

الإثنين - 07 أكتوبر 2019 - 09:39 ص بتوقيت عدن

الشرعية والتحول نحو شبوة ... هل تكون شبوة مقرا مؤقتا للشرعية بدلا عن عدن !!

تقرير / سعيد نادر سعيد

"عتق.. مقرًا مؤقتًا للحكومة اليمنية بدلاً عن عدن".. هذا ما أكدته معلومات موثوقة وتصريحات مؤكدة صادرة عن عدد من المسئولين والوزراء اليمنيين، مؤخرًا.

فبعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي، في أغسطس الماضي، على مدينة عدن (جنوب اليمن) العاصمة المؤقتة للحكومة، باتت هذه الأخيرة بلا عاصمة أو مقر يحتويها، في ظل سيطرة المليشيا الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء.

معلومات التحول نحو عتق، كشفتها مصادر مقربة من صانع القرار اليمني في الرياض، والتي أشارت ل "عدن الغد" إلى صدور توجيهاتٍ رئاسية قضت بعودة كافة المسئولين الحكوميين والقيادات المدنية والعسكرية إلى مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة (وسط شرقي اليمن).

وبحسب المصادر فقد قضت التوجيهات بعودة كافة القيادات إلى مدينة سيئون (جوًا)، ومن ثم عبر البر إلى مدينة عتق، التي تشهد تجهيزات واستعدادات لإعادة افتتاح مطارها، واستئناف الرحلات الجوية منه وإليه.

 

تجهيزات واستعدادات

وقال مصدر حكومي لـ"عدن الغد": "إن القيادات وبينها وزراء وقيادات عسكرية وأمنية بدأت تجهيزات العودة إلى مدينة سيئون ومن ثم عتق، والمناطق المتاخمة لها من محافظة أبين، والخاضعة لسيطرة القوات الحكومية".

وأكد المصدر إلى أن العودة ستتم خلال الأيام القادمة، وهو ما يفسّر التجهيزات والاستعدادات التي تجريها السلطة المحلية في المحافظة على مختلف الأصعدة التنموية والحياتية.

 

موقع شبوة الاستراتيجي

وتتمتع محافظة شبوة بموقعٍ جغرافي يتوسط محافظات الشمال والجنوب اليمني، حيث تحادي من الشرق محافظة حضرموت (الجنوبية)، فيما تتاخم غربًا محافظات مأرب، البيضاء (الشماليتين)، ومحافظة أبين (الجنوبية)، وتطل جنوبًا على بحر العرب.

وهذا الموقع الرابط بين المحافظات الشمالية الغربية، والجنوبية الشرقية يجعل من شبوة محورًا استراتيجيًا للربط بين الشمال والجنوب، ليس فقط على المستوى الحسي، بل وحتى معنويًا.

حيث يمثل تواجد الحكومة في شبوة رمزًا لقربها من الشمال والجنوب معًا، وهو ما يعزز الوحدة الوطنية، ويرسخ تواجد الحكومة بالقرب من المناطق الشمالية والجنوبية.

تتخذ محافظة شبوة من مدينة عتق عاصمةً، ومركزًا لسلطة الحكم المحلي فيها، وتتمتع المحافظة بثروات نفطية وغازية ومعدنية، حيث تعد منبعًا لتصدير الغاز المسال اليمني إلى العالم، عبر ميناء بلحاف (جنوب المحافظة) على بحر العرب، والذي يخضع حاليًا لإدارة القوات الإماراتية.

كما تتواجد فيها قطاعات نفطية تنتج كميات من النفط عبر شركات أوروبية، تقدر بنحو 20 % من إجمالي الإنتاج النفطي لليمن، وكان النفط قد اكتشف في شبوة لأول مرة عام 1987.

وتُصنف شبوة بأنها محافظة قبلية، وتندرج عديد من القبائل ضمن قوام الجيش الوطني الموالي للحكومة اليمنية، وكان لمقاتلي القبائل دورٌ حاسم في تغليب كفة الحكومة في المواجهات التي شهدتها المحافظة مع قوات النخبة الشبوانية، المدعومة إماراتيًا، في أغسطس الماضي.

 

تأكيدات حكومية

تصريحات عددٍ من وزراء الحكومة اليمنية قوّت من قيمة المعلومات باعتماد عتق مقرًا بديلاً للحكومة، وجعلت من تنفيذه مجرد مسألة وقت.

حيث أكد وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، عودة الحكومة إلى اليمن، وإدارة أعمالها انطلاقًا من حاضرة محافظة شبوة - مدينة عتق -.

وقال الجبواني في تغريدةٍ على موقع "تويتر": عائدون إلى أرض الوطن، وسندير عملنا، مؤقتًا، من مدينة عتق، حتى تحرير عدن وصنعاء.

وأضاف: سيُفتتح مطار عتق، ليكون محطة للرحلات الدولية، كما سنعمل على إعادة تشغيل الميناء وبناءه مجددًا ابتداءً من اللحظة.

وتابع: أمام شبوة فرصة لأن تصبح أكثر المحافظات أمنًا وازدهارًا.

 

تحول يحتاج إلى دراسة وقرارات

لكن.. هل تعتبر محافظة شبوة مستعدة تمامًا لهذا للتحول الجذري في مكانتها، من محافظة هامشية، إلى مقرٍ للحكومة؟

تباينت آراء بعض المسئولين المحليين في شبوة حول هذا الأمر، وأكدوا أن موضوعًا كهذا لا يمكن أن يتم بين ليلةٍ وضحاها، ويحتاج إلى مزيدٍ من الوقت والقرارات والدراسة المستفيضة.

مستشار محافظ محافظة شبوة، يسلم البابكري، استبعد أن تصبح مدينة عتق مقرًا مؤقتًا للحكومة اليمنية، أو أن تصبح عاصمةً لليمن، مؤكدًا ضرورة استعادة العاصمة المؤقتة عدن من الانتقالي، حد وصفه.

وقال البابكري في تصريحٍ خاص ل "عدن الغد": إن استقبال رحلات دولية في مطار عتق، يتطلب قرارًا رئاسيًا، في حالة تشغيله مجددًا.

وأضاف، شبوة اليوم محررة وتحت سيطرة قوات الشرعية، وفيها تم استعادة مؤسسات الدولة.. أما العاصمة المؤقتة للبلاد فهي عدن، وستظل حتى يتم تحرير مدينة صنعاء.

 

عملية تنموية في شبوة

وأكد البابكري أن السلطة المحلية في محافظة شبوة تعمل على استكمال تجهيزات المطار، تمهيدًا لإعادة تشغيله، في إطار التوجه العام لقيادة المحافظة، لإحداث عملية تنمية في المحافظة.

مشيرًا إلى أن عملية التنمية تشمل مجالات الطرق والجسور والكهرباء، والمياه والصحة والتعليم، وتأتي أعمال إعادة صيانة وترميم صالات مطار عتق وتأثيثها في هذا الإطار العام.

لافتًا إلى أن عمليات الترميم وإعادة التأهيل مستمرة،  وبدأت منذ فترة حتى يكون المطار جاهزًا، حينما يتم اتخاذ قرار بإعادة تشغيله، وانطلاق واستقبال الرحلات من خلاله.

 

طموحات المحافظ والمحافظة

وكشف البابكري عن طموحات عديدة لدى السلطة المحلية في شبوة، ممثلةً بالمحافظ محمد بن عديو، ولديها اهتمام كبير بإعادة تشغيل المطار، الذي كان يعمل قبل حرب 2015، كمطار محلي تنطلق منه رحلات داخلية إلى صنعاء وعدن.

وأضاف: تتمتع شبوة بموقع جغرافي مهم، وتشغيل المطار سيضاعف أهمية هذا الموقع، وسيكون مفيدًا للمحافظة وللمحافظات المجاورة.

 

مشاريع حيوية

وأشار مستشار محافظ شبوة إلى جملةٍ من المشاريع الجاري تنفيذها في شبوة، والتي وصفها "بالحيوية" مثل مشاريع الطرق التي تضمنت صيانة وسفلتة مداخل مدينة عتق، والاتفاق على إعادة تأهيل جسر السلام الاستراتيجي، الذي سيبدأ العمل فيه قريباً، بالإضافة إلى إعادة تجهيز وتشغيل ميناء قنا التاريخي.

 

دوافع القرار

يأتي هذا الاهتمام بمحافظة شبوة، بعد فشل الأطماع التوسعية للقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في السيطرة على المحافظة، وذلك عقب تراجع قوات النخبة الشبوانية، المدعومة إماراتيًا، في مواجهة القوات الموالية للحكومة اليمنية ومقاتلي القبائل، رغم التعزيزات التي وصلت إليها من قوات الحزام الأمني في محافظات أبين ولحج والضالع.

وأضحت الحاضنة الشعبية التي تتمتع بها الحكومة اليمنية في شبوة، دافعًا للقيادات الحكومية في اتخاذ عتق مقرًا مؤقتًا.

 

ضرورة واحتياج

يعتقد الصحفي اليمني ماجد العدني أن إمكانية ممارسة الحكومة عملها من مدينة عتق في محافظ شبوة فرضته الظروف القهرية التي واجهتها في العاصمة المؤقتة عدن، وقبلها في العاصمة التاريخية صنعاء.

وقال العدني لـ"عدن الغد": "إن عودة الحكومة إلى عتق، يمثل ضرورة قصوى في هذه المرحلة، على الرغم من أن خطوة كهذه قد يفهم منها أنها تنازل أو تراجع أمام الوقائع التي تعيشها مدينة عدن".

وأشار العدني إلى أن عودة الحكومة وعملها من مدينة عتق قرارٌ وتحول تحتاجه البلاد، التي تواجه تحديات يأتي معظمها من الظروف المحيطة بالعاصمة التاريخية صنعاء، التي تعاني من علاقة متوترة وغير مأمونة الجانب، مع محيط قبلي يتسم بالتقلب والغدر.

 

مأزق الانتقالي

وأضاف ماجد العدني: "يتوجب التفكير الجدي في تأسيس عاصمة سياسية جديدة تمثل شبوة بموقعها الذي يتوسط البلاد المكان الملائم لإقامتها.. مؤكدًا أن الظروف الحالية، واستثمار الموقع الجغرافي والاستراتيجي لشبوة الرابط بين عدة محافظات، والحاضنة الشعبية والقبلية للحكومة تفرض على الحكومة مثل هذا الخيار، ويحافظ على بقاءها حتى يصدر قرار سياسي وعسكري من التحالف العربي بتحرير صنعاء.

ونوه الصحفي ماجد العدني إلى أن تصريحات وزير النقل صالح الجبواني منطقية إلى حدٍ بعيد.. مؤكدًا أن التواجد في شبوة يمثل ضربة قوية للمجلس الانتقالي، الذي بقى وحيدًا في عدن متحملاً أوزار ما قام به من أعمال في طرد الحكومة، وهو حالياً في مواجهة مع الشعب الذي يطالب بتوفير الخدمات والرواتب.

وهذا ما جعل التوجه العام للمواطنين في عدن والمحافظات الجنوبية، والذي وضعهم أمام حقيقة الانتقالي وعجزه عن توفير احتياجاتهم، وهو ما أدى إلى التحول في المزاج العام الجنوبي.

 

تحول مطلوب وواقعي

من جانبه، قال الأكاديمي بجامعة عدن الدكتور سلطان الشميري: إن الحكومة اليمنية بإمكانها إدارة شئونها من أي منطقة محررة، إذا كانت تفكّر جديًا في العودة إلى البلاد وإدارة شئونه انطلاقًا من الداخل، لأن المطلوب حاليًا هو إثبات وجود الحكومة في تسيير الملفات الخدمية والحياتية للمواطنين، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد.

وأضاف لـ"عدن الغد" بأن هذا التوجه يجب أن يكون واقعا ومطلوبا فعليا، وبشكل ملح؛ نظرا لوجود مطار مؤهل لاستقبال الطائرات وغير ذلك.

ووفق الشميري، فإن مدينة عتق عاصمة شبوة مؤهلة لأن تكون مقرا مؤقتا للحكومة، وهذه الخطوة ستعزز من حضور الشرعية في المناطق الجنوبية والشرقية، وستجعل نفوذها أقوى، إن كانت جادة فعليا في العودة إلى الداخل.

غير أنه استبعد أن تصبح عتق عاصمة بديلة عن عدن؛ بسبب افتقارها للبنية التحتية اللازمة لاستيعاب متطلبات تحولها إلى محور ومركز لإدارة البلاد.

الأكاديمي الشميري قال: "مدينة عتق يمكن أن تصبح مقرا مؤقتا للحكومة، لكن من الصعب أن تصبح عاصمة، ولو مؤقتة، وباعتقادي أن سيئون -ثاني أكبر مدن محافظة حضرموت- أكثر ملائمة لتصبح مقرا للحكومة؛ نظرا لبعدها عن مناطق الصراع، ولامتلاكها بنية تحتية أفضل نسبيا من عتق".

 وأوضح أن هذه الخطوة إن تمت فهي موجهة بشكل مباشر لتحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن ورائه الإمارات، لافتا إلى أن الهدف هو تجذير وجود الشرعية في محافظة شبوة النفطية، وقطع طموحات العودة لدى الفصائل المدعومة من أبو ظبي.

 

ميزات اقتصادية

من جانبه عدد الأكاديمي بكلية العلوم الإدارية بعدن الدكتور. بشير الذيباني، الفوائد التي يمكن لمدينة عتق ومحافظة شبوة أن تجنيها من مثل هكذا تحول، وقال لـ"عدن الغد": إن بإمكان مدينة عتق، ومحافظة شبوة أن تتمتع بكل الميزات التي تتيحها لها الحكومة في حالة اتخاذها مقرًا مؤقتًا.. مستشهدًا بما حصل في مدينة مأرب (وسط اليمن)، والتي شهدت قفزة تنموية واقتصادية واستثمارية كبيرة، بعد نزوح آلاف الأسر، والقيادات الحكومية والحزبية إليها من صنعاء وبقية المحافظات.

وأكد أن رؤوس الأموال الفاعلة، ورجال الأعمال والتجار بإمكانهم إعمار شبوة في وقت بسيط، مع تدفق المواطنين إليها طلبًا للمعاملات في دواوين الدولة ومقراتها التي ستفتح في عتق، وهذا من شأنه أن يحفز الوضع التجاري والاقتصادي في المحافظة، ويُنعش الحياة التجارية، والحياة عمومًا في شبوة.

وأشار إلى أن الفوائد لن تقف عند الحدود السياسية أو العسكرية، ولكنها ستمس كل ماله علاقة بحياة الناس.

 

عدن خسرت.. وعتق كسبت

في المقابل يرى الناشط المجتمعي، عمرو عبدالله حسين، أن عدن خسرت كل ما بقي لها من أمل بعد أن تُركت وحيدةً بأيدي المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي عجز حتى الآن عن توفير أساسيات الحياة في عدن.

واستغرب حسين خلال حديثه لـ"عدن الغد" من مطالبة قيادات في المجلس الانتقالي للحكومة اليمنية بتوفير احتياجات المواطنين، بينما هم من تسبب في طرد هذه الحكومة من عدن.. مشيرًا إلى أنه من حق الحكومة اليمنية إغلاق مصالحها ومقراتها في عدن، لأنها تمثل الدولة، ولا يمكن للدولة أن تعمل في ظل تواجد قوة خارجة عن الإطار الرسمي، لأن عملها في هذه الحالة سيكون محفوفًا بالمخاطر.

واستشهد حسين بانعدام الوقود الخاص بتوليد خدمة الكهرباء، وانقطع المياه عن المنازل، وقال: حتى وإن استطاع الانتقالي توفير هذه المتطلبات لمدة شهر أو شهرين فإنه لن يستطيع توفيرها على المدى الطويل، مشيرًا إلى إيقاف المرتبات، وعدم صرف جوازات السفر للمرضى والجرحى، وانعدام الخدمات في كافة القطاعات.

ولفت إلى أن تلك الأعمال لا يمكن أن تقوم بها أي قوة خارج الحكومة، لأنها أعمال دولة، وهو ما يجعل المجلس الانتقالي في مأزق كبير في مواجهة الناس.

وأكد حسين أن من حق عتق أو أية مدينة أخرى أن تكون بديلة لعدن، وقال: "نعم.. عدن خسرت بتخليها عن الحكومة الشرعية، لأن حياة المواطنين لا يقدر الانتقالي على إدارتها، وعتق كسبت الشرعية، وكسبت ما ينتظرها من إعمار وخدمات".