آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


تحليل سياسي : بعد الانقلاب .. ما الذي ستفعله السعودية في عدن؟

الأربعاء - 14 أغسطس 2019 - 10:00 م بتوقيت عدن

تحليل سياسي : بعد الانقلاب .. ما الذي ستفعله السعودية في عدن؟

عدن ((عدن الغد)) خاص:

كتب: عبدالفتاح حكيمي

كانت حسابات الدولة السعودية في الأسابيع الاخيرة كما يبدو خاطئة وهي تستقدم قواتها واسلحتها الى عدن , لأنها جاءت إليها او صحت متأخرا بعد سنوات من تمكين الإمارات أدواتها المحلية من الهيمنة العسكرية الطاغية ..

ومنذ إرسال قواتها ومعداتها وعتادها العسكري الى سقطرى بطلب من هادي بعد محاولة انقلاب يناير 2028م على حكومة بن دغر , لم تصنع الرياض التوازن المطلوب على الارض هناك مع حليفتها الإمارات المتحدة ألتي مهدت لوجودها المزمن باختراق عمق المجتمع السقطري ومحاولتها اصطناع هوية تأريخية مشتركة لها مع سكان الجزيرة , وأكثر من ذلك ادعاء الإعلام الموالي لها إن معظم السقطريين ينحدرون من أصول وبيوتات اماراتية مترحلة وليسوا حميريين غالبا .. حتى خرج علينا شعب الصومال من قبره ليقول بصوت صارخ سقطرى أرضنا وحقنا وسوف نستعيدها بالقوة او التحكيم الدولي.
السعوديون مثل الاسفنجة الجافة تطفو على سطح الماء لكنها لا تخترق حتى القشرة أو تستكشف العمق الاجتماعي , وفي ذلك خلل في وعي العقل والوجدان السعودي المتعالي غالبا في علاقته بالآخر على عكس الملمس الناعم الظاهر(المراوغ) عند الإماراتيين.
السعودية كما هو حال علاقتها بشئون قبائل الشمال وسحر كشوفات اللجنة الخاصة تعتقد إن المال وحده قادر على تليين القناعات وكسب الولاآت وشراء الذمم .. الجنوب غير ذلك تماما فمعظم الشيوخ هنا لا يفرطون او يساومون في الغالب مع فقرهم حتى وإن اضطروا الى مد ايديهم تحت ضغط الحاجة او الجشع والطمع!!.
وحين اندفعت السعودية بجنون بلا فرامل نحو المهرة نسيت او لم تكترث بقراءة تاريخ العلاقات الاجتماعية وتثاقف أهل المهرة بأهل عمان ولا معنى النزعة الاستقلالية لسكان المنطقة الحميريين الذين كانوا ذات يوم مشيخة وإمارة وسلطنة تحكم نفسها بنفسها وتقاتل غيرها , فهم لا يرفضون مصالحهم إن كانت متكافئة وندية مع الآخرين ولكن أبعد من ذلك يأنفون ويعتزون بذاتهم فوق ما يتصور غيرهم ..
وبقدر البساطة المتناهية الظاهرة على المهريين يصعب اقتلاع النزعة الاستقلالية المفعمة لديهم او انتزاعها .. والذين خرجوا ولا يزالون ضد التواجد السعودي هناك ليس بدافع عمق علاقتهم بمن ترتاب الرياض باصأبعهم هناك وإنما بدوافع داخلية نفسية لما ذكرت , وربما لا يكترثون أيضا إن تكوين وفرض مليشيات ونخب شبيهة بالاماراتية هناك سوف تعمق فجوة الشرخ الجنوبي الذي لا يهمهم , بل قد يكون غايتهم .. وما حدث في انقلاب عدن الأخير لا اجد له توصيفا اكثر وأعمق مما ذهب اليه الزميل الرائع صلاح السقلدي في قراءته القصيرة الممتازة لتقارب رؤية الإمارات والسعودية للأحداث الدامية وهم يستمتعون بمشهد التمزق والتشظي اليمني سواء في الجنوب أو الشمال بين الانتقالي والشرعية او حتى بين الأحزمة الأمنية ومليشيات النخب ..

** الجنوب خيارات مجهولة 

ولن تحصد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي من السعودية او غيرها أكثر من تلك الشاصات المضادة للرصاص التي وصلت إلى عدن مساء أول عيد الأضحى .. ولن يجني المجلس الانتقالي كذلك أكثر من التواطؤ الواعي او غير الواعي في تفكيك اواصر وروابط مجتمع الجنوب وتشرذمه حتى اكثر مما ينتظره الآخرون.

لا زلت أتذكر تلك اللحظة الاستكشافية 14 سبتمبر 1988م في طريق عودتي مع فريق إعلامي وفني من بغداد إلى عدن عبر مطار جدة بعد مشاركة(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في مهرجان بابل الدولي ومعنا الزملاء قاسم العوسجي والمرحوم هشام علي وغيرهم أكثر من 40 من الفنانين .. استوقفنا ضباط المطار للتفتيش الشخصي الدقيق في طابور طويل مرهق كنت انا في مؤخرته , فهمست في أذن أحد الضباط السعوديين بكلمة السر , وفوجىء حتى رئيس الوفد (المطوبر) بماذا حدث , فبمجرد أن قلت للضابط إنني جنوبي من جذور شمالية فحص إسمي في الجواز للتأكد مع ابتسامة واحضان(مجانا) .. وتجاوزت (الرضحة) والتفتيش وخشيت أن يفسر ذلك زملائي , لكنهم عرفوا ما معنى أن تكون في السعودية يمنيا من الجنوب أو الشمال !!.
ولا أخفي مدى ألمي كيمني من مثل هذا التمييز الذي تجسد وتكرس لوقت طويل بثقافة الكراهية العميقة بين نظامي جنوب اليمن الاشتراكي والملكية السعودية , ومنهما انتقلت العدوى إلى أوساط المجتمعين , مع مزايا معتبرة هناك لأبناء حضرموت الذين فرضوا احترامهم في كل البقاع.
لم أخرج بهذا الاستطراد عن الموضوع كما يعتقد البعض , فلا يزال أمامنا مشوار طويل لتطبيع علاقة بعض أنظمة الجوار مع شعوب المنطقة ومنها اليمن بكل جهاتها (الكعكة المستحيلة) التي وعد الأشقاء في التحالف بتخليصها من انقلاب شيعة صعدة ليجدوا أنفسهم متحلقين حول مائدة وليمة ضخمة لا يدرون من أين يبدأون بابتلاعها وقضمها.
وأنا أشفق على أبنائي وإخواني الجنوبيين(خصوصا) في السعودية الذين انخرطت مجموعة منهم ثاني أيام العيد ربما بعفوية للابتهاج في جدة بانتصار الدم الجنوبي على بعضه .. فالسعوديون قد افتتحوا مراقص الديسكو دانسر والبلاي بوي , ولكن لا تركنوا كثيرا على مشاهدة تمثال الحرية الذي انتصب مؤخرا عندكم في جدة نفسها ولكم عبرة فيمن رحلوهم قبلكم وقطعوا ارزاقهم دون اعتبارات .. وأنا شخصيا أشعر بالاختناق كلما سألني أحدهم لماذا لا تلتحق بقافلة الإعلاميين في الرياض او جدة وانت الآن من أشد المناوئين لانقلاب أصدقائك الحوثيين القدامى الذين دافعت عنهم في حروب صعدة الستة .. فليس بسبب ثأراتنا القديمة في الجنوب معهم ولكن لأن عقليتهم وهمجيتهم وتهورهم لم يتغير او يتبدل فيما مواطن الجنوب الآن أكثر انفتاحا على خصومه التاريخيين بل وأكثر مصداقية , ولكن حسن النوايا تكون أحيانا بمنزلة السذاجة.

** مؤامرة الأصدقاء 

وفي اليمن لا أقول إن دول التحالف تتآمر على الشرعية او القوى الأخرى ولكن تغيرت أيضا مصالحها بعد قرابة خمس سنوات من حرب مهلكة ظنوا حسمها في 3 أسابيع او 3 أشهر .. والمال السائب يعلم السرقة.

ووقع شريكا التحالف الأبرز السعودية والإمارات في فخ جغرافية المطامع الاقتصادية والتجارية في المناطق ذاتها !!.
ودور الامارات المتحدة في هذه اللعبة مع السعودية شبيه بدور بريطانيا مع أمريكا , فالأولى تمثل للثانية محل العقل والمشورة في الجسد الضخم المترهل المندفع.
عملت دول تحالف (السعودية والامارات) غالبا خارج هدف إعادة سلطة ونفوذ الشرعية الى اليمن بل زادت من تقليص وجودها وتهميشها في توسيع شقة الخلافات والصراعات بين قوى وتيارات وأجنحة حلفاء الداخل (الجنوبي) مراعاة لانعكاس تدخلاتها على مستقبل مطامعها في المنطقة(براجماتية وقحة) .. وما بدا أنه حياد سعودي في عدن في المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة وعدم تحركها في الوقت المناسب او حتى التهديد الصارم بالقوة في اللحظة المفترضة مهد لعدم ثقة عميقة بها من حليفها اليمني الرئيسي( الشرعية وحلفاؤها ) بل سيغري ذلك التمادي في سيناريوهات الاضطرابات والقلاقل وبروز حركات عنف خفية مضادة واستمرار ثأرات ضرب القوى الجنوبية لبعضها (تحت الحزام) , والمضحك المبكي إن العلقات الجوية للمملكة كانت أولا من نصيب معسكرات الشرعية المعتدى عليها وليس العكس .. ولا نعلم الى أي مدى سيعتبر الطرف الآخر ذلك حكمة ام حيادا أم مراوغة أم نجاحا لحيلته.
ولا يمكن تفسير كل ما حصل خارج مخطط إنهاك القوى الجنوبية نفسها , وهذا لا يختلف في نتيجته ومآله مما لو تمكن فصيل من آخر بالفعل وفرض إرادته ومشروعه بالغلبة والقهر أو تعرض هو لعكسه .. وما خلفته حماقات الانتقالي لا يخدم قضيته مرحليا ولا في المستقبل لأن الجنوب الموحد المتعايش مع نفسه والمستقر على المدى الطويل لن يصمد وسوف يسقط من داخله بتآكل مكوناته ونسيجه الاجتماعي.
وما لم يكن للامارات والسعودية اهداف او أطماع غير تلك المعلنة بموجب القرارات الدولية فإن المصالح المشتركة لا المطامع الخاصة مفردات مشروعة بين الدول والشعوب على قاعدة التكافؤ والندية وليس بالتركيع واستغلال هشاشة اللحظة ومحن الأشقاء , ولا يتأتى ذلك بمحاولة أضعاف الآخر والرهان على تفكيكه وتمزيقه.
اما التسلية بإطالة الحرب وتناسل جبهات أخرى مع الحوثيين فعسى أن لا تكون استثمارا للوقت وطباخة المشاريع والأهداف الخاصة على نار هادئة!!.
اليمن استعان باشقائه للحظات عابرة وليست عن ضعف وانهيار نهائي كما يتصورون فالحوثيون هم أيضا يمنيون وإن كانوا بمظلة وغطاء مشروع إيراني او متقارب , والدليل إن دولة السيد/ الولي /الفقيه/ الإمام/ القائد/المرشد عبدالملك الحوثي تهدد وجود الاشقاء وعروشهم أكثر من اليمنيين الذين استعجلت قيادتهم في الاستعانة بأصحاب المشاريع التاريخية في ابتلاع اليمن جنوبه والشمال !!.

** معادلة سلطة شعب 

 

اليوم في جنوب اليمن قبل الشمال الشعب أيضا أقوى من السلطة مهما بدت النتؤآت والتصدعات , والقفز على المعادلة او تجاهلها مضر وقاتل , وهو ما لا ينبغي التهوين منه او تجاوزه .. 

همجية وتهور الأشقاء لن يهيء لحماية أي مصالح لهم في المستقبل تفرض بالقوة أو الانتهازية و(التمرير).
أعيدوا قراءة تاريخ المهرة وسقطرى وحضرموت وشبوة وغيرها , واعرفوا أي شعب ومجتمع تخاطبون وتتعاملون معه ..
لا داعي للرهان على تفكيك مجتمع اليمن الجنوبي او الشمالي الذي ستتساقط دعاماته واعمدته على رؤوس الجناة .. وكرامة وثروات الشعوب لا تشترى بعلبة فاصوليا وقطمة سكر أو وقود إضاءة الكهرباء وزيوت المحركات ..
لا تعلنوا معارك مفتعلة ضد الإرهاب هنا وهناك فوعي الناس ونضوجه السياسي جنوبا وفي الشمال ليس كما في ممالك الملح والرمال !!
أعيدوا وكرروا قراءة الواقع والتاريخ واكنسوا من رؤوسكم رواسب وموبقات النوايا السيئة.
والخلاصة على حلفاء الشرعية الأشقاء إعادة صياغة اولياتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية في اليمن وتحديدها بدقة , وقبل ذلك إعادة صياغة علاقتهم مع الشعب نفسه وتصويب سلوكياتهم ومنهجيتهم التي لا تقرأ الواقع او تقر به بل تتجاهل كل مؤشراته ومعطياته من صعدة الى المهرة وتتجاوزها بسذاجة مفرطة بالرهان على استغلال الفرص والسوانح في مجتمع قد يبدو مفككا ولكنه لا يزال يمتلك كل مقومات النهوض واجتياز الكبوات والعثرات.