آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:48ص

ملفات وتحقيقات


تقرير : بلورة القضية الجنوبية..وكيف تم استغلاها ودفنها!!. اللعب بالورقة الجنوبية..ومن هو المستفيد؟

الأربعاء - 08 فبراير 2017 - 09:22 ص بتوقيت عدن

تقرير :  بلورة القضية الجنوبية..وكيف تم استغلاها ودفنها!!.    اللعب بالورقة الجنوبية..ومن هو المستفيد؟
ارشيف ..فعالية للحراك الجنوبي بعدن

عدن (عدن الغد)خاص:

تقرير:ماهر عبدالحكيم الحالمي - جزء من التقرير تضمن تقرير سابق للباحث في الشئون اليمنية فارع المسلمي ونشر تحت عنوان القضية الجنوبية في اليمن: حرب داخل الحرب

 

 

تاريخياً كان الأنقسام الجغرافي الرئيس،في اليمن مابين شمال البلاد وجنوبها،والبلاد لم تتوحّد إلا مؤخّراً بعد أن كان الشمال والجنوب كيانين منفصلين في السابق، منذ العام(١٩٧٨)كان شمال اليمن خاضعاً إلى حكم صالح،وفق خطوط شعبوية وقومية عربية،وفي المقابل كان جنوب اليمن الدولة الشيعوعية الوحيدة في العالم العربي.

ومع أن كلا الحكومتّين جهدتا لدمج اليمن في أمّه واحده،كانت العلاقات متوتّرة والمناوشات الحدودية سائدة،ولم يمكن ممكناً تخطّي الخصومة إلتي بعد أن دفع أنهيار الاتحاد السوفياتي جنوب اليمن إلى شفير الانهيار الاقتصادي.

في العام(١٩٩٠)وضع البلدان اتفاقية وحدة كجزء من صفقة قائدّيهما،"علي صالح وعلي سالم البيض"وقد حظيت الاتفاقية بدعم واسع آنذلك، إلا أنها ارتُجلت على عجل،وكانت أقصر من نص عقد زواج أذ لم يتجاوز نص الاتفاقية الصفحة ونص الصفحة.

غداة التوحيد يشتكي بعض الجنوبيين السابقين من أن الوحدة صبّت لصالح الشمال،الذي كان عدد سكّانه أكبر بثلاث مرات تقريباً من عدد سكان الجنوب،وقد سيطر الشماليون على الانتخابات البرلمانية للعام(١٩٩٣)وهي أول أنتخابات متعددة الأحزاب في شبة الجزيرة العربية.

 وفي العام(١٩٩٤)أحبطت القوات العسكرية الشمالية والميليشيات الإسلامية،بمساعدة من بعض المجموعات في الجنوب محاولةً يمنية للانفصال،وهذا الأمر أدّ إلى اتجذّر أكبر لنظام "صالح"الشمالي،الذي أضطهد الجنوبيين الانفصاليين فيما بعد.

 

   نمو القضية الجنوبية.

في أوائل القرن الحادي والعشرين،تنامت المعارضة ضد"صالح"في كلٍّ من الشمال والجنوب في مناخ من التدهور الاقتصادي والقمع السياسي الحادًّ فشهد الشمال نشوء التمرّد والحوثي في العامّين(٢٠٠٣-٢٠٠٤)في حين تنامى الشعور الانفصالي مجدداً في الجنوب في العام(٢٠٠٧)،وبدأت هذه المجموعة الأخيرة تنشط عندما تحرّك ضباط عسكريون جنوبيين أجبروا على التقاعد مبكراً للمطالبة وبحقوقهم ورواتبهم التقاعدية،ثم تجزأت هذه الحركة لا حقاً وأنقسمت إلى مجموعة عدة،نادت بجعل جنوب اليمن مجدداً دولة مستقلة.

في العام(٢٠١١) محاولة أغلِّاق الآمال على أن هذه الدعوات إلى الانفصال سيجري التخلّي عنها لصالح إنفتاح سياسي جديد في اليمن،وفي العام(٢٠١٢)أطيح صالح أخيراً وحل مكانه نائبه"عبدربه منصور هادي"،والجدير ذكره أن الرئيس الجديد هو نفسه جنوبي من محافظة أبين،لكن بما أنه وقف إلى جانب"صالح"والشماليين في العام(١٩٩٤)لم يكن لتعينة أثر يُذكر لتهدئة الانفصاليين،يُضاف إلى ذلك أن مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ في العام(٢٠١٣)برعاية "هادي"والبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن "جمال بن عمر"،قوطع من جانب العديد من القادة الجنوبيين،الأمر الذي قوّض أكثر الأمل في التوصّل إلى تسوية للقضية الجنوبية.

إن التشظّي الحادّ للمشهد السياسي الجنوبي يجعل أستعادة دولة جنوب اليمن أمراً مستبعداً إلى حدّ كبير،لكن مسألة الوحدة تبقى مثيرة للخلاف سياسياً وقابلة للاستغلال من اللاعبين الخارجين فطول السنوات القليلة الماضية،حاول كلّ من إيران والسعودية اللعب بالورقة الجنوبية.

   الدور السعودي.

كانت السعودية الجار الشمالي لليمن مُعاديةً النظام للجمهورية الشيعوعية في الجنوب اليمن وفضّلت العمل مع القوى القبلية والإسلامية المحافظة المساندة لحكم صالح في الشمال، أن أتفاق وحدة العام(١٩٩٠)غيّر الحسابات السعودية فاليمن أصبح بحجم السعودية تقريباً من حيث السكان،وفي العام(١٩٩٤)دعم السعودية فعلياً الانفصالين سابقاً التابعين "لعلي سالم البيض"في نزاعهم مع"صالح"الذي كان أعلن عن دعمه "لصدام حسين" في حرب الخليج في العامين(١٩٩٠-١٩٩١)لكن عقب الانتصار الشمالي وإحتلال الجنوب،تخلّت الرياض عن مغازلة الجنوب،وركّزت بدلاً من ذلك على بناء النفوذ عبر وكلائها التقليديين في الشمال وحتى في الجنوب.

شهدت الأعوام التي أمتدّت مابين صعود الحراك الجنوبي في العام(٢٠٠٧)وإطلاق مؤتمر الحوار الوطني في العام(٢٠١٣)،تكاثراً للنشاط السياسي في جنوب اليمن السابق،فأنفتح بعض اللاعبين في ذلك الجزء من البلاد على إيران وأستطاعوا الحصول على التمويل من أجل أنشطتهم السياسية والإعلامية،وكان"البيض"من بين هؤلاء اللاعبين، وقد أدار أنشطتة السياسية ومحطةً تلفزيونية من بيروت،وأستطاع"البيض"عن طريق تقربه من إيران،أن يحصل على دعم العسكري والمالي المحدود لحلفائه في الدخال،فكانت المجموعة التابعة له أفضل تنظيماً من معظم نظيراتها ضمن الحراك الجنوبي،حاول نظام الرئيس المخلوع"صالح"بأختراق الحراك وأحداث شرخ في قيادته من أجل عزل تيار"البيض"من المشهد السياسي بسبب الشعبية التي يحظى بها،ومن ناحية تمزيق وحدة الصف الجنوبي لكن لم يستطيع لأن قرار التصالح وتسامح الجنوبي أتى بقرار قاعدة شعبية ولم يأتي بقرار سياسي،ولذي كان ضرب من الخيال لنظام صنعاء من توحد أبناء الجنوب ورص صفوفهم ضد نظام صنعاء،نوعاً ما أستطاع إن يحدث  شرخ بين القيادات بسبب ضعف الراوبط بين القيادة الحراك الجنوبي.

لكن مع بروز المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران بصفتهم القوة المُهيمنة في شمال اليمن في أوائل العام الفائت،أبتعد الحراك الجنوبي ببطء عن إيران وأستدار نحو دول الخليج العربي،وفي ذلك الوقت تقريباً رفض الجنوبيون بمن فيهم المتحالفون مع إيران،طلباً إيرانياً بدعم الانتصارات متسارعة الوتيرة للحوثيين،بالتزامن مع ذلك غادر"البيض"،الذي أعُتبر حليف طهران الأقرب،بيروت إلى فيينا-في دلالة على تراجع نفوذ إيران في جنوب اليمن سابقاً.

يبدو دعم إيران المالي لحلفائها في اليمن بَمن فيهم الحوثيون كان محدوداً،لذا لم يكن للمجموعات الجنوبية شيئ يذكر تخسره من طهران خاصة أنها أدركت معنى القومية العربية وعدم خيانتها لاسيما مذهبهم شافعي سني معتدل،فقد أستخدمة دعم إيران مادياً وإعلامياً من أجل قضيتهم لكن ليس على حساب قومية الوطن العربي ودينهم،ويعلمون جيداً أن إيران لها أطماع نفوذ بالهيمنة على الوطن العربي بتحديد على دول الخليج العربي.

في منتصف العام(2014 )أنزعجت السعودية ودول الخليج العربي الأخرى بشكل متزايد من تقدّم الحوثيين في شمال اليمن غير أنها أدركت حينها أن أسترداد الشمال سيكون مشروعاً صعباً ومكلفاً،وعندئذ غيرت السعودية موقفها للحلول دون وقوع الجنوب تحت نفوذ الإيراني،وأستدعت القادة الجنوبيين بسرعة إلى الرياض،هذا التغير في الموقف السعودي-وفقاً لمصادر يمنية وسعودية عدة-جاء أيضاً نتيجة الضغط الذي مارسه رجال أعمال جنوبيين يتحدّرون من محافظة حضرموت الجنوبية الشرقية ويقيموم في السعودية،بني الحضارم أمبراطورية أعمال ونفوذ ضخمة في المملكة العربية السعودية.

وحين أستولى الحوثيين على السلطة في صنعاء في أيلول/سبتمبر(٢٠١٤)واصل السعوديون محاولة الحصول على النفوذ في الجزء الجنوبي من البلاد،يبدو أن أولويات الرياض تغيّر بشكل جذري عندما أطاح الحوثيون والقوات الموالية "لصالح" حكومة الرئيس"هادي" الانتقالية،التي كانت مدعومة من السعوديين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي،لجأ"هادي"إلى عاصمة دولة الجنوب اليمن سابقاً(عدن)،في شباط/فبراير(٢٠١٥)ولكن مع زحف الحوثيين نحو الجنوب فرّ إلى المملكه العربية السعودية.

أدركت المملكة أن القتال تحت راية الجنوب من شأنه أن يدفع أبناء الشمال إلى التوحّد حول صالح والحوثيين،فألغت مشروعها الذي يركّز على الجنوب وبدّلت استراتيجيتها وهكذا أنطلقت الهجمات الجوية الداعمة للرئيس"هادي"في آذار/مارس ثم سرعان ماتلاها تدريب وتجهيز مقاتلين اليمنيين.

مع أن السعودية تسعى إلى التشديد على دعمها الحكومة يمنية موّحدة يقودها"هادي"،إلا أنها تبقى منخرطة مع مجموعات ذات ميول أنفصالية في الجنوب للمصلحة،خاصةً أن  هذه المجموعات لا تزال تشكلّ القوة الأكثر نفوذاً عسكرياً ضد الحوثيين؛لا سيما بعد أنشقاق الجيش التابع"لهادي"،كما جنّدت السعودية والإمارات مقاتلين جنوبيين-كان بعضهم قد أفاد من التدريب الإيراني المحدود-للتصدي للقوات الموالية للمخلوع"صالح"والمتمردين الحوثيين،وقد برهنت هذه المجموعات فعاليتها في أماكن مثل محافظة(الضالع)الجنوبية-حيث أندلعت معارك كبرى في نسيان أبريل-مع تحقيقها أنتصارات مفاجئة بإمكانيات بسيطة،حتى السعوديين ولإمارتيون تفاجئوا من هذه الانتصارات،مما أكد لهم أن المقاومة الجنوبية على مستوى الجنوب بقيادة"عيدروس  الزبيدي" لايمكن أتساهل بها فهي رقم صعب،وعليهم أن يقتربوا منها ليضموها إلى صفوف التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن من أجل أستعادة شرعية الرئيس"هادي"؛ لكن يبدو السعودية لها أولويات مختلفة عن أولويات الجنوبيين،الذين لا يشكّلون حلفاءها الوحيدين على الأرض،الواقع أن تضارباً للمصالح نشأ عندما حقّقت مجموعات تتحالف بشكل رئيسي مع الحراك الجنوبي الانتصار في(الضالع)،بأسم الحكومة الرئيس"هادي" المنفية في السعودية،عندئذ أصرّ"هادي"تعيين قادة جدد موالين خاصة محافظ المحافظة،ما أربك قادة الحراك الجنوبي،وفي نهاية المطاف تدخّلت السعودية وجرى تعيين قادة محليين في ٦حزيران/يونيو بموجب مرسوم رئاسي لتهدئة الحراك الجنوبي.

صحيح أن السعودية تفضّل من دون شكّ أن يعمل حلفاؤها جميعهم بشكل موحّد،إلا أن الحقيقة هي أن الهجمات الضارية ضد المحافظات الجنوبية من قِبل قوات متحالفة مع "الحوثيين وصالح" ،وكلها تقريباً مؤلّفة من شماليين،وسّعت الشرخ النسيج الاجتماعي بين الشمال والجنوب،ففي نظر العديد من الجنوبيين،هذه كانت المرة الثانية،في أقل من خمسة وعشرين عاماً يتعرّض فيها الجنوب إلى أجتياح يشنّه تحالف مجموعات من شمال اليمن.

لكن في نهاية المطاف،لم تَعُدو وحدة اليمن مسألة شمال وجنوب،كما أنها ليست عودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة ماقبل العام(١٩٩٠)فالتطورات منذ العام(٢٠١٣)ولاسيما مع الدعوة المخطّط لها بشكل سّيئ التي أطلقها مؤتمر الحوار الوطني حول تقسيم اليمن إلى سته أقاليم فدرالية،أعادت رسم الخريطة وحثّت القادة المحليين على التفكير في مصالحهم بموجب هذا النظام الفدرالي،هذا الأمر قوّض وحدة الشمال كما الجنوب.

لـفارع المسلمي

 

   قلوبهم مع هادي وسيوفهم على الجنوب.

 لابد أن ندرك أن مجتمع شمال اليمن رغم بعض أبناء الشمال يقاتل في صفوف التحالف العربي الداعم لشرعية الرئيس"هادي"لكن فهو معقد بشكل كبير أيضاً،وذو خصوصية كبيرة ما يجعل التنظير أمراً سهلاً لكن الواقع غير ذلك،فهم لن يخربوا بيوتهم بأيديهم،فهم كل مافي الأمر يقوموا فقط بالضغط على "الحوثي وصالح" للقبول بالتفاوض وفق تسوية،دون أن يخسروا ما تبقى لهم في الشمال،أما عن نظرتهم للجنوب لطالما منابع الثروة ونفط موجودة فيه لايمكن يفلتوه من أيديهم،هذه هي قواعد اللعبة عند جميع قيادات الشمال،حوثية،عفاشية،وأصلاحية،ومشائخ،وعسكريين....

أن الشرعية الممثلة بالجنرال"علي محسن الأحمر"لا تدعم إلا وحدات عسكرية (في الجنوب)تدين بالولاء لإخوان اليمن... بصريح العبارة"علي الأحمر"يريد بناء جيش إخواني على غرار الحرس الجمهوري التابع"لصالح"،والهدف من هذا ليس محاربة القوى الموالية لإيران ولكن لكي يبسط سيطرته بشكل أقوى على منابع النفط بالجنوب.

آخر إحصائية كشفت عنها مصادر حكومية تفيد بأن قوام الجيش مارب الجوف ويزيد على(١٠٠الف) جندي وضابط يقودهم الجنرال الإخواني"محمد علي المقدسي".

هذا الرقم الكبير والترسانة العسكرية الضخمة في مارب والجوف،لم تحقق أي تقدم يذكر ضد قوات صالح وميليشيات الحوثي،حيث لا تزال بلدة صرواح بيد الحوثيين من حين فشلت قوات الشرعية في أحداث أختراق في جبهة نهم والبعراره لأكثر من عام ونص،غير ان التقدم يحصل إعلامياً فقط،حيث الجنرال"علي الأحمر"يبتز السعودية من أجل إعطاء تطمينات بأن اليمن سيظل موحداً وأن تمنع الرياض أستقلال الجنوب.

أبتزاز الأحمر للرياض ربما قد يدفعها إلى التضحية بالحليف الجنوبي لمصلحة الجنرال الأحمر،الذي أهتزت ثقة الرياض به مؤخراً،ويحاول أن يطمئنها بتحقيق أنتصار قريب،مدعي عرقلة تقدم المقاومة الشمالية والجيش،جغرافية الأرض وتضاريسها وأن الانتصارات الجيش الجنوبي والمقاومة الجنوبية التي حققتها لسهولة التقدم في المناطق الساحلية بغطاء جوي.

على هذه الخلافات راهنت  السعودية ودولة الأمارات بين الجيش الوطني المنتسب من أبناء الجنوب والمقاومة الجنوبية والجيش الوطني المنتسب من أبناء الشمال والمقاومة الشمالية في تحرير الساحل الغربي،فالجيش الوطني والمقاومة الشمالية تبدأ مهمة التحرير من حرض إلى محافظة الحديدة والمقاومة الجنوبية والجيش الوطني تبدأ مهمة التحرير من باب المندب إلى الخوخه،وسنرى من يصلها أولاً القوات القادمة من الشمال عن طريق حرض وميدي،أم القوات التي زحفت من الجنوب من باب المندب وذُباب،لكن الحديدة هي المرحلة المقبلة.

 

   من هو المستفيد؟.

هناك مناطق واسعة في جنوب اليمن تدار من قِبل قوى الحراك الجنوبي لكن في المقابل هذا الحراك لايزال كياناً غير متماسك ومستقطب إقليمياً ويعاني من تعدد المشاريع والخلافات بين قيادته.

لكن دولياً لا يرى المحللون إمكانية توافر دعم إقليمي-سوى الموقف الإماراتي-ودولي للفكرة،إلا في إطار دعم الفيدرالية،كمخرج مؤقت للأزمة وليس تكريساً لدعاوى الانفصال،وهنا يأتي السؤال الهام عن الدور الإماراتي الداعم لفكرة الانفصال والمكاسب التي تسعى لها من خلال دعمها لفك الارتباط.

صحيح أن الثروات الطبيعية للجنوب كالنفط والغاز والمعادن والثروة السمكية تؤهلها لتكوين دولة ناجحة في الجنوب لكن في المقابل فإن إدارة تلك الدولة توجهاتها هي العامل الحاسم لدول المنطقة خصوصاً الإمارات التي ترى في اليمن عامه،وعدن على وجه الخصوص،تهديدً وجودياً صريحاً،لها في مجال المدن اللوجستية نظراً للموقع الإستراتيجي للميناء في جانب كبير من التجارة العالمية،وبالتالي يشكل تهديداً كبيراً لميناء دبي الإستراتيجي،وحينما تدعم الإمارات فكرة الانفصال بدعم الحراك الجنوبي السلمي صاحب الحقوق تاريخياً في تقرير مصيره فهي بذلك تضمن السيطرة على (عدن) سياسياً وعسكرياً وأقتصادياً،وهنا يمكنها في أي توقيت منع أية محاولات لإحياء الميناء الإستراتيجي الهام والحيوي للمنطقة ككل،ولليمن على الأخص،والقاتل أستثمارياً وأقتصادياً.

وجهة نظر موازية نرى في الدعم الإمارتي لتحركات الجنوبيين ليس أقتصادياً فقط،ولكن سياسياً أيضاً في إطار سياستها العامة لمحاصرة والقضاء على التيارات الإسلامية لذلك ظهر جلياً خلال مشاركتها في عاصفة عدائها الكبير،لحزب التجمع اليمني الإصلاح باعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الأخوان،حاولت بشتى الطرق إبعاد قيادته عن أي منصب بالمقاومة الجنوبية،التي ترفض فعلاً هيمنة قادة الإصلاح،ناهيك عن رفضها كل الخيارات العسكرية التي تعزز دور الإسلاميين بالسلطة أو على الأرض،وتعوض ذلك بدعمها ضباط من الجيش موالين لشرعية"هادي"،ودعم جماعات سلفية يسهل السيطرة عليها،وتعادي كذلك الإصلاحين المدعومين من الجانب السعودي.

في المقابل يأتي الموقف السعودي من محاولات الهيمنة الإمارتية على(عدن)غير واضح،لكن الكثير من المحللين يفسرون الأمر بحاجة المملكة للدور العسكري الإمارتي في عاصفة الحزم،بعد ما أنهكت المملكة إقتصادياً وعسكرياً،خلال العام الماضي،لكن موقف دبي الداعم لوقف الحملة العسكرية،والتفاوض مع الانقلابين وتابعي المخلوع"صالح"عبر(عمان)ربما قد يدفع باتجاه أزمة قريبة بين الطرفين.

 

  القضية الجنوبية ليست في الحسابات!.

ربما موقع القضية الجنوبية مما يدور في اليمن اليوم،أعتقد وهو المُشاهد بعد تحرير المناطق الجنوبية،أن القضية الجنوبية كانت الأضحية التي تمّ أستغلالها ودفنها،فهي لم تكن حاضرة في أيّ حوار بين أطراف الحرب في اليمن وآخرها الحوار الذي كان في الكويت بين الشرعية وحلفاءها والحوثيين وحلفاءهم ،فمكون الحراك الذي شارك في حوار الكويت لحلّ الصراع في اليمن معروف مستنسخ منقسم على بعضه سابقاً ولا يمثل الحراك الجنوبي بل يمثل الشرعية على الأساس الذي تمّ الإتفاق علية في الحوار الوطني اليمني الذي كان في صنعاء عقب ماسُمّيت بثورة التغير اليمنية،وهو مختلف، فالحراك الجنوبي يسعى نحو أستقلال الجنوب وبناء دولة مستقلّة،وهذا المكّون الذي شارك في الحوار بأسم الحراك الجنوبي يسعى نحو الشراكة الوطنية في ظلّ الدولة اليمنية الواحدة.

دخلت المقاومة الجنوبية إلى جانب التحالف العربي دون ضمانات على الدور الذي تلعبه بعد الحرب،فتم إقصاؤها بعد التحرير،ومن وجه آخر تمّ أستقطاب بعض عناصر الحراك ليتقلّدوا مناصب في سلطة الشرعية دون معرفة مكوّناتها او الإتّفاق معها،حتى تتمّ السيطرة على ردّة فعل المقاومة الجنوبية،إذا فكّرت في التمرّد على الشرعية لاحقاً سواء من أجل القضية الجنوبية او بسبب ضعف خدمات الحكومة الشرعية والسلطة المحلية،التي دائماً تبريرات السلطة لضعف الخدمات ليست دقيقة وغير مهنية ومقنعة،وهذه رسالة ضد من يطالب بكشف حقيقة الفساد وحقيقة المشكلة،وساعد في ذلك ضعف مناقشة المشكلة من قِبل الجمهور المتلقّي،الذي دائماً ما يميل إلى قناعة التامّة في طرح السلطة والمروّجين لأخطائها في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا يعتبر فخ قاتل لإسقاط وإفراغ المضمون السياسي والقانون للقضية الوطنية الجنوبية بإعتبارها قضية دولة تحت إحتلال وبمشاركة الجنوبيين تجرهم لصالح طرف من طرف الصراع في منظومة الإحتلال اليمني المتصارعة على السلطة والثروة،سيفرغ نضال وطموحات وتطلعات وتضحيات شعب الجنوب في الحرية والاستقلال والسيادة عل كامل ترابه الوطني في دولة مستقلة.

 

     ماذا حقق التحالف للجنوبيين؟.

هناك مكاسب شخصية وليست مكاسب وطنية وما يقوم به التحالف والشرعية في المناطق الجنوبية المحررة لا يمت بأي صلة للبناء المؤسساتي للدولة،إنما هو عبارة عن عمل يقود لتأسيس واقع ميليشيات عصاباتي مناطقي يستحيل بعدها إرساء دعائم الدولة وتجعل من الجنوب ساحة لميليشيات متصارعة متناحرة متنافرة تدين بالولاء والطاعة لمن يغذيها ويدعمها،هنا تكون تلك القوى الإقليمية والمحلية قد نجحت في إظهار الجنوب وكأنه ساحة صراع لفرق متناحرة وبيئة حاضنة لعصابات المخدارات،والإجرام، والإرهاب،،،والفاسدين من قيادات عسكرية،ومدينة،وبأن الجنوبيين غير قادرين على إدارة مناطقهم،بينما الحقيقة غير ذلك،وليبقوا على المبرر والذريعة حتى تعاد الكرة من جديد في إحتلال الجنوب بحجة إعادة الأمن والاستقرا للمناطق الجنوبية ومحاربة الإرهاب.

الحرب الأخيرة(٢٠١٥)خلطت الأوراق،وأعتقد إن القضية الجنوبية في لحظة ما بعد الحرب هي الغائب الوحيد في المتغيرات الحاليه،وما دخول الجنوبيين في الحرب مع التحالف إلا تعبيراً عن وفاء الجنوب وإحساسه بضرورة صياغة حماية القضايا الإستراتيجية،ودخولهم في التحالف جعلهم في موقف المسؤلية وإن موقف الحرب لم يترك لهم فرصة لتحديد الموقف الذي أتخذوه من الحرب،لكنهم أتخذو موقف يتماشى مع الموقف القائم.

ومن خلال المشهد وأجندته الذي يتناسى القضية الجنوبية،وما يزيد الخوف إنصهار القضية ودخولها في إطار المساومات واللعبة الدولية التي تبدو معالمها غير مطمئنة وتسير في أتجاه العواصف والفوضى،وفي جانب آخر فإن حالة السباق نحو الزعامة قد تدخل القضية الجنوبية في نفق ليس له أول ولاآخر،فأننا نرى الواقع وبحكم المشهد الذي من خلاله وجدنا قيادات جنوبية من ضمن مكون الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية،تردد شعارات ثورية أثناء المسيرات والمظاهرات ووضعوا عهوداً ومواثيق لكي تنفجر براكين الشباب للعطاء والتضحية في سبيل اللّه والوطن والدفاع عن النفس والعرض،وبهذه الشعارت أرتفعت همم الشباب وخاضوا أروع البطولات وبذلوا كل ماهو غالي على نفوسهم منهم من قضى نحبه ومنهم من جرح وتجرع مرارة الألم ومنهم من صبر على جروحه وأخفى دموعه تحت تجاعيد الزمن،بالرغم من هذا وذاك نشاهد القيادة الجنوبية التي وصلت إلى هرم السلطة و حناجرهم تتلفظ أن ملف أسر الشهداء والجرحى يعتبر أهم الملفات التي توليها السلطة المحلية بالمحافظة او الحكومة الشرعية.

لكن بالحقيقة لم يتم حتى معالجة الجرحى الجنوبيين أسوةً بجرحى أبناء شمال اليمن،فقط تكتفي القيادة الجنوبية بترديد شعارات واهية لا تلتمس لمعاناة شعب الجنوب عامه وخاصة أسر الشهداء والجرحى،فقد أصبحوا يلعبوا بعواطف ومشاعر الجنوب تجاه قضيتهم.

إذاً المتهم الرئيسي في التآمر على القضية الجنوبية بعض القيادة الحراك الجنوبي التي مارست دور القائد ودفعت بالحركة نحو العشوائية والفوضى،ثمّ سارعت نحو التسابق على السلطة دون النظر إلى حجم المشاركة وقوّتها وعلى أيّ أساس.

 

     الخطر الداهم!.

الجانب الإيراني وفقاً للمراقبيين،فهو المستفيد الأكبر من فكرة التشرذم اليمنية سواء الانقلاب على الشرعية،او أنفصال الجنوب مستغلة عمل قيادات الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية إلى جانب الشرعية،في نفس الوقت القضية الجنوبية ليس في حسابات وأولويات التحالف وشرعية الرئيس"هادي"أستناداً إلى المرجعيات التي أساسها تدخّل في الأزمة اليمنية.

ولم تعمل شرعية الرئيس"هادي"على تمكين الثورة وفصائل المقاومة الجنوبية في إدارة شؤون المناطق الجنوبية المحررة بطريقة مباشرة،لاسيما بعض القيادات الجنوبية تتسابق عن المناصب فقط ولا يعني لها شعب الجنوب وقضيته إلا سلّم عبور للوصول إلى كرسي السلطة،هذا فظلاً عن ضعف الروابط بين قيادات الحراك الجنوبي ،ومعاناة شعب الجنوب وأستياءهم من بعض قيادات الجنوبية ومن شرعية الرئيس"هادي"وحكومته بسبب أعراضها عن إصلاح البلاد والعباد،ناهيك عن الفساد الذي أنتشر وصورة مخيفة والإرهاب،وسيطرة على الحكم عن طريق عصابات مافيا متاجرة بمعاناة شعب الجنوب.

وبالتالي هيمنتها على الجنوب ستكون سهلة،مستغلة الأسباب التي تمّ ذكرها سابقاً،وفي حلة نجحت في إشعال حرب أهلية او فوضه عارمة ضد شرعية الرئيس"هادي"،وبالتالي الدعم الدولي لعاصفة الحزم،القائمة أساساً على مطلب الرئيس الشرعي التدخل،وبذلك تتمكن من السيطرة على مضيق باب المندب وعدن،وبالإضافة لمضيق هرمز،ونقل حربها مع دول الخليج لخارج حدودها الإقليمية عبر الميليشيات الحوثية،وعناصر حزب اللّه،وبحسب تقارير ويكيليكس المرسلة من السفارة الأمريكية في (أسمر إلى واشنطن) أن إيران  مستغلة قاعدتها العسكرية التي نجحت في الخفاء في تدشينها بإرتيريا على البحر الأحمر بالتعاون بين فيلق القدس وبحرية الحرس الثوري،تحت غطاء رسمي مسماه الإتفاقيات الزراعية والإستثمارية مع الجانب الإريتري.

في حال نجحت دعم الانفصال ستظهر للعلن في ثوب المنتصر ضد قوات التحالف العربي التي تسببت-وفق وجهة نظر إيران التي ستعمل على تسويقها إعلامياً وقتها-في حربها على الحوثيين في تفتيت البلاد،ويسهل مهمتها وحلفاءها من حزب اللّه والحوثيين في ملء الفراغ بالجنوب،مستغلة عنصرية بعض الجنوبيين من الشباب اليمني الداعم للوحدة بشكل عام.

لقد تعدّت مشكلة الوحدة اليمنية،والخلافات بين شمال اليمن وجنوبه ومع ذلك لابد من معالجة جذور الاستياء الجنوبي في حل عادل يرضيه في مرحلة ما لا تسطيع السعودية أن تؤجّل هذه المسائل إلى ما لا نهاية وهي عملياً الآن القوة النافذة الرئيسة في اليمن؛وأي حرب لا تعالج نتائجها ومفرزاتها بشكّل نهائي ستكون مهيئه لوقوعها من جديد.