آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: من غيب الحكومة الشرعية.. ولماذا غاب الرئيس هادي؟!

السبت - 09 فبراير 2019 - 11:09 ص بتوقيت عدن

تقرير: من غيب الحكومة الشرعية.. ولماذا غاب الرئيس هادي؟!

عدن((عدن الغد)) خاص

 

تقرير.. محمد فهد الجنيدي

تعقدت مهمة الحكومة الشرعية اليمنية بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب الأهلية في البلاد، فبينما كان من المفترض أن يعود الرئيس عبدربه منصور هادي الممثل الرئيس للشرعية إلى عدن عقب تحريرها من جماعة الحوثيين بشكل دائم لم يحصل ذلك، وتفاوتت زياراته الخاطفة لعدة أيّام كان آخرها في أغسطس الفائت.
يمكث الرئيس هادي منذُ بدء الحرب في العاصمة السعودية الرياض التي تقود تحالفاً عربياً في بلاده بطلب منه، لدحر جماعة الحوثيين، لكن مكوثه طالما أثار غموضاً واسعاً خصوصاً وإن مدينة عدن تشهد إستقراراً طفيفاً يمكنه من العودة، كما أن جل وزراء الرجل هم الآخرين لايمكثون طويلاً في العاصمة المؤقتة للبلاد بل إن بعضهم لم يزرها قط.
اصدر الرئيس هادي قرارات جمّة منذُ تحرير الجنوب من المليشيات، واطاح ببعض الشخصيات بينهم المهندس خالد محفوظ بحاح واحمد عبيد بن دغر واحال الأخير إلى التحقيق، وعلى الرغم من ذلك لم تتواجد الدولة الشرعية منذُ تحرير عدن في العام 2015.

ما الذي يمنع الرئيس من العودة إلى عدن؟

تضاربت الأنباء حول وضع الرئيس هادي المنفي في العاصمة السعودية، ولماذا لايعود إلى بلاده، وتوالت الاتهامات للتحالف العربي من منعه، لكن يبدو جلياً بأن الرجل أختار الرياض كمقراً دائما له خصوصاً في ظل سيطرة الحوثيين على المحافظات الشمالية.
وعلى الرغم من أنّ عودة الرجل مهمة في وضع حرج كهذا، إلا أن هادي لايوضح حقيقة وضعه والأسباب التي تحول دون عودته.

غياب الدولة إلى متى سيستمر.. وبماذا تسبب؟

تعيش الحكومة الشرعية اليوم أسوأ فصولها، في وضع حرج بعد تضييع مهمة استعادة الدولة في الجنوب الذي تحرر مبكراً، نتيجة الفساد الفاضح، والتصريحات النارية ضد الحوثيين التي لاتتجاوز حدود غرف مغلقة غير واقيعة ولا شواهد لها على الأرض.
لم تهتم الحكومة بعودة مؤسسات الدولة ولم تجعل ذلك أولوية لها، بل ترك الرئيس هادي الباب مفتوحاً لممارسة الوزراء والمسؤولين الحكوميين الفساد بأريحية تامة ليكتفي باصدار قرار إقالة لاحقاً، لتدخل أبوظبي على الخط لإنشاء جيوش تؤمن المحافظات جنوبية، كعدن، وحضرموت، وشبوة، وأبين، ونجحت في تأمين بعضاً منها لكنها أخفقت في أخرى.
من صرواح ونهم والجوف وغيرها من المحافظات والمديريات التي تقع تحت سلطة الحوثيين، كانت بداية الشرعية منذُ سنوات وسط فشل ذريع في إحراز أي تقدم، وصولاً إلى عدم استعادة الدولة جنوباً كانت بمثابة الضربة التي كسرت ظهرها، وباتت بلا وجود على الأرض اليوم.
وتسبب غياب الدولة بفوضى خصوصا في العاصمة المؤقتة "عدن"، حتى شبهت كالغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف.

الشرعية والحوثيين والجنوب

الغياب الكبير للشرعية في جنوب اليمن وشماله، اعطاء عمراً افتراضياً لجماعة الحوثيين للبقاء وقتاً اطول، وكذا لظهور مكونات مختلفة مع التحالف واخرى مع الشرعية وضدها بدوافع تخدم الخارج بشكل رئيس في الجنوب، واستبدلت - التحرير وإعادة الدولة من وسط ركام الانقلاب بالتعمير وجني الأموال، خارج البلاد، حتى باتت منفية، لا قبول لها جنوباً ولا شمالاً، كونها لم تقدم اي نموذج يحتذى به ليتمسك به المواطنون، بل قدمت نموذجاً هو الأسوأ.
وعلى الرغم من كل ذلك لاتزال الحكومة في غيها غير آبهة لما يجري في اليمن، حيث بدأ حضورها يتلاشئ من المشهد داخلياً.
ويعتقد قطاع من الجنوبيين أن من قرارات الرئيس هادي الكارثية، تمكين إخوان اليمن في السلطة، الذين أخفقوا في تقديم اي نموذج في الجنوب فيما بعد الحرب وحتى اليوم، وكذا لم يحرزوا اي تقدم على جماعة الحوثيين شمالا، وظلت التقدمات إعلامياً على مدى مايزيد عن أربع سنوات.
ويقول سياسيون جنوبيون، إن الإخوان لن يقبلوا الجنوب الا خاضعا لهم، ولا يمكن أن يقبلوا به شريكا وهذا نتاج تراكم عقائدي وايدلوجي متوارث من زمن الأئمة الذين حكموا صنعاء وكانوا ينظرون للجنوب بعين ايدلوجية تراه دار كفر يحكمها الانجليز وعملائهم.

لماذا يصمت التحالف عن فساد الشرعية..؟

واقعاً يبدو التحالف العربي مختلفاً مابين مؤيد ومعارض للشرعية، فالرياض مؤيدة لها، لكن أبوظبي بدأت مختلفة نتيجة لما تراه تمكين الإخوان في السلطة، وبالتالي مهمة محاسبة الشرعية تتمثل في الرياض كونها مسؤولة رئيسية عنها، لكنها تبدو أنها لاتتدخل في شؤون التعيينات وقضايا الفساد.
وما لم يعرف ما إذا كانت السعودية وفقاً - لروى صحافية يمنية وسياسية - أرادت بالفعل اللا دولة في اليمن ليتسنى لها وجود جارة تتحكم بها كيفما تشاء.

مابين معين وبن دغر

مهمة معين عبدالملك رئيس الحكومة الحالي بدأت كمهمة أحمد عبيد بن دغر الذي رافقها الاخفاق حتى أحيل للتحقيق الصوري، فلا يزال الرجل بعيداً عما وعد به العملة والاسعار والفساد.
وعد معين، في نوفمبر الفائت بتحريك الملفات الاقتصادية وضبط الاسعار، لكن سرعان ماتهاوت اسعار العملة الوطنية امام العملات الأجنبية عقب الوديعة السعودية للمركزي اليمني، وارتفعت الاسعار وعادت الأوضاع الى مايشبه الصيف الساخن الذي يحل دون تيار كهربائي يثقل كاهل المواطنين، فلا فرق بين إخفاق الرجلين لولا الوديعة السعودية حتى اليوم.
يقول الصحفي محمد سعيد الشرعبي لـ"عدن الغد" ان اداء رئيس الوزراء معين عبدالملك جيدا حتى الآن، ولكنه ليس بمستوى تطلعات الشعب، وهذا يعود إلى تركيبة السلطة الشرعية مضافا عليها الظروف التي تعيشها البلاد.
واشار الشرعبي إلى أن إعادة تفعيل المؤسسات وتقديم الخدمات بحاجة إلى ميزانيات ضخمة، وواجبه تفعيل أدوات تجميع الإيرادات العامة إلى البنك المركزي ومحاربة آفة الفساد، مبيناً إلى أن معين لن يستطيع بمفرده مكافحة الفساد المستشري في المؤسسات دون وجود إرادة عليا كون مافيا الفساد مسنودة من قيادات كبيرة في الشرعية.
من جانبه، أعتبر الصحفي رياض الأحمدي أن تعيين عبدالملك، جاء لتخفيف حدة التوتر بين الشرعية والتحالف، قائلا: إن الحكومة بدت حذرة من الاصطدام بالامارات في عدن ولم تصطدم بها كما حصل في عهد بن دغر.
واضاف الأحمدي لـ"عدن الغد": ولكن بشكل عام تحولت حكومة عبدالملك الى انعكاس لضعف الشرعية وحتى لم يعد الناس يشعرون بوجودها باستثناء التصريحات وبعض الأنشطة التي لا ترقى لتمثل اي تحول.

هل تعمدت الشرعية تغييب الدولة؟

إلى ذلك أعتبر السياسي عباس الضالعي، أن تغييب الدولة في المناطق المحررة متعمد من قبل بعض المحسوبين على الشرعية، قائلا انهم عملوا على نشر الفوضى وتكريس أساليب العنف والقوة ، ومن ذلك أغلاق المحاكم والنيابات منذ شهرين تحت مبرر الأضراب ، الذي هرول اليه القضاة وأعضاء النيابة العامة مسرعين بالسير في فلك من يزعم وصاياته على القضاء متناسين العواقب الوخيمة بزيادة معاناة المواطنين ، مع ان القضاء لايغلق ابوابه تحت أي ظرف ، بل ان سد نافذة القضاء ألمفتوحة أمام الناس بما يحصلوا عليه من خدمات أجرائية بسيطة رغم الفساد المصاحب لها بعلم القضاة.
وقال الضالعي، إن إضراب القضاة عن العمل يعد جريمة في ظل غياب صوت العقل والحكمة لديهم بعدم مراجعة موقفهم على أعتبار أن رسالتهم وصلت بقوة الى صانع القرار ، مما ادى الي اطالة أمد الاضراب وارتفاع صوت الكيان الداعي الى معاقبة المواطنين بتعطيل العمل القضائي وحرمانهم من حقهم في الحصول علي العدالة دون ان يكون لهذا العمل في هذا التوقيت أي تأثير ، لعجز الخزينة العامة للدولة عن توفير رواتب العديد من الجهات التي تمثل اولوية.

فضيحة أخيرة

كانت الفضيحة الأخيرة للشرعية اليمنية تلاعب المركزي اليمني بتسعة مليار ريال وفقاً لما كشفته اللجنة الاقتصادية، دون أن تتم محاسبة محافظ البنك، وظل هذا التلاعب طي الكتمان حتى اليوم، غير أن رئيس الحكومة معين عبدالملك وجه الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمراجعة وفحص تقارير البنك.
وكان حافظ معياد رئيس اللجنة الاقتصادية طالب الحكومة بالتحقيق في الفساد الحاصل في البنك المركزي.
وما لم يعرف ما إذا كانت مغادرة رئيس الحكومة إلى الرياض أتت في سياق هذا الموضوع أم ان الزيارة او الاستدعاء يناقش مواضيع أخرى ليست متعلقة بالبنك.

صحفي: اللعب المزدوج اضر بالشرعية!

إلى ذلك يعزو الصحفي فارس الحسام، ضعف الشرعية بالإنبطاح واللعب المزدوج الذي قال انها تمارسه أطراف راديكالية تحيط بالرئيس هادي كإحاطة السوار بالمعصم .. بل تحاصره وتعزله عن المشهد اليمني المعقد والمتدهور، لافتا الى ان الحوثيون لم يكونوا بتلك القوة التي تمكنهم من تثبيت قواعدهم في العاصمة صنعاء وباقي محافظات الشمال لولا هذا اللعب المزدوج.
واضاف الحسام: قالها الرئيس السابق صالح مخاطباً السعودية ودول الخليج في أحد خطاباته ( سنتفق مع هادي .. سنتفق مع علي محسن ومع بن دغر ، ووصف هؤلاء بأنهم خبز يديه وعجينته .. أي أنه هو من صنعهم وأوصلهم إلى هذه المستويات ) .. لم تستوعب المملكة ولا دول التحالف العربي مايرمي إليه صالح ، وأخذوا بقشور كلامه وتركوا لُب الكلام، مشيرا الى ان صالح يقصد أن أقطاب شرعية هادي الهاربة في فنادق الرياض واسطنبول والقيادات الراديكالية المزروعة في خاصرة التحالف العربي وحول عنق الرئيس هادي لن تكون وفية وصادقة مع التحالف العربي ولا حتى مع الرئيس هادي في الإنتصار على صالح والحوثيون ، وأنه على تواصل ووفاق معهم في ضمان تجنيب صنعاء الدمار بل وعدم تدمير التحالف القبلي القديم الحاكم والمسيطر على اليمن منذ عشرات السنين وضمان بقاء الحكم المطلق لقبائل وعوائل شمال الشمال وتسهيل إستمرار باب الإسترزاق لأدواتهم ومعاونيهم من المناطق الأخرى تحت مسمى الحكم واسع الصلاحيات.
وتابع الصحفي الحسام: تمكن صالح من إيصال بن دغر إلى رئاسة الوزراء ومحاولة إستعادة حزب المؤتمر جناح هادي الذي بدأ يتخلق في الرياض والقاهرة ، ومثله تمكن العيسي من خطف ملف النفط وإستيراد المواد الغذائية ، ومثل وصول القيادي الأخواني عبدالله العليمي إلى أقرب دائرة للرئيس هادي وتولى مكتب رئاسة الجمهورية وأصبح المتحكم الأول والآمر الناهي وصاحب الكلمة الأولى في التعيينات بقرارات رئيس الجمهورية ، وجميع هؤلاء كانوا هم أنفسهم أرباب الفساد في سلطة صالح، وهنا تمكنت الشخصيات الراديكالية المزروعة في شرعية هادي ممن رفضوا مقاتلة الحوثيون عندما أسقط صنعاء وباقي المحافظات اليمنية ، تمكنوا من سحب البساط من تحت أقدام هادي وبدأوا بتقديم التنازلات تلو التنازلات لمليشيات الحوثي في مختلف الملفات السياسية والعسكرية ، بل وعملوا جاهدين على عرقلة حسم معركة الحديدة التي كادت أن تحسمها قوات ألوية العمالقة في الساحل الغربي لليمن.
وقال الحسام ان الهدف الأبرز من هذه العرقلة وتلك التنازلات المتتالية من قبل شرعية الرئيس هادي لصالح مليشيات الحوثي كان لأجل إستنزاف التحالف العربي مالياً وعسكرياً وسياسياً وإطالة الحرب لسنوات أطول لتتنامى أرصدتهم البنكية والعقارية في الداخل والخارج لأنهم أصبحوا تجار حروب بإمتياز ، وأن أي حسم للحرب سينهي مشاريعهم الإستراتيجية بعيدة المدى .. بل وفي ظل التوصل إلى أي تسوية سياسية قادمة ستقلب عليهم الطاولة رأساً على عقب.
واشار الحسام الى ان اي تسوية سياسية للحرب في اليمن خصوصاً إن توصل المجتمع الدولي إلى قناعة تامة بوجوب تحقيق التسوية السياسية الشاملة في اليمن .. فإن ذلك يعني حل المشكلة الرئيسية التي نتجت عنها كل المشاكل لاحقاً، وهي قضية ( الجنوب ) بعد ثبوت إنتهائها بشكل تام سياسياً وعسكرياً وأمنياً وماتبقى منها لم يعد أكثر من بروتوكوات شكلية لضمان بقاء الجنوب تحت سيطرة الشمال وبأيادٍ جنوبية.

لقور: الشرعية تنهار

وبالتزامن مع ذلك، يرى الأكاديمي الجنوبي حسين لقور بن عيدان أن الشرعية تنهار من داخلها.
وقال لقور، إنه ‏عندما تعمل أي إدارة برؤى مختلفة و متضادة تصنع الفشل و تتراجع عن تحقيق اي إنجاز، وحينها سيبرر كل صاحب رؤية ان الآخرين لم يسيروا وفقا لرؤيته.
ومضى لقور قائلا: ما يعتمل في الشرعية من تضارب مصالح جعل كل فريق يسعى لهدفه فلم يعد هناك من مشترك بينهم، لافتا الى ان الشرعية تنهار من داخلها و تضيف كل يوم مسمار في نعشها.