مع انهيار الأنظمة القمعية وسقوط رموز الاستبداد، تتصدر مشاهد الحرية الحراك الشعبي، كاشفةً عن فظائع عاشت الشعوب تحت وطأتها لعقود. في خضم هذا السقوط، برز تحرير السجون كأحد أبرز اللحظات التي تفضح ما كانت تُخفيه تلك الأنظمة من جرائم ضد الإنسانية. يُعدّ سجن صيدنايا في سوريا واحدًا من أبرز رموز القمع التي جسدت وحشية نظام بشار الأسد. هذا السجن، الذي أصبح مرادفًا للرعب في المخيلة الشعبية السورية، شهد على عقود من التعذيب والإخفاء القسري، حيث سُجنت آلاف الأرواح بتهمٍ واهية، فقط لأنها تجرأت على الحلم بالحرية. مع تحرير بعض السجون خلال الثورة السورية، كُشفت أدلة دامغة على الممارسات اللاإنسانية التي تحملها المعتقلون لسنوات. شهادات الناجين أظهرت مستوى غير مسبوق من القهر، ليصبح صيدنايا رمزًا ليس فقط لاستبداد الأسد، بل لوحشية كل نظامٍ يقمع حرية شعبه. إذا كان سجن صيدنايا رمزًا للظلم في سوريا، فإن اليمن يمتلك سجله الخاص من المآسي التي جسدتها السجون. فمنذ عهد الإمامة، كانت السجون أداةً لتكميم الأفواه وإخماد كل صوت معارض. مع انطلاق العهد الجمهوري، ورغم الآمال العريضة بتغيير المنظومة السياسية، استمرت الانتهاكات. في بعض الحالات، تضاعفت الممارسات الوحشية، حيث لم يختلف القمع في شكله، بل زادت آثاره عمقًا مع تعاقب الأنظمة. واليوم، مع سيطرة ميليشيا الحوثي على أجزاء واسعة من اليمن، وصلت الممارسات القمعية إلى مستويات غير مسبوقة. الآلاف من اليمنيين، رجالًا ونساءً، يقبعون في زنازين الحوثيين، حيث يعانون من أبشع أشكال التعذيب النفسي والجنسي والجسدي. تُروى شهادات مروّعة عن الانتهاكات داخل هذه السجون، التي أصبحت شاهدةً على غياب أدنى معايير الإنسانية. ما يجمع بين تجربة السجون في سوريا واليمن وغيرها من الدول العربية، هو أنها لم تكن يومًا مجرد أماكن احتجاز، بل أدوات لقمع الشعوب، وتذكيرها بسطوة الأنظمة. لكن هذه السجون نفسها، التي مثلت لسنوات رمزًا للهيمنة، أصبحت اليوم شاهدًا على ضعف الطغاة وسقوطهم. تحرير السجون خلال الثورات العربية لم يكن فقط تحريرًا للمعتقلين، بل كشفًا عما كان يُدار خلف جدرانها من فظائع. والأهم، أنه أرسل رسالة قوية بأن القمع مهما طال، فإن صرخات الحرية قادرة على هدم عروش الطغاة. من صيدنايا إلى سجون الحوثيين في اليمن، هناك قاسم مشترك: إرادة الشعوب لا تُكسر بالسجون. الطغاة يستخدمون الزنازين لتخويف الشعوب، لكن الشعوب تثبت دائمًا أن صرخات المعتقلين قادرة على هدم أسوار القمع. ما حدث في سوريا واليمن يعكس هذه الحقيقة. كل معتقل خرج من زنزانته، سواء في سوريا أو اليمن، يُعيد صياغة فكرة أن الحرية لا تموت، حتى لو تأخرت. الأنظمة القمعية تتهاوى دائمًا لأن أدواتها، مهما بدت قوية، لا تستطيع الوقوف أمام إرادة الحياة والحرية. من صيدنايا إلى سجون اليمن، تظل أصوات المعتقلين وصبرهم شاهدًا على كفاح الشعوب ضد الظلم. تلك السجون، التي كانت شاهدًا على أقسى لحظات الظلم، أصبحت اليوم رمزًا للأمل. فالأحرار الذين تحرروا من أغلالها، يثبتون أن إرادة الشعوب أقوى من أي سجن، وأن صوت الحرية لا يمكن إسكاته، مهما حاول الطغاة. ما بين سوريا واليمن، هناك قصص مشتركة عن الظلم، ولكن هناك أيضًا قصص عن أمل لا يموت. صرخات الحرية التي انطلقت من زنازين صيدنايا وسجون الحوثيين لن تُمحى، لأنها تُذكرنا أن الشعوب التي تنشد الحرية قادرة على تحقيقها مهما طال الظلم. السجون، التي كانت شاهدًا على القمع، أصبحت دليلًا دامغًا على قوة الأحرار، ورسالة أن الطغاة مهما بنوا من أسوار، فإن إرادة الحرية كفيلة بهدمها.