بقلم / اللواء علي حسن زكي
إن ما يجري في وادي حضرموت لا يستهدف فقط تقسيم حضرموت جغرافيًا، وتمزيق النسيج الاجتماعي لأبنائها، أو فصل حضرموت - بصورة عامة - عن جسدها الجنوبي الواحد تحت غطاء "الحكم الذاتي"، والذي لم يُحدد حتى في إطار أي دولة؟! بل هو مؤشر يرمي إلى تجزئة الجنوب، من خلال فصل محافظاته عن بعضها البعض إلى إقليمين: شرقي (حضرموت، شبوة، المهرة، سقطرى)، وغربي (عدن، أبين، لحج، الضالع)، والخروج على مشروع شعب الجنوب الوطني في استعادة دولته الجنوبية الواحدة، وتمزيق نسيجه الاجتماعي والسياسي والمدني، وشق وحدة الصف الوطني الجنوبي أيضًا.
إذ تُعد حضرموت العمق الجيوسياسي والبشري والاقتصادي والثقافي والحضاري للجنوب، تمامًا كما هي عدن الحبيبة عاصمة دولة الجنوب وثغرها الباسم، وشبوة كذلك، فإن عطست إحداهن تداعت لها أخواتها من المحافظات الجنوبية الأخرى، والكل كأعضاء الجسد الواحد يُكملن بعضهن بعضًا.
ناهيك عن أن ما يجري في وادي حضرموت، ومحاولات السيطرة عليه، قد تمتد عدواها إلى شبوة والمهرة، اللتين ليستا ببعيدتين عن دائرة التأثر. ولعل الجدير بالتمعن أن يأتي كل ذلك متزامنًا مع:
استهداف الأمن الغذائي للمواطن الجنوبي.
ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل تهاوي العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها.
ارتفاعات قياسية وغير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية، والخضروات، والأسماك، والأدوية، والملابس، والوقود، وغاز الطبخ، أثقلت كاهل المواطن، حتى بات غير قادر على توفير متطلبات أسرته اليومية.
الاستهداف العسكري الحوثي لخطوط الملاحة والشحن البحري الدولي في المياه الإقليمية الجنوبية، ما أتاح غطاءً ومبررًا للتواجد العسكري الخارجي فيها، ورفع رسوم التأمين على السفن والبواخر التي تموّن السوق المحلية عبر ميناء عدن، ما أدى إلى حرمان الميناء والجمارك والدولة من عائدات أهم مورد سيادي اقتصادي ونقدي بالعملات الصعبة والمحلية أيضًا.
تفاقم معاناة المواطن وانهيار الخدمات الاجتماعية والمعيشية.
ما يتردد عن اكتشاف شبكات تخريبية تستهدف المنشآت والمرافق الاقتصادية الحيوية، ومخابئ أسلحة هنا وهناك، ما أثار مخاوف المواطن على أمنه واستقراره.
تزايد التخادم بين قوى الإرهاب والظلام، خاصة في مناطق شرق أبين، مع استمرار محاولات تمددها وانتشارها غربًا نحو عدن ولحج، وشرقًا نحو شبوة وحضرموت كما تتوهم تلك القوى.
كل ما سبق يؤكد – بما لا يدع مجالًا للشك – صعوبة المرحلة وخطورة المؤامرة، وما يعانيه شعب الجنوب من متاعب في حياته ومعيشته وخدماته، بينما النخب السياسية "ترطن" بالكلام، ولا أحد يمد يده لإنقاذ هذا الشعب أو إخراجه من جحيم معاناته.
إنّ ما نحتاجه اليوم هو اصطفاف جنوبي واسع، وتشكيل جبهة وطنية جنوبية موحّدة، تحت قيادة المجلس الانتقالي، من مختلف أطياف ومكونات الجنوب، باعتبارها حجر الأساس لمواجهة هذه المخاطر والمؤامرات، والانطلاق الجاد نحو تحقيق هدف شعب الجنوب باستعادة دولته الجنوبية الحرة والمستقلة، بحدودها المعترف بها دوليًا ما قبل 21 مايو 1990م، وتحقيق تطلعاته وآماله في الحياة الحرة، والعمل، والتعليم، والكرامة، والمستقبل المنشود.
إنّ شعب الجنوب اليوم يعيش لحظة فارقة:
يكون فيها... أو لا يكون.