تزايد الاهتمام في البحث العلمي لم يعد مقتصراً على الدول المتقدمة، حيث أن العديد من دول العالم الثالث أصبحت تعطي إهتمام أكبر للبحث العلمي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي عليه وكذا تقديم التسهيلات لمراكز الأبحاث الخاصة، وهذا الاهتمام ينطلق من الحاجة الأساسية للبحث العلمي في دراسة المشكلات التي تواجه المجتمعات والدول وتضع الحلول لها في مختلف المجالات.
الإهتمام في البحث العلمي لا يقتصر على جانب من الجوانب دون غيره، ومن بين ذلك أهميته للدول وأنظمة الحكم التي تستفيد منه في صنع القرارات السياسية والإدارية محلياً وخارجياً، سيما حين تمس الأبحاث دراسة التحديات الحيوية والحديثة بمهنية علمية وحيادية وباستخدام مناهج ووسائل ومعلومات دقيقة توصل إلى نتائج حقيقية، وفي ظل اعتماد كثيراً من الدول على العلم والبحث العلمي كإطار لصناعة القرارات واساسا للتخطيط الاستراتيجي لسياسيتها الداخلية والخارجية على المدى القريب والبعيد.
تشير الكثير من الأبحاث والكتابات على أن مراكز الأبحاث تلعب دوراً هاماً ومؤثر وفعال في السياسة الخارجية الأمريكية، إضافة إلى دورها في السياسة على مستوى الداخل، حيث تأتي أمريكا في صدارة الدول الأكثر إنفاقا على البحث العلمي والتطوير، بواقع 476مليار دولار سنوياً، فيما الصين ثانياً بواقع 370مليار دولار، واليابان ثالثاً بواقع 170مليار دولار، وتمثل أمريكا بهذا الانفاق وحدها 27% من إجمالي الإنفاق العالمي.
الملاحظ من خلال الأرقام في الفقرة السابقة أن الدول الأكثر إنفاقا على البحث العلمي والتطوير هي من تمتلك النفوذ العالمي الأكبر والاقتصادات الأعلى في العالم، ولا نقول هنأ أن هذا الحضور يرتكز على البحث العلمي فقط، ولكن في ذلك مؤشر يؤكد على أهمية البحوث العلمية في صنع القرار السياسي للدول، لكونها مرتكز التخطيط الاستراتيجي حاضراً ومستقبلاً.
قد يقول قائل إن هناك اهتمام بالبحث العلمي، ولكن لا يوجد توجه من الجهات الحكومية للاستفادة منها، نقول صحيح أن هناك ابحاث ولكن البعض منها ليس حيوي وحديث يلامس المشكلات ذات الأولوية، ناهيك عن القصور الأخرى، وفي العموم فإن هذا الأمر يتطلب استجابة من الجهات المعنية للاستفادة من البحوث، وحتى توجيه الباحثين إلى دراسة المشكلات ذات الأولوية التي تهم الدولة والمجتمع بشكل عام حتى تستفيد منها حاضراً ومستقبلاً.