مامن عمل شرعه الله وكلف العباد القيام به إلا وكانت منافعه تزيد على مضاره ومصالحه تربو على مفاسده ومن ذلك افتراض صيام رمضان على ما فيه من المشقة والصبر على الظمأ والعطش ومفارقة الشهوات في نهاره إلا أن الله قد جعله بابا واسعا للوصول إلى مصالح شرعية كبيرة وأخرى دنيوية فمن هذه المصالح أنه طريق إلى التقوى ليس في القيام بفريضة الصيام فقط وإنما التقوى في عموم الطاعات التي تقترن به وجميع المنهيات، ولذلك جاء تأكيد النهي على محرمات شرعية هي محرمة في غيره كقول الزور والعمل به ، وهو ارتقاء في منازل التقوى التي هي منازل الشرف عند الله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق لأنه أتقاهم لله كما قال عن نفسه ( أما إني أتقاكم لله وأخشاكم له )
وقد اجتمع في رمضان من فضائل الطاعات والخيرات مالم تجتمع في سواه ففيه نزل القرآن وفيه ليلة القدر وفيه تُفتَح أبواب الجنة وتُغلَق أبواب النيران وتُصَفَّد الشيطان... منافع مشاهدة واخرى غيبية .
وهو شهر التيسير الذي يلمسه الناس فيه ابتداءً بالتيسير الذي ذكره الله تعالى في قوله ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وانتهاءً بالإعانة على الصيام وتسهيل الطاعات وتيسير المعاش واجتماع أنواع الطعام والشراب حيث تعم هذه البركات معظم المسلمين بما لا يتيسر الحصول عليه في غير رمضان .
ومن تلك المصالح السعادة والسرور التي تدخل نفس العبد بإنجاز صيام يومه أو إكمال شهره وشكر مولاه على الإعانة ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) .
ومن سرور النفس إدخال الفرحة عليها فهذه فضيلة لرمضان أنه شهر يغرس الفرحة في القلب وتبتهج النفس بقدومه وبعيش ايامه ولياليه و تجتمع فيه فرحة الدنيا وفرحة الآخرة عند لقاء العبد ربه فعندما نرى الأوضاع تتجهم والحال قد ساءت فإن رمضان يهدينا فرحة نتذوقها في زمن تضاعفت فيه أعباء الحياة وكثرت الهموم والاحزان .
وهو شهر يقربنا من الله عند البعد ويصلنا به عند الإنقطاع ليفيض علينا من رحمته ومغفرته ويجيب دعاءنا ويثبت أقدامنا ( وإذا سأَلَكَ عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون )
- وفيه من المصالح ما يجده العبد من اتساع الطاقة ومضاعفة القدرة فبرغم ما يلقاه الصائم من تعب الصيام إلا أنه يصلي صلاة تزيد عن الفريضة والنافلة في غيره وهي صلاة القيام ويقرأ مزيدا من القرآن ويُقبِل على طاعات كثيرة رغبة في أجرها المضاعف واغتناماً لفرصة الشهر الفضيل
- فيه سياحة الروح والفكر في ذكر الله وقراءة القرآن وإعادة قراءة أحداث سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أو شيء من تاريخ المسلمين وما فيه من العبر والعظات
- وفيه فرصة قلما تتوفر في سواه من الأيام لمحاسبة النفس وإعادة جدولة الحياة والنظر فيما مضى من العمر والإستعداد لما بقي حيث تقل الشواغل ويصفو الجو وتُهَذَب النفس وتكون أقرب إلى الخير والزكاة
وقد دل على رحابة فضل الصيام أن الله تعالى رجح مصلحته على الفطر مطلقا وأجمل قبل التفصيل في قوله تعالى ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) فجاءت الآيات والأحاديث تُفَصِّل هذا الخير لتُقبِل النفس على أفراده كلُّ حسب قدرته وما تيسر له من الطاعات
اللهم آتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها
أنت وليها ومولاها
محمد ناصر العاقل
29/ شعبان 1444هـ