آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

ملفات وتحقيقات


ذكرى مرور 51 عاماً لجلاء بريطانيا من عدن.. تفاصيل تنشر لأول مرة عن الايام الاخيرة لخروج بريطانيا من عدن.

السبت - 01 ديسمبر 2018 - 12:33 ص بتوقيت عدن

ذكرى مرور 51 عاماً لجلاء بريطانيا من عدن.. تفاصيل تنشر لأول مرة عن الايام الاخيرة لخروج بريطانيا من عدن.

أعداد وتقديم/بلال غلام حسين

ما يحدث اليوم في عدن بعد مرور 51 عاماً منذ يوم الجلاء لا يندرج في قائمة الأخطاء التي لابد لأي نظام في طور توطيد وجوده. هذا النهج اعتمدته الحكومات المتعاقبة التي سيطرت على عدن منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا هذا.


وتستعرض هذه السطور الموجزة المراحل التي مرت بها عدن والجنوب العربي قُبيل فترة وجيزة من خروج بريطانيا بصورة واقعية وتجريدية لا تمت بصلة مما قيل لنا أو تعلمناه في كُراسات مناهج التعليم من تاريخنا السياسي المُغيب عبر الحكومات المتعاقبة التي أحاط بها الكثير من الغموض لمن لا يعرف خفايا السياسة.


وسبق أن حددت الحكومة البريطانية أن (اتحاد الجنوب العربي) سيكون دولة مستقلة في التاسع من شهر كانون الثاني 1968م, وأشعرت الأمم المتحدة والحكومة المتحدة بذلك. وقبل التطرق في موضوع الاستقلال نسرد بعض الأحداث السياسية والعسكرية التي حصلت في عدن نتيجة للخلافات بين حكومة عدن وبريطانيا من جهة, وبين جبهة التحرير والجبهة القومية من جهة أخرى.


بعد التوسع الملحوظ الذي طرأ على عمليات الاغتيالات السياسية في الآونة الأخيرة من خروج الإنجليز من عدن لشخصيات بريطانية كبيرة مثل: (الكولونيل باري, السير آرثر تشارلس, وغيرهم ...) أحدث ذلك ردة فعل عنيفة في عدن وبريطانيا وبرلمانات العالم وهرعت وزارة المستعمرات إلى الحصول على أمر رسمي من ملكة بريطانيا بإقالة السيد (عبدالقوي مكاوي) وتعليق الدستور في عدن, وإخضاع مسئولية الحكم فيها للمندوب السامي مباشرة, الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب الشديد في صفوف المواطنين الذين اضرموا النيران في أماكن عدة من, وبدأت حركة واسعة في عمليات العنف في جميع أنحاء عدن.


وفي هذا الأثناء قامت (جبهة التحرير) وحل السيد عبدالله الأصنج (حزب الشعب التقدمي) وأنظم فيها, ورفض قحطان الشعبي والجبهة القومية, أما رابطة أبناء الجنوب فقد رفضت ذلك الدمج.
وفي تلك الفترة وسعت جبهة التحرير عملياتها في عدن ضد القوات البريطانية, وكان عبدالله الأصنج يدير الحركة بما توفر لديه من أموال وسلاح واشتدت الهجمات على الحامية العسكرية البريطانية وامتدت إلى القاعدة الحربية الرئيسية في (عدن الصغرى) وسيطرت جبهة التحرير على كافة المراكز الشعبية الحساسة في عدن ومنها المؤتمر العمالي العدني ... وخلال تلك الفترة ضعفت قاعدة الجبهة القومية وتوقفت أعمالها لفترة مؤقته وتمزقت إلى مجموعات, ولجأت إلى الانتقام وقتل رئيس المؤتمر النقابي العمالي, السيد (علي حسين قاضي) أمام باب منزله.

 

وفي فترة ازدياد شعبية (جبهة التحرير) وإعلان السيد عبدالقوي مكاوي في الأمم المتحدة بأنه الممثل الوحيد لشعب عدن والجنوب العربي, فكرت حكومة لندن في إعادة تنظيم الجبهة القومية لإيجاد التعاون بين قوى المعارضة, وتم الاتصال فعلاً بقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي وعبدالفتاح إسماعيل وسيف الضالعي بواسطة المستشار الإعلامي الأول للمندوب السامي (المستر أنطوني أشوورث) ورئيس الاستخبارات العسكرية البريطانية (الكولونيل ريتشموند) .

وقد قبلوا المشروع الجديد القائم على التعاون الوثيق مع بريطانيا وكان الاتفاق قائماً على أن لا تشترك الجبهة القومية في اغتيال أي بريطاني أو مواطن في عدن, وأن تركز جهودها على اغتيال الأعضاء في جبهة التحرير, مما أدى إلى قتال عنيف بين الجبهتين, وقامت الاغتيالات المتبادلة بينهما في عدن, وكانت أسماء الضحايا تُعلن من خلال التلفاز الذي كان يذكر في كل مرة بأن "فلان قُتل نتيجة إطلاق النار عليه من جهة مجهولة".

 

ودفعت بريطانيا مبلغ وقدره ثمانين ألف جنيه إسترليني, مكنت الجبهة القومية من ترتيب صفوفها والتزود بالأسلحة والعتاد اللازم من القاعدة العسكرية البريطانية في عدن.
وكان كل واحد منهم يتناول بواسطة أحد المندوبين في عدن.. هذا عدا المخصصات العامة للحركة السياسية والعسكرية.. ونتيجة لهذا التعاون اغتالت الجبهة القومية عدداً كبيراً من أعضاء جبهة التحرير وفر الأعضاء البارزون منهم إلى تعز.. وهكذا تم دحر جبهة التحرير من المشهد السياسي بمساندة بريطانيا للجبهة القومية.

 

وفي هذه الأثناء قدم (اللورد شاكلتون) وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني إلى عدن, لبحث الموقف.. وبعد المشاورات الخاصة التي أجراها وجد أنه من غير الممكن استمرار الحكومة الاتحادية في الحكم, وان المشكلة التي تواجهه هي من سيتولى الحكم بعد سقوط الحكومة الاتحادية, وأنه ليس أمامه الخيار, فجبهة التحرير مرتبطة بالقاهرة ارتباطاً وثيقاً وهذا يجعل من الصعب على بريطانيا التعامل معها ولم يبق أمامه سوى الجبهة القومية وسيعمل على تشجيعها للاستيلاء على الحكم.
وفي إحدى الخطابات التي القاها في المجلس الاتحادي الأعلى وتحديداً في 2 يونيو 1967م من عدن قال (السير همفري تريفليان): "إنني رجل ثورة ... وسأُغير طريقة الحكم بصورة ثورية" ... وقد فهم الأعضاء ما يقصده ولكنهم لم يدركوا بأنه كان يقصد ذلك حرفياً.

 

وفي 15 يوليو 1967م, أثناء فترة حكم تريفليان قام معاونيه بالاتصال بالجبهة القومية وأدخل زعماءها سراً إلى عدن وأجرى معهم المفاوضات في دار الانتداب .
كما طلب منهم التنازل عن التزام بريطانيا بدفع مبلغ التعويضات البالغة 12 مليون جنيه إسترليني لسد ميزانية الاتحاد, وقد قبلت الجبهة القومية ذلك التنازل في مؤتمر جنيف مقابل حوالة مصرفية بثلاثة ملايين جنيها.

 

ومع اقتراب نهاية شهر أكتوبر من عام 1967م, كانت الجبهة القومية قد أحكمت سيطرتها على الجنوب العربي باستثناء عدن, وأعلن بعض قادة الجيش الاتحادي ولائهم لها بأمر من المخابرات البريطانية وقد شارك بعض هؤلاء القادة في اجتماع المندوب السامي مع قادة الجبهة القومية, ومع تسارع الأحداث انقلبت بريطانيا على السلاطين وهددت بقصف دورهم إذا لم يغادروا الاتحاد, كما تم نهب منازل الوزراء، واستمرت بريطانيا في تقديم الدعم للجبهة القومية وتمويلها للسيطرة على الحكم مما ساعدها على إسقاط المحافظات تلو الأخرى.

 

وفي الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر كانت السلطات البريطانية قد أنهت مهمتها وسلمت الجبهة القومية كل الأرض في الجنوب العربي, ولكن عدن كانت على موعد مع أعنف صورة ممكنة من القتال بين جبهتي التحرير والقومية, في كل من الشيخ عثمان, المنصورة, القاهرة, الشيخ الدويل و دارسعد.
وكانت الجبهة القومية قد حشدت القدر الذي تستطيع من الرجال في هذه المناطق استعداداً للمعركة الفاصلة مع التحرير وكان ذلك في 3 نوفمبر 1967م.. واستطاعت جبهة التحرير والتنظيم الشعبي هزيمة الجبهة القومية ومحاصرتهم من تبقى منهم في الشيخ عثمان بعد أن سقط من الطرفين ما يزيد عن سبعمائة قتيل وأكثر من ثلاثة ألف جريح.
وكادت خطة المندوب السامي البريطاني أن تفشل لولاء تدخل المندوب السامي الذي طلب من قائد الأمن تجهيز كل القوة العاملة تحت إمرته وارسالهم إلى الشيخ عثمان بالزي المدني للقتال مع الجبهة القومية وإنقاذ قيادتها المحاصرة.


وبدخول الدبابات البريطانية في المعركة مع رجال الأمن (متنكرين) بالزي المدني, تجدد القتال مرة أخرى في صباح وليلة 4 نوفمبر لكن دون الوصول إلى نتيجة.
وفي ليلة 5 نوفمبر أعلن جيش الجنوب العربي اعترافه بالجبهة القومية وزحفت ثلاث كتائب من الجيش تساندها دبابات (صلاح الدين) على الشيخ عثمان والمنصورة, وبدأت قصفها بمدافع الدبابات ومدافع الميدان حولت الشيخ عثمان إلى أنقاض بعد أن سيطرت عليها, واعتقلت أكثر من سبعة الاف من أنصار جبهة التحرير والتنظيم الشعبي, واباحث السلطات البريطانية التي تسيطر على مناطق كريتر, المعلا, التواهي وخورمكسر للجبهة القومية أن تقوم بمطاردة العناصر الأخرى في هذه المناطق, وهكذا تم إسقاط عدن في أيدي الجبهة القومية.

 

وبينما كان رحى القتال على أشده في عدن, طلبت السلطات البريطانية من وفد الجبهة القومية إرسال وفداً للتفاوض معها على تسلم استقلال البلاد .
وذهب الوفد برئاسة قحطان الشعبي إلى مفاوضات جنيف, وقد رفضت الأمم المتحدة السماح بإجراء المفاوضات في مقرها لرفض الجبهة القومية في توحيد الصف مع جبهة التحرير وحكومة الاتحاد وإشراكهم في المفاوضات, ونتيجة لذلك أُقيمت مفاوضات الاستقلال في مبنى صغير تابع (لجمعية الفتاة المسيحية) في جنيف, وعادوا بعدها إلى عدن.

 

وفي 29 نوفمبر 1967م, أنسحب آخر جندي من عدن منهياً بذلك السيطرة البريطانية على عدن والجنوب العربي, بعد صدور البلاغ عن محادثات جنيف الذي يقول: "أن الوفدين أتفقا على أن السلطات والحقوق التي كانت مخولة لبريطانيا ستُنقل إلى الجبهة القومية في الساعات الأولى من يوم 30 نوفمبر 1967م". وهكذا طويت أطول صفحة من تاريخ الوجود البريطاني في عدن بعد أن سلمت السلطة للجبهة القومية تحت حراسة البوارج البريطانية .

لقد عرضت بريطانيا على حكومة الاتحاد تسليمها الاستقلال والسلطة ودفع أضعاف ما دفعته للجبهة القومية, شريطة قبول الحكومة الاتحادية تنازلات كثيرة ولكنها رفضت المساومة على حقوق الشعب ومصيره.

فانتقمت بريطانيا منهم و شردتهم وهنا قال السير همفري تريفيليان مقولته الشهيرة: "إن حكومة الاتحاد متمسكة بالنزاهة ولكنها لا تريد أن تفهم أنه يوجد في سوق المزاد السياسي من هو مستعد للتعامل معنا كما نريد ... وسيبيع ضميره بأبخس الأسعار".

 

المراجع:

تقرير شاكلتون صادر عن أرشيف البرلمان البريطاني للفترة قبل وأثناء وبعد الإستقلال.


الجنوب العربي في سنوات الشدة.


أغتيال بريطانيا لعدن والجنوب العربي.