آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:31ص

" صديقي شهيد في كربلاء "

الثلاثاء - 12 نوفمبر 2013 - الساعة 10:32 م

عامر السعيدي
بقلم: عامر السعيدي
- ارشيف الكاتب


خذلتني ورحلت هكذا بدون مقدمات .. لماذا فعلتها يا صديقي؟

 

على مدى عام في ساحة التغيير بما فيه من ذكريات ملونة.. كنت انت وحدك أنا.. كان قلبك مفتوحا أمامي على مصراعيه تماما كما كان قلبي لك..

 

اليوم وقد مضى عامان على رحيلك أشعر بإرهاق الذكريات يضغط على دماغي حتى أكاد ألمس قلبك على قرب دمعتين من عيني..

 

معاذ.. حبيبي.. لا أدري إن كنت الآن تستعرض شريط الذكريات كما أفعل أنا.. إنك الآن بالقرب منا .. أكيد أنت لست بعيدا كما أتوهم أحياناً..

 

أنت الآن أنا.. لكن! هل تذكر القلق الذي يجعلك ترتعش كلما ضعت منك أو خرجت دون علمك في واحدة من مسيرات النجوم في شوارع صنعاء.. صنعاء التي لا تعترف بأوجاعنا ولا بضحكتنا المنثورة في فضاء الخيمة الشاسع بلا حدود كقلبك؟

 

هل تذكر يا حبيبي ذلك المساء الذي تركت فيه موقعك الأمني على منفذ الزراعة حتى تكون معنا في رئاسة الوزراء بعد أن فشلت في إقناعي وابراهيم بعدم الخروج ربما لأنك أحببتنا أكثر مما نتصور وربما لأن السخرية التي تعرضنا لها من أولئك جعلتك أكثر إصرارا منا.

 

لا أدري بالضبط لكني أتذكر جيدا لوعتك بعد أن فقدنا بعضنا في زحمة مسيلات الدموع وزخات الموت الذي كان يتربص بقلوبنا وقد يختطف أحدنا على حين دمعة بعد أن انهارت قدرتنا على التحمل و تفرقنا في الضباب.. ربما تذكر جيداً.. لكن هل لحقت بي لعناتك في آخر اتصال قبل أن يتوقف تلفوني عن النبض وبعد أن قلت لك لا أدري أين إبراهيم؟

 

وحتى بعد منتصف الليل بعد أن وجدنا إبراهيم يصارع التشنج في الباحة الخارجية للمستشفى الميداني المكتظ بالجراح.. حينها كانت ملامح وجهك على وشك أن تقول ماذا لو كان أحدنا شهيدا أو حتى كلنا..

 

لقد أصبح كل شيء عكس أحلامك التي كنت تبتسم لها وأنت ترسمها وطنا على، خارطة روحك الممتلئة بالفجر..

 

آه يا صديقي لقد رحلت وتركتي عرضة لأوجاع المسافة التي كادت أن تخنق الفجر في روحي العارية من الأفراح..

 

الصورة.. الصورة التي وضعتها في يدي ذات قلق وأنت تهمس في وجداني احفظ هذه معك لو حصل بي شيء.. ربما أنني كنت غبيا حينها وأنا أضحك وأربت بيدي على كتفك.. دعك من هذا الكلام ستكون بخير، لم أكن أعلم أن ثمة اشتباك مع البلاطجة على المنفذ حيث أنت من أول الليل.. لقد انتهى ذلك المساء بسلام.. لكنك لم تسألني بعدها عن صورتك التي أحتفظ بها حتى اللحظة لكنها خانتني وأنا أبحث عنك في ألبومات الأحداث فلم أجدك إلا على تلك الورقة كظلٍ يكاد يكون أنت.. أنت الذي لا زلت في قلبي كما كنت بغضبك المجنون ولطفك الهادئ و أحلامك الخضراء..

 

ها هي صورتك نائمة في حقيبتي بهدوء كيتيمة بينما صورة قاتلك تتصدر الصحف والقنوات ويزدحم بها جدار العالم الذي لا يرى دمك على شفتيها وكأنه أحمر الشفاه على مباسم عجوز شمطاء تعتقد أنها ملكة جمال الدنيا كما يعتقد قاتلك أنه سيد المخلوقات..

 

لقد رحلت يا معاذ كما كنت تتوقع تماماً وتريد.. تجرحني ذكرى ليلتنا الأخيرة في الخيمة البيضاء وأنت تقول لي أنك لم ترزق الشهادة في الساحة لكنك ستجدها في القرية قريتنا العتيقة التي سبقتني إليها بأيام قبل عيد الأضحى الذي اتفقنا أن نكون فيه مع أهلنا..

 

ربما يكون العيد عيدا لو بقينا في الساحة خصوصا أن الرصاص يغلق نوافذ قريتنا بالأكياس المملوءة بالتراب والموت يحاصرها بإحكام.. ومضى العيد بخجل فقيرا من السرور واللقاء باستثناء اللحظات التي نسترقها في الظلام أحيانا ونضحك لمرارة الواقع..

 

لقد كان رصاص جيراننا رحيما بنا حتى أنه توقف يوم ان توقف قلبك..

 

كان رجال السيد الوغد على بعد أمتار من بيتكم وكنت أنت أكثر الناس حرصا على دحر المجاهدين الأشرار فكنت أول شهيد يرتفع إلى السماء لتقول للملك هناك أنك لا تريد أن يصل أنصاره إلى محيط بيتك النائم في مقدمة القرية وعلى فوهة المدفع مباشرة..

 

كنت أنا حينها قد وصلت صنعاء بعد أن رفضت أن تسافر معي لنعود إلى الخيمة حتى نستمر في أداء طقوس الكفاح معا..

 

بعد يومين أو ثلاثة صعقني نبأ رحيلك يا ابن العم دون أن تقول لي حتى وداعاً.. بكيت كثرا لكن الدموع تزيد الروح اشتعالا كالملح على الجرح الأخضر..

 

وحتى صديقتك في الجامعة التي كانت تعشقك حد الجنون لم تودعها.. ربما تكون هي أيضا أكثر مني حزنا لكنها سوف تجد غيرك وتنسى بينما أنا يستحيل أن أجد من يسد الفراغ الذي تركته أو أن أنساك..

 

هل تدري يا معاذ أن ذكرى رحيلك اليوم تصادف ذكرى الحسين بن فاطمة الزهراء.

 

يوم أن مات واقفا كما أنت.. ومظلوما كما أنت.. وثائرا كما أنت..

 

نعم يا معاذ الروح.. كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء..

 

عليك السلام يا صديقي حلماً وجرحاً.. عليك السلام قلباً وروحاً..

 

عليك السلام يوم ولدت ويوم قتلت ويوم تبعث حيا .

 

الفاتحة لروحي / معاذ السعيدي