آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-11:26ص

أخبار وتقارير


هل ينهي الصومال الفيدرالي قريبا حالة اللاسلم واللاحرب مع أرض الصومال؟

الجمعة - 20 سبتمبر 2019 - 07:04 م بتوقيت عدن

هل ينهي الصومال الفيدرالي قريبا حالة اللاسلم واللاحرب مع أرض الصومال؟

عدن (عدن الغد) خاص

مع سقوط الحكم المركزي للرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري عام1991م وانهياره، دخلت الصومال في صراعات بين القوى السياسية التي لم تتمكن من الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة يعترف بها الشعب والعالم , وبالتالي انزلق الصومال في اتون الحروب الأهلية بقيادة جنرالات وأمراء حرب ومجموعات إرهابية وتدخلات أجنبية.

  وعلى النقيض مما يحدث في مقديشو وأجزاء أخرى من الصومال، وفي أقصى الشمال الصومالي تم الإعلان عن قيام جمهورية أرض الصومال (صومال لاند) المستقلة عن الصومال.

   في تلك الفترة استقبل هذا الاعلان بعدم الاهتمام، وقال المراقبون للأحداث أن هذا الاعلان ما هو إلاّ استغلالا لغياب الدولة المركزية الصومالية التي تستطيع أن تفرض الوحدة بين جنوب الصومال وشماله بالسلم أو الحرب في حال عودتها كما كانت في عهد الرئيس محمد سياد بري أو الحكومات السابقة، وأن الوضع في صومال لاند لا يختلف عن أغلب مناطق الصومال التي استولى عليها أمراء الحرب وأصبحوا في حكم المستقلين عن أي حكومة مركزية.. لكن من الملاحظ أن صومال لاند انهمكت في بناء دولتها بعيدا عن الصراعات في الجنوب.. وشرعت في تكوين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية مما انعكس ذلك على الاستقرار والتنمية في أرض الصومال، واتضح أن ما حدث في صومال لاند يختلف كليا عن أي منطقة صومالية أخرى في جنوب الصومال ووسطه , لعدة أسباب منها : 

- صومال لاند لها تاريخ استعماري مختلف حيث كانت محمية بريطانية في حين أن جنوب الصومال كانت تحت الاستعمار الايطالي،

وفي أغلب دول العالم حاليا فإن الحدود الدولية هي الحدود التي كانت في عهد الاستعمار حتى لو كان سكان الدولتين من عرق واحد أو متعددة الانتماءات.. فالحدود بين الدول هي الحدود الاستعمارية في آخر يوم للاستعمار وذلك في أغلب دول العالم .. ومن المعلوم ان السكان يتأثرون بدرجات متفاوتة بالاستعمار لا سيما النخب السياسية في مجال الحكم، وبناء المؤسسات، وشكل الدولة.

 – الوحدة بين صومال لاند والصومال

هي وحدة تمت بين دولتين حيث حصلت صومال لاند على استقلالها في 26 يونيو 1960م في حين حصل جنوب الصومال على استقلاله في 1يوليو 1960م، وعند استقلالها اعترفت عدد من الدول بهذا الاستقلال.. لكن الشعور الوحدوي السائد في ذلك الوقت خصوصا بين الجماهير دفع بصومال لاند إلى الاتحاد مع الصومال الإيطالي بعد خمسة أيام أملا في تكوين الصومال الكبير الذي يشمل مستقبلا إقليم NFD في كينيا واوغادين في إثيوبيا وجيبوتي.. غير أن أيا من هذه الوحدة لم تتم بسبب عوامل اقليمية ودولية ووقوع هذه الأقاليم ضمن سيادة دول أخرى لا تقبل التنازل عنها، وبالتالي قل الحماس للوحدة في صومال لاند ,علاوة على شعور سكان الإقليم بالتهميش السياسي والتنموي في إقليمهم.

  إن من الطبيعي أن يكون شعار الوحدة هو الطاغي في فترة الستينات.. حيث بدأت الكثير من دول العالم تأخذ استقلالها من المستعمر الغربي، وكل ثنائي يأمل أن يكون له وطن جامع،ولكن مع الوقت تبين أن هذه الدعوات غير واقعية وأن الدول التي اتحدت سارعت بإنهاء الوحدة.. كما حدث بين سوريا ومصر حيث أدى انقلاب في سوريا عام 1962م إلى انهاء الوحدة بين مصر وسوريا رغم الشعارات القومية.. وفي صومال لاند بدأ التذمر من الوحدة في وقت مبكر حيث كانت هناك محاولة انقلاب غير ناجحة عام 1962م لإنهاء الوحدة، وبعد وصول الجنرال محمد سياد بري إلى الحكم عام 1969م وما نتج عنه من تهميش صومال لاند سواء في المناصب الحكومية أو التنمية بدأ التذمر يزداد والأصوات تعلو نحو المطالبة بالعودة إلى الاستقلال، وعزز من ذلك استقلال الكثير من الدول لا سيما في جيبوتي ودول أخرى عربية ولم تسع هذه الدول الى الوحدة مع دول أخرى تشترك معها عرقيا ودينيا، واستبدلت ذلك بإقامة العلاقات المميزة وإنشاء المنظمات الاقليمية للتنسيق مع هذه الدول نحو التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون تنازل عن سيادتها.

    ومنذ العام 1981م أنشأ العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية والنشطاء المنتمين إلى صومال لاند حركة تسعى إلى استقلال الاقليم، سميت ( جبهةSNM ) التي تهدف إلى استعادة استقلال الإقليم وفك الارتباط مع جمهورية الصومال، ولهذا فإعلان الاستقلال في صومال لاند يختلف عن ما قام به أمراء الحرب في الجنوب، ولم يكن هذا الإعلان مصادفة، أو استغلال لظرف الصومال بعد سقوط الحكومة المركزية بل هو تتويج لسنوات من الحراك السلمي والعسكري نحو الاستقلال.

  لهذه الأسباب وغيرها فإن المراقبين يرون أن الوقت قد حان لتقوم حكومة الصومال الفيدرالية بمبادرة شجاعة تهدف إلى انهاء حالة – اللا حرب واللا سلم – مع صومال لاند، باتخاذ إجراء شجاع تجاه اشقائهم في صومال لاند.. ويمكن أن تأخذ هذه المبادرة الموافقة على الاستقلال على أن يترك باب الوحدة مفتوحا مستقبلا في حال رغبة الصوماليين في البلدين أو أن توافق الحكومة الصومالية الفيدرالية على إجراء استفتاء حُر لسكان صومال لاند بإشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، وأن يتعهد الجانبان بإحترام نتائج الاستفتاء والموافقة عليه أيا كانت نتيجته, وبالتالي تنتهي معاناة هذا الإقليم وسكانه في التنقل والسفر والتنمية.

– هناك مؤيدون للوحدة في كلا الطرفين خصوصا في الجنوب، وهناك من يؤيد استقلال الإقليم لاسيما من المثقفين عبر الاستفتاء إذا كانت الأغلبية لصالح الاستقلال.

  وفيما يتعلق بالمتمسكين بالوحدة فهم متمسكون بحجج وشعارات عفا عليها الزمن مثل الصومال الكبير، أو أن وحدة الصومال شيء مقدس غير قابل للمناقشة.. لكن في حقيقة الأمر أن لا شيء مقدس لدى المسلمين غير القرآن الكريم وما صح من السنة المحمدية ( وجميع الصوماليين مسلمين ) إلاّ القرآن الكريم، أما استقلال الإقليم أو وحدته فهو شأن سياسي يخضع لرغبة أغلب الشعب وما يقرره.. ولا ضير في الاستقلال فهناك تجارب كثيرة لدول بحجم صومال لاند أو أصغر منها وهي ناجحة سياسيا وتنمويا.

    وأما من ناحية العراقيل التي قد تعترض طريق الاستقلال.. فمن خلال المحادثات الثنائية بين الطرفين، وفي ظل وجود علاقات طيبة ومتميزة يمكن أن يقلل أي أثر سلبي إلى حده الأدنى كالاتفاق على التنقل بين الشعبين بدون جواز سفر من خلال الهوية الوطنية، ويمكن إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة، والتعاون الدفاعي المشترك إلى غير ذلك من الاتفاقيات الثنائية التي تعزز وحدة الشعبين دون الحاجة إلى وحدة اجبارية لا تحظى بالقبول لدى الغالبية من السكان في الإقليم .. وفي هذا الجانب نذكر بأنه منذ العام 1990م ومع انهيار الاتحاد السوفيتي انفصلت أو استقلت الكثير من الأقاليم والشعوب فقد انقسم الاتحاد السوفيتي إلى 15 جمهورية، ويوغسلافيا السابقة انقسمت إلى ست جمهوريات، وتشيكوسلوفاكيا انقسمت إلى دولتين، كما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا فيما عرف بالجمهورية العربية عام 1962م.. وعلى الصعيد الأفريقي انفصل جنوب السودان عن السودان بعد استفتاء أممي عام 2011م، ومن قبله انفصلت اريتريا عن إثيوبيا عام 1993م.

  ومن هنا فإنه وبعد 27 عاما من إعلان استقلال صومال لاند، وبعد أن قامت حكومة صومالية دائمة ومعترف بها دوليا منذ العام 2012م باسم جمهورية الصومال الفيدرالية  يرى المراقبون الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي أن تتخذ هذه الحكومة الفيدرالية خطوة جادة وشجاعة تجاه صومال لاند لإنهاء حالة اللاحرب  و اللاسلم، بالقبول على الأقل بإجراء استفتاء دولي حول مستقبل صومال لاند ينهي هذه الحالة من الجمود، ويعيد المحبة والأخوة بين الطرفين حكومة وشعبا، وغني عن القول أن انفصال بالتراضي وإقامة علاقات أخوية بين الجانبين افضل من وحدة بالإكراه.

 إعداد ومتابعة: فضل عبدالله الحبيشي