"ما زلت أتساءل باستمرار، هل تجاوزت الحدود في موسيقاي أم لا".
سواء كان يغني مرتدياً فستان العروس الأبيض أو يغني عن المثليين ولأجلهم، فقد اعتاد المغني الفلسطيني بشار مراد على المجازفة في موسيقاه.
وكعربي يعيش في القدس، يقول بشار إنه يواجه العديد من العناصر المحافظة في مجتمعه باستمرار ويتحداها، بيد أنه يستدرك "أحاول احترام معتقدات المجتمع، وأحاول أيضاً ألا أفعل ذلك".
واستطاع المغني تكوين هوية خاصة به، للتعبير عن الحياة كفلسطيني قائلاً: "أحاول تسليط الضوء على أمور لم يتطرق لها الكثيرون من قبلي، كالمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق المثليين في المجتمع، وإيصال فكرة أن المجتمع الفلسطيني مجتمع متنوع و غني بالقصص والمواهب، وأن هناك الكثير في حياته غير الاحتلال الإسرائيلي".
فعلى سبيل المثال، في أغنيته "الكل عم يتزوج"، والتي تعتمد على النظرة التقليدية لمجتمعه حول الزواج، يؤديها بطريقة كوميدية ساخرة، ويرتدي فستان الزفاف النسائي ويقول معلقاً: "غالباً ما نُسأل متى تتزوج؟".
ويضيف: "تربينا على هذا المفهوم، إذا بلغت سن الثلاثين ولم تتزوج، فذلك يعني أن هناك خطأ ما".
وظهر بشار بأدوار مختلفة في أغنية واحدة، فقد ظهر بدور الكاهن والنادل والعريس والعروس، ويقول إنه يحب الخلط في الأدوار وتمثيل جميع فئات المجتمع.
وكانت هناك بعض التعليقات السلبية هنا وهناك، لكن الناس يميلون إلى تلك الافتراضات لأنهم لا يحاولوا تحمل المخاطر التي يتحملها على حد قوله.
وإنه كعربي يعيش في المجتمع الإسرائيلي، يتحدى ذهنيات وأنواع الناس المختلفة من خلال أغانيه حول المساواة بين الجنسين وحقوق المثليين، وإن أداءه بتلك الطريقة، يثير غضب أولئك الذين لا يؤمنون بحقوق الفلسطينيين الكاملة.
ويحاول بطريقته وأسلوبه، حث الناس على الانفتاح على الأفكار الجديدة وتقبلها.
وفي مايو/أيار الماضي، حظيت إسرائيل بالكثير من الاهتمام الدولي أثناء استضافتها مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن)
ويقول بشار، إن منظمي المسابقة أكدوا باستمرار أن المسابقة ليست سياسية، "إلا أنها كانت سياسية تماماً لأنها جرت في تل أبيب".
مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionنظم نشطاء حقوق الإنسان الإسرائيليون مظاهرة ضد مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) عام 2019
وكانت هناك دعوات لمقاطعة المسابقة من قبل منتقدي سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية.
ويعلق بشار قائلاً: "لم تتم الإشارة إطلاقاً إلى ما يحدث في الأراضي الفلسطينية طوال فترة المسابقة، رغم أنها جرت في تل أبيب".
ويقول الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية إنهم يعانون من الإجراءات والقيود الإسرائيلية الصارمة. إلا أن إسرائيل تقول إنها تعمل على حماية نفسها من عنف الفلسطينيين لا أكثر.
فرقة هتاري
بعد فترة وجيزة من انتهاء المسابقة، أصدر مراد ألبوماً مشتركاً مع متسابقَين آيسلندييَن، وسميت فرقتهم باسم "هتاري"، وقد ظهروا خلال عرض نتائج المسابقة بأوشحة فلسطينية. ويقول بشار بإعجاب: "كنت فخوراً بهم، لقد كانوا المتسابقين الوحيدين الذين أصدروا بياناً لصالح الفلسطينيين".
فبالنسبة للكثيرين، يعد استخدام اسم "فلسطين" مثيراً للجدل، لأن البعض يرى في ذلك، ليس فقط دعماً للفلسطينيين بل معاداةً لإسرائيل أيضاً".
وفي ذلك الوقت، قال المسؤول عن تنظيم مسابقة يوروفيجن، إنه سيحقق في سبب تصرفات الفرقة بتلك الطريقة.
ويقول بشار: "لم يكن ذلك هجوماً على أي شخص، بل كان تضامناً مع الفلسطينيين".
ويضيف: "كان هناك ما يقرب 200 مليون شخص يشاهد المسابقة النهائية، وأنا متأكد من أن الكثيرين ليست لديهم أدنى فكرة عما يحدث هنا".
وقال إنه تسلم رسائل نصية من الكثيرين الذين أثنوا على ما قامت به فرقتهم عند رفعها للعلم الفلسطيني، وساعد ذلك في نشر الوعي بالوضع السياسي على نطاق واسع.
مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionكان أداء فرقة "هتاري" أحد أكثر الأعمال التي تمت الإشارة إليها في مسابقة الأغنية الأوروبية لهذا العام
وقد لفتت فرقة هتاري الانتباه في مسابقة يوروفيجن بسبب الملابس التي ظهروا بها على المسرح، والتي كانت مصنوعة من الجلد.
وقام بشار مؤخراً بأداء أغنية معهم على التلفزيون الأيسلندي ، لكنه حصل على مزيج من التعليقات الإيجابية والبغيضة من الفلسطينيين.
"قال البعض عني بأنني غير محترم، وإذا أتت هتاري إلى فلسطين وأدى أعضاؤها أغانٍ وهم مرتدين الملابس نفسها، فقد تواجه الفرقة برمتها القتل".
"الموسيقى وسيلتي للتغلب على التنمر"
نشأ بشار في أسرة موسيقية، إذ كان والده أحد مؤسسي فرقة صابرين منذ عام 1980 حتى عام 2004.
ويقول: "نشأت وترعرت وأنا أستمع إلى أغاني فرقة صابرين، فقد كانت الموسيقى وسيلتي للتغلب على التنمر والمضايقات خلال سنوات الدراسة".
ويضيف: "لم أشكل الصورة النمطية للرجل في مجتمعنا العربي أيام الدراسة، فقد كنت أرافق الفتيات وألعب معهن أكثر من لعب كرة القدم مع باقي الأولاد مثلاً، وكنت أعشق موسيقى الميتال (الروك)".
وكان بشار يتعرض للمضايقات والسخرية في كل فعل يقوم به بحسب قوله، بدءاً من الأغاني التي كان يستمع إليها وانتهاءً بطريقة كلامه ومشيته، "كانوا دائماً يقولون لي، خليك رجل وشدّ براغيك".
وكانت طريقته الوحيدة في الرد هي "كتابة الأغاني وتلحينها".
لم يكتفِ بشار بدراسة الموسيقى فقط، بل حصل على البكالوريوس في الاتصالات في الولايات المتحدة وعمل بعدها لمدة عامين في الأراضي الفلسطينية في مجال الاتصالات، إلا أن شغفه وحبه للموسيقى دفعه للتفرغ في مجال الفن والغناء.