آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-07:26م

كلام بلغة الإشارة.

الأحد - 15 ديسمبر 2024 - الساعة 08:56 م
منصور الصبيحي

بقلم: منصور الصبيحي
- ارشيف الكاتب


ما أدهشني واعتقد أدهش الكثير من الناس، أن يتمّ طي ملف بحجم ملف ال الأسد وبكل سهولة وفي ظرف قياسي قصير لا يتجاوز عشرة أيام، تُحسب من يوم بدء المواجهات في ريف حلب إلى إتمام السيطرة على العاصمة دمشق، في تشابه درامي كبير مع الطريقة التي أسقط بها الحوثيون صنعاء، وفِرار من بعدها الرئيس التوافقي (هادي ) منها وإلى عدن ثمّ لخارج البلاد، مع الفارق البسيط والزمني بين رأس النظام اليمني المخلوع صالح آنذاك فضّل البقاء في صنعاء، وشاء القدر أن يموت مقتولًا بيد من تحالف معهم وخان بمعيّتهم مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وبالتالي حسّن جزءًا من صورته المشوّهة، ليُتيح الفرصة من بعده لعائلته وذرّيته العودة لممارسة السياسة، دخولًا من نفس البوابة التي أخرجهم منها، والآخر جِزٓع وخاف ململمًا حاجياته في عجالة، وموجّها طائرته صوب روسيا العظمى، ليقطع بذلك دابر العوده للمشهد السياسي السوري على عائلته بشكل نهائي.


كما يقال: السياسة لا تعرف للمبادئ ثبات وهي تتغيّر تباعًا بتغيّر المصالح والأحوال... فكما أسلفنا الذكر أن بين الجبهتين أو التنظيمين تحرير الشام والحوثيين، قاسم مشترك من حيث الطريقة المتقاربة لإسقاط دمشق وصنعاء، أيضًا من حيث المعاملة والتصنيف الدولي هي كذلك، فالأولى يُنظر لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كجبهة إرهابية، وعشرة مليون دولار مرصودة مقابل لمن يُدلي بمعلومات عن رأسها أحمد الشرع المكنّى بمحمد الجولاني، ليصبح أخيرًا التعامل معها شبه مسموحًا به، بحجة الحرص على فتح قنوات اتصال بينها وبين المجتمع الدولي، وبغرض الضغط عليها لتحسين أداءها والألتزام بخارطة طريق واضحة المعالم تجاه النظام القادم، بما يخرج سوريا من عزلتها، ويُتيح شطبها هي من قائمة الإرهاب، والثانية مشمولة بالعقوبات بإشتمال زعيمها عبد الملك بالقرار ٢٢١٦ الصادر من مجلس الأمن، وتمّ تصنيفها في ٢٠١٧م بقرار رئاسي من قبل ترامب كجماعة إرهابية، ليلغى القرار بصعود بايدن مباشرة؛ وقد غدى أمرها شورى بين عاصفة الحزم وحارس الإزدهار، والأخير رغم الفشل في شل قدراتها الصاروخية واللوجستية بالشكل الذي يردعها ويردّها عن تهديد الملاحة الدولية، إلا أنّه مازال يناور معها، وكأنّه يتجنّب الإضرار بها بالقدر الذي يفقدها زمام المبادرة عسكريًا، لما من شأنه قد ربّما إثارة حفيظة المملكة العربية السعودية، وذلك بالعودة باليمن لمربع ما قبل ٢٠١٥م وفتح المجال أمام المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني لتصدّر المشهد السياسي من جديد، وتلك هي عقدة الصراع والحل الرئيسية، التي يترنّح عنّدها الأمريكان بقوة، محاولين تطويعها براجماتيًّا لخدمة إسرائيل.


فكما هو معلوم أن اشتراط التطبيع من قبلها أي السعودية والأخيرة معقودًا بناصية قيام دولة فلسطينية على حدود عام ١٩٦٧م كمبدأ تحمله على عاتقها ولا يمكنها التراجع والتخلّي عنه، وبحكم ما تمثّله هي من مركز ثقل دولي، معتبرة نفسها كقائدة تجلّت حكمتها عبر مراحل طوال في خدمة الأمن القومي للعرب والمسلمين، ففي ظل ما يقدم عليه نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة والفاشيّة من صلف وغي، وما يرتكبه جيشه من بشاعات ومجازر وحشيّة بحق سكان غزة وبشكل يومي ومتكرر يندى له جبين الإنسانية، ليس إلّا بغرض الحرص على تصفية القضية الفلسطينة في عهده، كي يتحوّل إلى رمز تاريخي وصانع مجد إسرائيل العظمى، كان لابد عليها من تحمّل مسؤولياتها إزاء كل ما يحدث، وبالعمل الجاد على إيجاد عمق دفاعي صلب يمتد من الأقيلم إلى العالم، يمنعه ويحول بينه وبين تنفيذ خططه الشريرة، وهذا بالفعل ما غدت تلعبه اليوم الرياض من دور مشّرف وإيجابي في هذا الجانب، منوطًا بملكها وبولي عهدها محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وقيام الأخير بالعديد من التحرّكات تشمل مختلف المستويات والأصعدة الإقليمية والدولية... يدعي للاجتماعات وينسّق اللقاءات، يوجه النداءات... وما شهدته في الآونه الأخيرة من لقاء جمع قادة وزعماء الدول الإسلامية بهذا الخصوص، وما تلاه من الاجتماع المنعقد في قصر اليمامة وضمّه والرئيس الفرنسي ماكرون، ليتمخّض عن دعوة للحشد لمؤتمر دولي مؤيّد لقيام دولة فلسطينية لخير دليل.



وإزاء مواقف كهذه مشرّفة مؤداها تعرية إسرائيل وعرقلة جهودها من تنفيذ مشاريعها التوسعية وربما عزلها في نهاية المطاف عالميًا، من البديهي إن ردات الفعل من قبلها والراعي الأمريكي ستكون مساوٍ بالمقدار ومضاد بالاتجاه، هذا بالطبع على حسب قانون نيوتن الفيزيائي الثاني، يعني التهديد يقابل بالتهديد، والوعيد يقابل بالوعيد والتمكين يقابل بالتمكين.... وبتمكين فصائل المعارضة السورية ذات الانتماء والنزعة الإخوانبة المدعومة تركيًا من سوريا، كتهديد مبطّن بإحياء مواجات الربيع العربي من جديد.


والأمر ذاته قد ينّسحب على اليمن، لما للحالتين من تشابه، فمن آخر التصريحات المسئولة الصادرة من جماعة الحوثيين تتهم أمريكا بأنها تقف عائقًا أمام تنفيذ الاتفاق بينهم والسعودية، وهذا يتقاطع مضمونه مع الحديث المقتضب للمبعوث الأممي هانس جورند برغ وأدلى به مباشرة من بعد تمكّن المعارضة السورية من الإطاحة بنظام الأسد، وصاغه في عبارات مركبة تركيبًا مزجيًّا مثيرًا للإشمئزاز والتعجّب، وعلى النحو: " بأن الشعب المحاصر والمتحاربين لا يمكنهم انتظار خارطة الطريق إلى ما لانهاية!. بما يعنيه بشكل أو بآخر إن لم يُسرّع من تنفيذ مطلب طرف ولاعب رئيسي في الصراع بإتمام المصالحة وإحلال السلام بين جميع الفرقاء، فالأمور مفتوحة على إمكانية تكرار نفس مشهد سوريا...والحليم تكفيه الإشارة.