سؤال يردده الكثيرون هذه الأيام ..
سؤال يُطْرَحُ للأستغراب ، والتعجب ، والإندهاش .
أيعقل أن يسقط نظام قمعي ، دموي ، فاش، متجبَّر في غضون ( عشرة أيام ) ؟
أيعقل أن يٌكنس من كل أرض سوريا بهذه الطريقة المهينة ، ويصبح أثراً بعد عين ؟
كل تلك التساؤلات ، وكل تلك التشاؤمات ، وكل ذلك الإستغراب ...مرده إلى حساباتنا المادية البحتة ، وغفلتنا على أنَّ في الكون حسابات أخرى .
تلك الحسابات يقدرها ربنا سبحانه وتعالى..
يقدرها وفقاً لمشيئته ، يقدرها وفقاً لنواميسه ، يقدرها وفقاً لإرادته سبحانه في الإنتقام من الظالم .
قال سبحانه وتعالى:
(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) .
فهو يمهل للظالم ، وَتُعطى له الفرصة تلو الفرصة ، وَيُمنح الوقت الكافي للإقلاع عن غيِّه ، وظلمه...
فإذا ما واصل طريقه ، وأصر على السير في الطريق الخطأ ..
هنا تتدخل المشيئة الإلهية للبطش به ، والخلاص منه .
والله وحده هو من يقدر ساعة الخلاص.
قال تعالى :( وكل شيء عنده بمقدار )
قال سبحانه :
( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) .
والمتتبع لحركة التاريخ البشري ...سيرى بوضوح كيف عملت هذه السنة الإلهية عملها ، وكيف فعلت فعلها ، وكيف أدت دورها ، في ظل غفلة تامة من الطغاة .
فإذا ما حان الخلاص من الطاغية هيَّأ الله أسباباً لم تكن ضمن الحسابات المادية التي يتوقعها البشر .
فهذا رائد الطغاة ، وزعيم الظلمة ( فرعون )
بلغ به الظلم ، والطغيان أن يقول :
( أنا ربكم الأعلى ) ( ما علمت لكم من إله غيري ) .
ومارس أصنافاً من التعذيب لا توصف .
فكان الأغبياء ينظرون إليه كقدر حتمي يستحيل إزالته ، كانوا ينظرون إليه ككابوس مرعب جاثم على صدورهم من الصعب رفعه .
هذا كان حالهم مع فرعون ...ولكنهم نسوا أنَّ ذلك التافه لا يملك من أمره شيئا ، وأنه مخلوق ضعيف ، حقير , هين .
وهذا ما تؤكده خاتمته الوخيمة !!
حيث كانت نهايته ( بعود يابس صغير) !!
ضرب به موس ذلك البحر الهائج ليبتلعه هو وجنوده في غمضة عين ، وتنتهي معه حقبة تاريخية معمٌدة بالمآسي ، والآلام .
قال تعالى : فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ
وما هي إلا لحظات حتى انتهى ذلك الطاغية ، وجيوشه أجمعين .
قال تعالى :( فأغرقناه ومن معه جميعا ).
هكذا في لحيظات انتهى أعتى نظام ، وأجرم نظام ، وأفظع نظام ...
لو حدثت يومها - أحداً - من فاقدي الأمل في زواله أنه ( سيزول ) فلربما اتهمك بالجنون !!
ومع ذلك عندما أذن( الله وحده ) بزواله زال .
وما حدث اليوم في سوريا - وبدون أدنى شك- هناك يدِِ خفية ساقت الأقدار حتى تجمعت وأنهت حكم طاغية دام أكثر من نصف قرن في (عشرة أيام ) .
منافقو اليوم ، ومتشاؤمو الفكر ....لو حدثتهم قبل أقل من شهر أنَّ حكم آل الأسد سيزول ..
لألقموك حجراً !!
ومع ذلك زال في مدة لا يمكن أن تتخيل .
ورُغم أنَّنا نعيش لحظات زوال أسرة ظالمة ، ونرى رأي العين ، النهاية المخزية ، المهينة لطاغية سوريا ...
هناك من يذهب بعيداً بعيداً ....ويصف الأمور بغير وصفها ، ويحلل الأحداث بعين التآمر ، ويلبس النهاية بغير لبسها....
والذي لا نشك فيه البتة ولا نرتاب فيه لحظةواحدة....
أنَّ تلك هي النهاية الطبيعية
لنظام بنى مجده على آلام الناس ، وأوجاع المواطنين ، ومعاناة المجتمع ..
فلما حانت ساعة الخلاص هيأ الله الأسباب التي كانت أداة النهاية .
وكما كانت النهاية المخزية لآل الأسد بهذه الطريقة لما اقترفوه بحق الشعب السوري..
ستزول قوى الشر ، والطغيان ، والظلم ...مهما تراءى لهم أنهم في منعة ، وفي حصن حصين.
ذلك أن تلك القوى تستعصم بقوتها وبجبروتها المادي ..
وتنسى أنَّ هناك ربأ في الكون يطٌلع على ما يجرمون ، وأنه هو وحده من سيحدد ساعة الخلاص.
ولكن في المقابل علينا أنْ نعلم أنَّ الله لا يوهب النصر للكسالى ، والنائمين ، والمتشائمين ...
بل يُوهب لمن يستحقه ، يُعطى لمن يقدم أسبابه .
وهذا ما فعله ثوار سوريا ...جهزوا أنفسهم ، وأعدوا العدة ، وأخذوا بالأسباب وقدموا تضحيات ، فنالوا النصر ، والتمكين .
قال تعالى:( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) .
( كل ظاااالم وله نهاية ).