ما يجري اليوم في وادي حضرموت ليس مفاجئًا بقدر ما هو نتيجة حتمية لمسار سياسي مأزوم، تتقاطع فيه حالة الانسداد الوطني مع خيبات الناس المتكررة من سلطات غائبة، ومؤسسات منهكة، ووعود لم تتجاوز حدود البيانات.
لقد أخفقت الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، معًا، في تقديم نموذج جاد وفعّال لإدارة ما يُعرف بالمناطق "المحررة". لم يتحقق أي تقدّم في استعادة الشمال من قبضة الحوثيين، ولم تُفرض هيبة الدولة في الجنوب، ولم يشعر المواطن بتحسّن في مستوى معيشته. والأسوأ من ذلك أن ممارسات السلطة ذاتها—أينما وُجدت—باتت عبئًا على الناس، بدل أن تكون ملاذًا لهم.
حين تُدار شؤون البلاد من الخارج، في فنادق العواصم البعيدة، تتآكل الثقة، وتتّسع الهوة بين المواطن والدولة. في هذا المناخ المتأزم، يصبح من الطبيعي أن تظهر نزعات انفصالية محلية، لا تسعى بالضرورة إلى تفكيك الدولة، بل إلى النجاة من عجزها. وهنا تحديدًا، يصبح مطلب الحكم الذاتي في حضرموت ترجمة واقعية لشعور عميق بأن لا جدوى من انتظار المركز.
إن ما يحدث في وادي حضرموت ليس سوى بداية. فما دام المركز غائبًا، وما دامت الدولة غير قادرة على ضبط الأمن، أو تأمين الخدمات، أو احترام إرادة الناس، فإن مناطق أخرى ستتجه نحو خيارات مشابهة. واليوم، يتحدث البعض عن حكم ذاتي، وغدًا قد نسمع دعوات صريحة لعودة الدولة القعيطية في ساحل حضرموت، أو السلطنة الكثيرية في الوادي، وربما تحذو المهرة وسقطرى وعدن حذوها، تحت مسميات تاريخية تُستدعى لا حبًّا بالماضي، بل يأسًا من الحاضر.
هذا السيناريو لا يعني بالضرورة نهاية الجنوب، لكنه يهدد بتحويل قضيته من مشروع تحرر وطني إلى فسيفساء من الكيانات المتناثرة، كلٌّ منها يبحث عن خلاصه الخاص. وإذا لم تتدارك القيادات السياسية الوضع، وتتعامل مع هذه المؤشرات بما تستحقه من جدية، فإن مشروع "الجنوب الواحد" قد يتحوّل إلى ذكرى، ويدخل التشظي مرحلة يصعب فيها التراجع.
الجنوب، اليوم، لا يواجه فقط تحدّي استعادة دولة، بل خطر فقدان ما تبقّى من الروابط الجامعة. والتاريخ لا يرحم أولئك الذين يتجاهلون تحذيراته.
أحمد السخياني