كنا دائماً نردد قول الشاعر: ("كاد المعلم أن يكون رسولاً")، حينها كان للمعلم قداسته ومكانته وشخصيته. كان مهاباً وشجاعاً، نخافه ونقدره ونقف أمامه وكأن الطير على رؤوسنا.
لم يكن المعلم يوماً مُستباحاً في حقوقه ومكانته وأهميته وقيمته، بل كان خطاً أحمر عريضاً وعقبة كؤوداً يصعب تجاوزها أو التعدي عليها مهما حاول أو فكر أحد في المساس به.
كان أرفع شأناً وأجلّ قدراً وأفضل مكانة. كيف لا؟ وهو مُربي الأجيال، وحامل شعلة العلم والنور في مواجهة الجهل والظلام، وصاحب كلمة الفصل في كل جدال، والفارس الذي لا يشق له غبار.
لم نَهب أهلنا وذوينا بقدر هيبتنا لمعلمينا، ممن لا زلنا نحمل لهم حتى اللحظة أسمى معاني الحب والود والاحترام والتقدير. فمنهم من سرنا على دربه، ومنهم من أخذنا بنصحه، ومنهم من لا زلنا نتذكر جميله وصنيعه وجمال أخلاقه.
كان المعلم كل هذا وأكثر، حينما كان القانون يحميه، والدولة توقره وتلبي كل مطالبه وتحقق رغباته واحتياجاته، والمجتمع يصون مكانته وهيبته. فكانت النتيجة جيلاً متسلحاً بالعلم، لا تخشى عليه تقلبات الزمان وصروفه.
أما اليوم، فقد صار المعلم (ذليلاً)، مهدود الحيل، مكدود الحال. لا قداسة، لا مكانة، ولا هيبة، ولا دولة تصونه وتحميه. يبحث عن فتات يسد به حاجته، وعن ريالات يوفر بها مطالب أسرته، بعد أن بات الراتب (فتاتاً) لا يسمن ولا يغني من جوع.
اضطر المعلم إلى التحليق خارج (حقل) التعليم، بعدما يئس من توفير لقمة العيش لأسرته، وبعد أن تعذر استلام راتبه وحقوقه، وبعد أن أضحى الراتب صعب المنال ولا يُصرف إلا بعد شهور تُسكب فيها ماء الوجه بين هذا وذاك.
صار المعلم بلا قداسة أو مكانة في زمن جهل فيه ساساته وعتاولته أهمية العلم في بناء الأمم والقيم والوصول للغايات والقمم. وباتت (الريالات) ومن لا يجيدون القراءة والكتابة ذا مكانة وشأن عظيم، بينما المعلم على (رف) الحاجة وهامشية الحياة.
أعيدوا للمعلم قداسته، وأعيدوا للعلم مكانته، فنحن على شفير الجهل، إن لم نكن قد دخلناه من أوسع أبوابه.