يعتبر الثالث من آذار (مارس) 2015، يوما تاريخيا بامتياز، إذ سيتم تصنيفه ضمن قائمة "حدث في مثل هذا اليوم" عند استعراض ابرز المراحل المفصلية في تاريخ الدولة السعودية، حيث شهد قصر الحكم بالعاصمة الرياض في هذا اليوم توقيع اتفاقية شراكة لإنشاء أول مفاعل نووي للأغراض السلمية بالسعودية، ليكون باكورة المفاعلات الـ 16 والتي تخطط السعودية لامتلاكها بحلول عام 2030 . الاتفاق الذي جاء ممهورا بتوقيعي الدكتور هاشم يماني، رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية، ووزير الطاقة الكوري يون سنغ جيك، كان من الأهمية التاريخية بمكان، ما استدعى معه حضور قيادات الدولتين شخصيا ونخبة من الوزراء وكبار رجالات الدولة، وعلى رأسهم العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز ورئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون هيه، للإشراف على سريان الاتفاق وحضور اللحظات التاريخية. اتفاق الشراكة، جاء بعد جهود ماراثونيه قادتها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة، استمرت أكثر من أربع سنوات، حيث كانت البداية في العام 2011 عندما وقعت اتفاقية مشتركة بين البلدين في مجال تطوير وتطبيق الطاقة النووية، ثم التوقيع في العام 2013 على مذكرة تفاهم مع معهد الأبحاث الكوري للطاقة الذرية، للتعاون في المجالات البحثية وما يتطلب للسعودية من بنية تحتية للمفاعلات البحثية، إلى أن جاءت اتفاقية 3 مارس 2015 لتكون تتويجا ونجاحا لهذه الجهود. تفاصيل الاتفاق النووي وفقا لوكالة الأنباء السعودية، فإن الاتفاق النووي يتألف من شقين، الأول يتعلق بتأسيس الشراكة في تقنية إنشاء مفاعل نووي من ذي الوحدات الصغيرة المدمجة والمعروفة علميا باسم " سمارت"، أما الشق الثاني فيتعلق ببناء القدرات البشرية النووية المشتركة والأبحاث الأكاديمية ونقل المعرفة الكاملة لتقنية وتصميم المفاعل النووي للكوادر السعودية عبر التدريب، والتي ستتم على أساس الاستثمار المشترك والملكية الفكرية المشتركة للمفاعلات النووية. وكالة (يونهاب) الكورية الجنوبية، ذكرت تفاصيل أخرى حيث أشارت الى أن الاتفاقية تضمنت دعوة الشركات الكورية للمشاركة في تشييد مفاعلين نوويين من طراز سمارت (SMART) بقيمة ملياري دولار، كما بينت إن السعودية تخطط لبناء ما بين 12 و 18 وحدة إنتاج للطاقة الذرية بحلول عام 2040، ومن المحتمل أن يبدأ العمل بالطلبية الأولى في العام المقبل، وذلك عبر برنامج خاص ببناء الطاقات البشرية، يشمل المشاركة الكاملة في إنشاء مستندات التصميم لهذا المفاعل بهدف النقل المعرفي الكامل للتقنية. لماذا كوريا الجنوبية لماذا كوريا الجنوبية بالتحديد، هذا السؤال الذي طرحته "إيلاف" على الدكتور ماهر العودان، رئيس قطاع الأبحاث في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة، والذي أجاب قائلا " إن كوريا أثبتت كفاءة وجدوى مثل هذه المشاريع للاقتصاد الوطني السعودي، مشيرا الى أن اتفاقية التعاون نصت على إنشاء المفاعل المعروف باسم "سمارت" وهو ما تميزت به كوريا، حيث يتمتع المفاعل الذي صممته سيول بميزة الأمان العالية والتي كانت مصدر جذب لممثلي مدينة الملك عبدالله الذين زاروا بانتظام مدينة دايجون الكورية حيث يقع معهد الطاقة الذرية الكوري. وفي ما يتعلق بالمدة الزمنية المتوقعه لبناء مفاعل "سمارت"، أوضح العودان أنها قد تتراوح ما بين 8 - 10 سنوات، حيث سيسبقها إجراءات متعددة من ضمنها تأسيس بنية تحتية معرفية تتعلق بالبناء في المجالات الهندسية والتصميم والتشييد والتشغيل، وهي مرحلة الهندسة الأولية للمشروع، وعند اكتمالها بإمكان مدينة الملك عبدالله أن تضع طلبا لبناء وحدتين أو أكثر من هذا المفاعل في السعودية من خلال شركة منفذة تتكون من عدة شركات سعودية وكورية لها امتيازات الإنشاء والتصدير المشترك لتقنية هذا المفاعل وبالتالي تعزيز عملية التوطين. مفاعل سمارت النوويوفقا لديباجة التعريف التي أصدرها المعهد الكوري لأبحاث الطاقة الذرية، فان مفاعل الوحدات الصغيرة المتقدم ذي الأنظمة المدمجة SMART، تمكن من الحصول على اعتماد التصميم المعياري من الهيئة التنظيمية النووية الكورية في عام 2012، هو عبارة عن مفاعل صغير الحجم تبلغ سعته عشر المفاعل النووي العادي، ويجرى استخدامه لأغراض متعددة مثل إنتاج الكهرباء و تحلية المياه، ويمكن إنشاؤه في منطقة جافة بسبب إمكانية تبريده بواسطة الهواء بدلا من الماء البارد. ويتمتع المفاعل الذي تم تسجيل براءة اختراعه بمدينة دايجون الكورية، بميزات الأمان العالية، وأهمها ميزة الإغلاق الأوتوماتيكي فور حدوث طارئ أو كارثة في حال انقطاع الكهرباء اللازمة لتبريد المفاعل، كما أن الحجم الصغير للمفاعل الذي يبلغ طوله 18.5 مترًا وعرضه 6.5 امتار يعتبر ميزة أخرى للمفاعل والذي ينتج 330 ميغاوات، بمعنى انه يستطيع توفير الكهرباء و تحلية المياه لحوالى 100 ألف شخص، فيما وضعت كوريا الجنوبية خطة تهدف لتصدير 80 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2030 . الجدوى الاقتصاديةالاتفاق هو خطوة مهمة لتأسيس البنية التحتية للتقنية الذرية في السعودية كمطلب استراتيجي، بهذه العبارة بدأ الخبير الاقتصادي، محمود سلطان حديثه لـ "إيلاف"، مشيرا الى أن أكثر من مليون إنسان يعيشون الحرمان من نعمة الكهرباء والماء، بسبب التكلفة الباهظة لمصادر الطاقة التقليدية، فيما تعتبر مشاريع الطاقة المتجددة ومن ضمنها المفاعلات النووية آفاق طاقة للأجيال المقبلة بتقنيات وأسعار ميسّرة وسهلة الاستخدام، فضلا عن انها أفضل أداءً من مصادر الطاقة التقليدية، لا سيما من حيث التلوث البيئي المحلي، والضرر الصحي وانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وأوضح سلطان، أن إنشاء مفاعل نووي يعتبر عالي التكاليف لكنه بالمقابل يتميز بانخفاض تكاليف التشغيل، مشيرا الى أن المستقبل سيشهد استخداما متزايدا للنفط ومشتقاته في مجال النقل والصناعات البتروكيمائية، فيما ستستمر الكهرباء التي يتضاعف الطلب عليها في السعودية بنسبة 8 % سنويا، تمثل استنزافا للنفط السعودي، وبالتالي فان الاستثمار في "سمارت" يمثل خيارًا عقلانيًا بالنسبة لدولة ذات إمكانيات كبيرة كالسعودية، وذلك لإيجاد مصادر بديلة ومستدامة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه، والذي بدوره سيقلل من استهلاك المخزون النفطي، الأمر الذي سيؤدي إلى إطالة عمره وبالتالي إبقائها مصدراً للدخل لفترة أطول. مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية تجدر الإشارة الى أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، والتي تعتبر مهندسة مشروع الاتفاق النووي السعودي الكوري، هي مدينة علمية تم تأسيسها في العام 2010 بهدف بناء مستقبل مستدام للسعودية من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة المحلية للمساهمة في التنمية المستدامة، وتكوين قطاع اقتصادي فعَّال . ويترأس المدينة الدكتور هاشم بن عبدالله يماني، وهو حاصل على درجتي الدكتوراه والماجستير في الفيزياء من جامعة هارفارد الأميركية، وقاد خلال مسيرته الأكاديمية قسم الفيزياء في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ثم أصبح عميداً للدراسات وأبحاث الخريجين ومساعد مدير معهد الأبحاث، ومديراً لقطاع أبحاث الطاقة المتجددة فيه. كما شغل منصب أستاذ زائر في جامعة بيلفيلد الألمانية والزمالة من جامعة غرب أنتوريو في كندا.