عاشت اليمن عقودًا طويلة تحت حكم المملكة المتوكلية اليمنية، التي فرضت نظامًا إماميًا كهنوتيًا استند إلى مزاعم الحق الإلهي في الحكم. هذا النظام الإمامي القمعي جعل الشعب اليمني أسير الفقر والجهل والتبعية، حيث تمركزت السلطة والثروة في يد أقلية حاكمة. كانت الإمامة تعتمد على استنزاف مقدرات البلاد واستعباد الشعب لصالح طبقة دينية وسياسية ادعت التفويض الإلهي، مما أدى إلى تأخر البلاد على جميع المستويات. اليوم، تعيد المليشيا الحوثية، التي نستطيع أن نوصفهم بـ”الإماميين الجدد”، نفس سيناريو القمع والاستغلال الذي مارسته الإمامة المتوكلية. تستخدم الجماعة الدين والهوية الطائفية كأداة لتبرير سيطرتها السياسية والعسكرية، متجاهلة تطلعات الشعب اليمني للحرية والمساواة. تسعى الجماعة إلى إعادة اليمن إلى نظام كهنوتي يجعل الشعب خادمًا لمصالح أقلية تسعى لتعزيز نفوذها السياسي عبر القوة المسلحة والشعارات الدينية. هذا النهج يعيد إنتاج نفس الأزمات التي عاشها اليمن سابقًا، من فقر مدقع وانعدام للخدمات الأساسية، إلى تدمير البنية التحتية وتهميش المجتمع. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية، يواجه الشعب اليمني اليوم تحديًا مصيريًا للحفاظ على مكتسباته الوطنية ومواجهة هذه العودة إلى عصور الظلام. على الجانب الآخر، نجد تجربة المملكة العربية السعودية التي نجحت في بناء دولة حديثة متماسكة تحت قيادة آل سعود. منذ تأسيسها، ركزت المملكة على تحقيق الأمن والتنمية، ما أدى إلى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز مكانة المواطن السعودي. تحولت السعودية إلى قوة اقتصادية وإقليمية تسعى لتحقيق الازدهار لمواطنيها، مع رؤية واضحة تستثمر في التعليم والصحة والبنية التحتية. تُبرز التجربة السعودية الفرق الكبير بين نظام يسعى إلى بناء الدولة وتمكين الشعب، ونظام يسعى إلى الهيمنة باسم الدين وتكريس الجهل والفقر. هذه المقارنة تظهر بوضوح أن الشعوب لا يمكن أن تزدهر إلا في ظل قيادات تعمل لصالح الجميع، وليس لصالح قلة تحكم باسم الحق الإلهي أو الشعارات الطائفية. في هذا السياق، تبرز ثورة 26 سبتمبر 1962 كحدث مفصلي في تاريخ اليمن، حيث أسقطت الحكم الإمامي وفتحت الباب أمام عصر جديد من الحرية والكرامة. لكن مع عودة الإماميين الجدد، تصبح الثورة ضرورة مستمرة للحفاظ على مكتسباتها ومواجهة محاولات إعادة الشعب إلى العبودية. الشعب اليمني اليوم أمام خيارين: إما الاستسلام لنظام كهنوتي يعيد إنتاج الظلم والقهر، أو مواصلة الكفاح لتحقيق أهداف ثورة سبتمبر المقدسة. هذا الخيار ليس مجرد قرار سياسي، بل معركة وجودية للحفاظ على الهوية الوطنية وتحقيق الحرية والمساواة التي يطمح إليها كل يمني. إن استمرار النضال ضد المشروع الحوثي هو الضمانة الوحيدة لبناء يمن حر يحقق الكرامة لشعبه، ويتجاوز إرث الإمامة بكل أشكاله القديمة والجديدة.