آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-06:57م

على ماذا ينوح هؤلاء ؟

الخميس - 12 ديسمبر 2024 - الساعة 05:20 م
د. سعيد سالم الحرباجي

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب



بينما كنت معصَّباً ، وأضرب كفاً بكف ، وأتحرك في صالة المنزل جيئة وذهاباً..

نَظَرَتْ إليَّ جدتي - الطاعنة في السن - وهي مسجَّاة على فراشها الذي تلازمه لأكثر من عقد من الزمن .

نَظَرَتْ إليَّ متعجبة فقالت : يا بني ماذا أصابك ؟ وأي بلاء حل بك ؟


قلت لها أما تسمعين هؤلاء الذين ينوحون كالثكالى ، ويولولون كالمجانين ، على سقوط حكم عائلة الأسد ؟

قالت بلى ؟

قلت : أليست تلك التصرفات كفيلة بأنْ تجعل دم الحر يفور ؟ وأعصابه تحترق ؟


قالت : هوَّن على نفسك يا بُنيَّ ....

فتقدمت نحوها ، وجلست بالقرب منها ، وشعرت أنها في هذا الموقف أقوى ، وأعقل، وأحذق مني !!

قلت : خيراً يا جدتي .

قالت : أما سمعت المثل القائل أنَّ المصائب يجمعن المصابين

قلت لها : وكأنني لم أسمعه إلا هذه اللحظة !!

قالت يا بُنيَّ :

هؤلاء لا يبكون أسفاً على الأسد ، ولا ينوحون حزناً على ذهابه إلى مزبلة التاريخ.

قلت : وما الأمر إذاً ؟


قالت : هؤلاء يبكون على أنفسهم ....لأنَّ كلاً منهم يتحسس شعر رأسه ، وينتظر دوره ، ويعد الساعات... ساعة ساعة متوجَّساً من ( مقص الحلاق ) .


وهم اليوم مقتنعون أنَّ مرحلة من مراحل الزمن قد أظلت ، وأنَّ صفحة من صفحاته العفنة تُطوى ، وأنٌ فجراً جديداً قد بزغ نوره من عاصمة الخلافة الإسلامية ( دمشق ) ، وأنَّ شرارة الثورة لن تتوقف هناك .


قلت : عجباً لك جدتي ، يبدو أنَّ مكوثك على فراش المرض لأكثر من عقد من الزمن ، وملازمتك متابعة التلفاز ....قد اكسبك معرفة ، وفطنة ، وحذقاً .

لقد صدقتِ جدتي العزيزة ...

الآن أدركت سر هذه الهستيريا التي أصابت المرتجفين !!!

أنا أوافقك الرأي ، وبدأت استوعب ما تقولين ، والظاهر أنهم محقون في تخوفهم ..

فلقد حان الوقت لدفع الحساب ، وآن الآوان لتسديد فواتير الديون ، وجاءت اللحظة الأخيرة ليقتص المظلوم من ظالميه ، وأزفت ساعات غروب أنظمة البغي ، والجور .


رفعت جدتي صوتها المبحوح فقالت : أفهمت يا بُنيَّ ؟

قلت : بلى ، لقد فهمت حال هؤلاء.


ولكن ما بال حال أولئك ؟

قالت : تقصد من ؟

قلت : أولئك الذين يدَّعون أنهم مثقفو الأمة ، وأنَّهم طبقة تنوير المجتمع ، وأنَّهم رواد الإعلام ، وأٌنَّهم فطاحلة الصحافة .


قالت : تقصد أولئك الذين يتلقفون الفتات المتساقط من موائد اللئام كي يزيَّفون وعي الشعوب ، ويطبلون للطفاة ، ويزينون سوء أفعالهم ؟

قلت : أولئك أقصد .

قالت : أولئك قوم باعوا ضمائرهم ،وأماتوا قلوبهم ، ورهنوا قيمهم ومبادئهم ، وتحوَّلوا إلى أبواق يسبحون بحمد الطغاة والظلمة ، وينعقون بمجزاتهم الوهمية ، ويعملون على إثارة الفتن ، وبث سموم الفرقة ، ونشر الشائعات ، ويجتهدون في النيل من شرفاء الأمة ، والانتقاص من قدر الأحرار ، والتهوين من قيمة الثورة .

يا بُنيٌَ ..

أولئك هم شرار الخلق ، وأراذل القوم ، وسفلة البشر ، وحثالات المجتمع .

هم قوم يقتاتون على الكذب ، ويعتاشون من الفتات المتساقط من موائد اللئام .

إنهم أسوأ من الظالم نفسه ، لأنهم زبانيته التي تعينه على ظلمه ، وسوطه الذي يؤدَّب به رعيته ، وأعينه التي يبصر بها شعبه ، وأذرعه التي يوطد بها حكمه .


يا بني :

دعك من هؤلاء النائحين ، ولا تلتفت إلى أولئك الناعقين...

وجْه بصرك صوب الشام ...

لقد أظل زمن الحرية .