آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-07:47م

ويسألونك عن سقوط دمشق !!

الثلاثاء - 17 ديسمبر 2024 - الساعة 02:39 م
د. سعيد سالم الحرباجي

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


سؤال يردده الكثيرون هذه الأيام ..

سؤال يُطْرَحُ للأستغراب ، والتعجب ، والإندهاش .


أيعقل أن يسقط نظام قمعي ، دموي ، فاش، متجبَّر في غضون ( عشرة أيام ) ؟

أيعقل أن يٌكنس من كل أرض سوريا بهذه الطريقة المهينة ، ويصبح أثراً بعد عين ؟


كل تلك التساؤلات ، وكل تلك التشاؤمات ، وكل ذلك الإستغراب ...مرده إلى حساباتنا المادية البحتة ، وغفلتنا على أنَّ في الكون حسابات أخرى .


تلك الحسابات يقدرها ربنا سبحانه وتعالى..

يقدرها وفقاً لمشيئته ، يقدرها وفقاً لنواميسه ، يقدرها وفقاً لإرادته سبحانه في الإنتقام من الظالم .

قال سبحانه وتعالى:

(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) .

فهو يمهل للظالم ، وَتُعطى له الفرصة تلو الفرصة ، وَيُمنح الوقت الكافي للإقلاع عن غيِّه ، وظلمه...

فإذا ما واصل طريقه ، وأصر على السير في الطريق الخطأ ..

هنا تتدخل المشيئة الإلهية للبطش به ، والخلاص منه .


والله وحده هو من يقدر ساعة الخلاص.

قال تعالى :( وكل شيء عنده بمقدار )

قال سبحانه :

( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) .


والمتتبع لحركة التاريخ البشري ...سيرى بوضوح كيف عملت هذه السنة الإلهية عملها ، وكيف فعلت فعلها ، وكيف أدت دورها ، في ظل غفلة تامة من الطغاة .

فإذا ما حان الخلاص من الطاغية هيَّأ الله أسباباً لم تكن ضمن الحسابات المادية التي يتوقعها البشر .


فهذا رائد الطغاة ، وزعيم الظلمة ( فرعون )

بلغ به الظلم ، والطغيان أن يقول :

( أنا ربكم الأعلى ) ( ما علمت لكم من إله غيري ) .

ومارس أصنافاً من التعذيب لا توصف .


فكان الأغبياء ينظرون إليه كقدر حتمي يستحيل إزالته ، كانوا ينظرون إليه ككابوس مرعب جاثم على صدورهم من الصعب رفعه .


هذا كان حالهم مع فرعون ...ولكنهم نسوا أنَّ ذلك التافه لا يملك من أمره شيئا ، وأنه مخلوق ضعيف ، حقير , هين .

وهذا ما تؤكده خاتمته الوخيمة !!

حيث كانت نهايته ( بعود يابس صغير) !!

ضرب به موس ذلك البحر الهائج ليبتلعه هو وجنوده في غمضة عين ، وتنتهي معه حقبة تاريخية معمٌدة بالمآسي ، والآلام .

 قال تعالى : فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ

وما هي إلا لحظات حتى انتهى ذلك الطاغية ، وجيوشه أجمعين .

قال تعالى :( فأغرقناه ومن معه جميعا ).


هكذا في لحيظات انتهى أعتى نظام ، وأجرم نظام ، وأفظع نظام ...

لو حدثت يومها - أحداً - من فاقدي الأمل في زواله أنه ( سيزول ) فلربما اتهمك بالجنون !!

ومع ذلك عندما أذن( الله وحده ) بزواله زال .


وما حدث اليوم في سوريا - وبدون أدنى شك- هناك يدِِ خفية ساقت الأقدار حتى تجمعت وأنهت حكم طاغية دام أكثر من نصف قرن في (عشرة أيام ) .


منافقو اليوم ، ومتشاؤمو الفكر ....لو حدثتهم قبل أقل من شهر أنَّ حكم آل الأسد سيزول ..

لألقموك حجراً !!

ومع ذلك زال في مدة لا يمكن أن تتخيل .


ورُغم أنَّنا نعيش لحظات زوال أسرة ظالمة ، ونرى رأي العين ، النهاية المخزية ، المهينة لطاغية سوريا ...


هناك من يذهب بعيداً بعيداً ....ويصف الأمور بغير وصفها ، ويحلل الأحداث بعين التآمر ، ويلبس النهاية بغير لبسها....


والذي لا نشك فيه البتة ولا نرتاب فيه لحظةواحدة....

أنَّ تلك هي النهاية الطبيعية

لنظام بنى مجده على آلام الناس ، وأوجاع المواطنين ، ومعاناة المجتمع ..

فلما حانت ساعة الخلاص هيأ الله الأسباب التي كانت أداة النهاية .


وكما كانت النهاية المخزية لآل الأسد بهذه الطريقة لما اقترفوه بحق الشعب السوري..

ستزول قوى الشر ، والطغيان ، والظلم ...مهما تراءى لهم أنهم في منعة ، وفي حصن حصين.


ذلك أن تلك القوى تستعصم بقوتها وبجبروتها المادي ..

وتنسى أنَّ هناك ربأ في الكون يطٌلع على ما يجرمون ، وأنه هو وحده من سيحدد ساعة الخلاص.


ولكن في المقابل علينا أنْ نعلم أنَّ الله لا يوهب النصر للكسالى ، والنائمين ، والمتشائمين ...

بل يُوهب لمن يستحقه ، يُعطى لمن يقدم أسبابه .

وهذا ما فعله ثوار سوريا ...جهزوا أنفسهم ، وأعدوا العدة ، وأخذوا بالأسباب وقدموا تضحيات ، فنالوا النصر ، والتمكين .

قال تعالى:( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) .


( كل ظاااالم وله نهاية ).