آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-07:46م

ترامب وتغير وجه أمريكا والعالم بين الواقع والخيال؟.

الثلاثاء - 03 ديسمبر 2024 - الساعة 09:54 ص
منصور الصبيحي

بقلم: منصور الصبيحي
- ارشيف الكاتب


من الواضح أن مغامرات دونلد ترمب وتصرفاته الطائشة والمتهوّرة، باتت اليوم تبعث حالة من التوتر والقلق لدى حلفاءه وخصومه على حدٍ سوأ، تحسّبًا لما قد تُسفر عنه من نتائج عكسّية حال مخالفته النهج الذي اعتاد أسلافه من سادة البيت الأبيض الالتزام به ومراوحته طويلًا، خصوصا والرجل متقلّب المِزاج ولايتمتع بحصافة سياسية وبحس إنساني بالمستوى الذي يمكن الإطمئنان له أنه يستطيع توجيه بوصلة أمريكا نحو طريقٍ يؤمّن مستقبلها ولا ينتج عنه أضرار جانبية.



فشعار المنفعة المتبادلة بالمثل، وخدمات مدفوعة الأجر أي ( أدفع تحصل على حماية ما تدفع ما تحصل ) كلها أمور تُنبى عن حدوث تطوّر في المعاملة التي يدار بها العالم، وتُنذر الجميع أنّ ذلك الشرطي الذي تعيّن عليه يحشر أنّفه في كل صغيرة وكبيرة سواءً بإذن أو بغير إذن، بزعم حراسة الأمن والاستقرار الدوليّن، قد ولّى زمنه، وترامب الآن بصدد تحويله إلى أشبه ما يكون بشركة أمنية خاصة، يعرض خدماتهِ لزبائنهِ الكرام مقابل ريعًا ماديًا يتوافق مع برنامجه الانتخابي "لنجعل أمريكا أولًا" وقد على شأنه مؤخرًا بين الجمهوريين بقوة، ويهدف لإنعاشها اقتصاديًا وبأي ثمنٍ كان، ودون وجل أو خوف لما سيترتب عليه من إرتدادات سلبيّة على الوضع العام، قد تتكون على خلفياته طفرات سياسية غير متوقّعة، ستعيد هيكلية تحالفات كثيرة من المعمورة تجري مبدأيّا وفق فلسفة تعتمد الفكرة أساسًا لتقاربها، لتتخذ بديلًا عنه من الجغرافيا ملاذًا دفاعيًا يضمن بقاؤها ويحفظ كينونتها من الانجراف.


فالإدولوجية الديمقراطية التي هي لها بمثابة الهوية الإتحادية العابرة المحيط الأطلسي منها وإلى أوربا، واستمرت تنمو وتُمارس بينها وبين الأخيرة بالتنواب كأسلوب من أساليب الابتزاز والارتزاق المادي، كمن غدت اليوم في محل تهديد وإزدراء من قبل ترامب، والواضح أنّ الرجل بات يضيق بها ذرعًا، وذلك لتصادمها مع مشروعه وجموحه المطلق بالسلطة، متطلّعًا لإعادة النظر في كثير من مبادئها وقيمها التي تدفعها وتصون انحرافها عن مسارها الصحيح.


فكما يقال الفكرة تدحضها الفكرة، والفشل لا يُثبت فشلًا إلّا بالنجاح، والعائد إلى سلطة البيت الأبيض من جديد، على ما يبدو عازمًا هذه المرة في ظل الإرباكات والمشاكل التي احدثها خَلفَه وسَلفه بنفس الوقت جو بايدن، وكلّفت ميزانية الدولة مبالغ باهظة، مما أنعكس سلبًا على متوسّط دخل الفرد وتراجعه لمستويات متدنيّة تضاعفت بثلاث مرات على ما كانت عليه من قبل عشر سنوات، وبصعود المنافس الشره ( الصين ) الذي يعمل على خطف الأنظار عن بلده مهددًا أمنها القومي بقوة، يسعى لإقناع شعبه بسلامة رأيه وصواب منطقه، بأنه بمثابة جورج واشنطن القرن الواحد والعشرين، من سينقذ بلدهم أمريكا ويجعلها في الواجهة دمًا وأبدًا، مستلّهما حكمته من الأباء المؤسسين، ومتسلّحا بما اكتسبه من الخبرة والمعرفة السياسية والتجارية الكافية، التي تمكّنه من مقارعة الإمبراطوريات ومناهضتها عن طريق تطبيق حزمة من الإجراءات الصارمة تجاهها.

وبهذا الإسلوب من التحوّل في المسار إن استطاع الرجل تنفيذ مآربه التي هي لازالت إلى الآن في طور الخيال أو بالأحرى مجرد أمنيات يمنّي بها نفسه مستقبلًا، قياسًا على واقع البلد ودستورها المعقّد، وبإحداث إختراق ، مستفيدًا من ما حققه حزبه من أغلبية ساحقة في الكونجرس ومجلس الشيوخ، ومن نقش صورته العابسة على جداريات البيت الأبيض، باعتباره الرئيس الاستثنائي المطلق الحريّة، تصبح الديمقراطية من كونها عرفًا تقليديًا ضاربة جذورها في الأعماق، ولا يشوبها شائبة، كشكل من أشكال الاستفتاء الشعبي، والأقرب وصفًا بالتعرفة الوطنية التي تسمح بتدوير الحاكم لنفسه على فترات انتخابية متتالية وغير محددة.


وبالتالي فإنّ عدوى الرغبة بالتأكيد للسير على نفس المنوال، ستنتقل آليًّا إلى بلدان عديدة من الاتحاد الأوروبي، لديها من الاحتقان ومن الضوائق الكثير، تزكيّها وتوقد نارها الأحزاب اليمينية المتطرّفة التي غدت تنشط أخيرًا أوساطها بشكل ملحوظ وغير عادي، مقدّمة عروض مغرية تتناغم بها مع ما يسوقها ترامب من دعايا وما يتبناه من شعارات مناهضة لظاهرة الهجرة والتغير الديموجرافي للسكان الأصلين، داعيًا لتكثيف الجهود لحفر المزيد من آبار النفط والغاز، بذلك كما يكون منكرًا من أساسه لقضيّة الاحتباس الحراري وما أحدثه من تأثيرات على النظام البيئي.


والمحصلة النهائية بالطبع، تدهور متسارع للقوى من حملة مشاعل الحرية وحقوق الإنسان، وتقاربها مع لون نقيضها من النظام، بما يعني إخلال بمعادلة التوازنات القائمة وتقويضها - فتح الباب على مصراعية أمام احتمالات عدة، أقربها للواقع حروب مستعرة وأزمات خانقة على كل اتجاه وجانب - تراجع هيبة القانون الدولي إلى ما دون الصفر إن لم يكن إعلان وفاته بشكل نهائي.