آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-07:42م

قراءة في كتاب الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي وآراؤه العقدية 1-3

الخميس - 05 ديسمبر 2024 - الساعة 02:55 ص
د. لمياء الكندي

بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب



قراءة في كتاب الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي وآراؤه العقدية

( 245- 298هـ)\ (860- 911م) تأليف الدكتور \ عبدالحميد أحمد مرشد حمود 1-3 


د. لمياء الكندي  


بين يدينا واحدا من اهم الكتب والأبحاث العلمية التي يمكن على أساسها بناء تصور عقلي واضح حول اهم المسائل العقدية والتاريخية وأكثرها جدلا وتأثيرا على حياة اليمنيين أسهمت من خلالها شخصية الكاهن الملقب بالإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي في تأسيس القواعد المذهبية العلوية المتشيعة في اليمن تحت مسمى المذهب الزيدي او بالأصح الهادوي.

تتداخل موضوعات الكتاب المعنون بـ(الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي وآرؤه العقدية)، لتمزج بين الكتب الفقهية الأصولية وكتب الفكر والسياسة والتراث والتاريخ وهي مقومات مترابطة فيما بينها اذا ما تم قراءتها وفق المنهجية التي تعنى بدراسة شخصية الكاهن الرسي ولما جمعت به شخصيته من العلم والحكم ومزجت بين الدين والسياسة فرفع السيف ونشر المذهب وناقش العلماء الى غيرها من المسائل التي احالت ماخلفه الرسي من أمور الفقه والسياسة الى ما يعتبره الكاتب الدكتور عبدالحميد احمد مرشد مدرسة فقهية داخل المدرسة الزيدية التي يؤكد لنا من خلال بحثه هذا وتناوله للرسي أهمية الفصل بين الزيدية والهادوية لينفي عن دعاة المذهب الزيدي ابوة المؤسس يحيى الرسي للمذهب الزيدي في اليمن معتبرا الرسي أسس مذهب خاص به قد نطلق عليه المذهب الهادوي نسبة الى المؤسس الأول والحقيقي للهادوية في اليمن. 

يأتي الكتاب في ما يقارب الـ 570 صفحة مقسمة في بابين، يشتملان على خمسة فصول تحدث الكاتب في الباب الأول الذي اشتمل على عددا من المباحث التي اختصت بتقديم جزء من حياة الرسي وسيرته والوضع السياسي في عصره وموقفه من الدولة العباسية وامتدادات الحركة الشيعية في عصره ووضع اليمن قبل مجيئ الرسي وبعد مجيء الرسي والاتجاهات القبلية المناوئة له واسهامه في تأسيس الإمامة الزيدية في اليمن.

ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب لا يسعني غير ان اقدم للدكتور عبدالحميد احمد مرشد خالص الشكر على اسهامه العلمي والمنهجي المميز الذي ثرى المكتبة اليمنية والعربية والإسلامية ككل بهذا العمل النقدي والتحليلي الذي حاول من خلاله تقصي الحقيقة التاريخية والتشريعية بجزئيها الفقهي والاصولي وتقديمها في هذا القالب العلمي الذي بادر من خلاله الدكتور عبدالحميد في توضيح حقيقة الهادوية او الزيدية في اليمن وكشف العديد من النقاط والمسائل الخلافية التي خالف من خلالها الرسي في ارائه ومواقفه للعديد من الآراء الإسلامية التي أجمعت حولها الامة اما بنكرانها او باستحداث بعضها وفق منهج التأويل والاجتهاد الذي اختص به يحيى بن الحسين الرسي فالكتاب يكشف بين طياته زيف الادعاء الكهنوتي للاب المؤسس للهادوية في اليمن او الزيدية او الجارودية كما يحب البعض تسميتها بغض النظر عن الظروف التاريخية التي ارتبطت بها كل تسمية من هذه التسميات حتى يخيل للقارئ انها تعبر عن مذهب واحد وراي واحد ومذهب واحد في حين ان لكل واحد منها رايه وبينهما من الخلاف والاختلاف والتوافق جزء كبير رغم محاولة نسبهما الى ذات المصدر، فالزيدية في اليمن كانت ولا تزال تعمل كغطاء مذهبي يشرعن تطلعات الحكم الإمامية، ويمنحها تحت غطاء الانتساب لزيد بن علي رحمه الله مشروعية الثورة والخروج عن الحاكم والتشريع للإمامة التي تم حصر معناها وفق النظرية الهادوية الجارودية للحكم، ومن هذا المنطلق الذي ميز او بالأصح فرق فيه الكاتب بين الهادوية وبين الزيدية ذهب الكاتب الى إيضاح بعض الآراء الفقية التي خالف فيها الرسي الزيدية وأيضا مناقشة الآراء العقدية للرسي وبيان مخالفتها للمذاهب الإسلامية المتفقه وبالذات المذاهب السنية الأربعة وهو ما سنذهب الى عرضة وتوضيحه في هذه القراءة وبيان راي الكاتب من تلك الآراء.  

لا يغيب عن القارئ حقيقة الربط الديني للتطلعات السياسية للهادوية الرسية في اليمن وربط امامة المدعي يحيى بن الجسين الرسي بوصايا ونصوص نبوية مخترعة تأييدا له حتى على مستوى التسمية والكنية التي تكنى بها الرسي يشير الهادوية الى ان تسميته بالهادي هي تسمية نبوية اخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك رواية سليمان الكوفي عن رسول الله انه أشار بيده الى اليمن وقال " سيخرج رجل من ولدي فيهذه الجهة اسمه يحيى الهادي، يحيي به الدين"، ان مثل هذه الروايات التي رافقت الموروث الشيعي وخاصة فيما يختص باحاديث الولاية والوصاية هي من ساهمت بصناعة خرافة اهل البيت والتسليم المطلق لادعاءات ائمتها لتشكيل بيئة اجتماعية حاضنة لتوجههم وعقيدتهم السياسية. 

ويذكر الكاتب ان الرسي كان يرى العباسيين من ظلمة اهل القبلة الذين أتوا بمظالم توجب الخروج عليهم ورأى الرسي اتخاذ اليمن وجهة لبث دعوته التي اعتبرها دعوة الى الحق والرشد وتبشير  من ناصره منهم بالفوز وإقامة الحجة على من خالفه معتبرا ان من حكم اليمن قبله قد حكموها بحكم الشيطان وذهب الرسي في حكمه على من سبقه في حكم اليمن الى ابعد من وصفه لهم بالظلمة ووجوب الخروج عليهم فقد كان يرى ان الكفار اوفى من الخلفاء منهم وكانت مثل هذه اللغة الخطابية التي تثير المظالم وتبشر بدولة العدل والإحسان وربطها بوصايا الله ورسوله فيما يخص العترة الطاهرة التي فٌوضت للحكم تشرع وتمهد لقيام دولة الهادي يحيى بن الحسين الرسي التي واجهتها العديد من العقبات في بلد انهكته المنافسات الداخلية، والاختلافات المذهبية التي وجد الرسي فيها فرصة سانحة لينادي بدولته كما يذكر الكاتب.  

وبالغ الكاهن الرسي في تعظيم نفسه ومنحها منزلة اشبه بمقام النبوة لكسب ولاء اتباعة ومن ذلك قوله " اضمنوا لي ان تصلحوا سرائركم، وإذا امرتكم بشيء ائتمرتم إذا والله او افقكم على الحجة البيضاء، واضمن لكم الجنة بل قد ذهب الى اعتبار ان من اطاعه لم يفقد من رسول الله الا شخصة وهي عقيدة في تعظيم الذات يمضي عليها ادعياء الكهنوت الإمامي من الرسي وحتى الكاهن عبد الملك الحوثي وعبد العظيم الحوثي الى اليوم.

وبعد ان يستعرض لنا الكاتب في المباحث الأول والثاني من هذا الكتاب جزء من شخصية الرسي والظروف الزمانية والمكانية التي أسهمت في تأسيس دولته الهادوية وكسب تاييد بعض قبائل اليمن التي ناصرته يستعرض لنا الكاتب " الاتجاهات القبلية المناوئة للهادي في اليمن"، كآل الدعام وبنوالحارث والاكيليون والكليبيون وآل طريف وغيرهم من القبائل اليمنية التي رفضت الاعتراف بحكم الرسي واعتبرت احد اكبر الصعوبات في طريق ترسيخ اركان دولته التي توفي قبل ان يشهد استقرارها ويجني ثمرة جهده الذي توارثه ابناءه من السلالة الهاشمية العلوية الحسنية والحسينية الذين تبنوا نهج الهادي ومذهبه في حكم اليمن، ويذكر لنا الكاتب في احدى النصوص والرسائل المنقوله من خطبة المرتضى محمد بن الحسين الرسي اسفه بل وغضبه من اهل اليمن ممن سبق وتحالفوا مع والده وبايعوه بالإمامة ووصفه بأن والده يحيى بن الحسين كان يعاني من خذلانهم له وسوء معاملتهم والخروج عليه مما يجعله متخوفا من خلافة والده على حكم اليمن وكانت سببا في اعتزال الحكم.

اما المدعو الهادي فقد و صلت المبالغة في تعظيمه بعد وفاته الى الحديث عن رائحة الطيب التي تنبعث من مسجده حيث قبره لتنبئ الناس برضا الله عزوجل عن فعله واستمرار رائحة الطيب حتى يومنا هذا من المبالغة والغلو المفرط الذي انتهجته الفرق الشيعية في تعظيم ائمتها واوليائها ويذكر لنا الكاتب تعاقب واحد وسبعون اماما من نسل الكاهن الرسي دعو الى حكم اليمن.

يتبع