آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-07:47م

بمناسبة عيد الجلاء الثلاثين من نوفمبر ،، هل رحل الإستعمار فعلاً ؟

السبت - 30 نوفمبر 2024 - الساعة 08:59 م
د. سعيد سالم الحرباجي

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


ونحن نحتفي بالذكرى السابعة والخمسين لرحيل الإستعمار البريطاني البغيض عن جنوب اليمن ينتابنا شعور مليئُ بالأنات ، والأهات ، والأحزان والحسرات ، والتوجعات ، والعذابات ،،

حتى وصل الحال بالبعض.... أنْ يتحسَّر على رحيل الإنجليز ، ويتمنى عودتهم .


تلك الهواجس وتلك التساؤلات ، وتلك التأوَّهات التي تخامر ذلك الجيل الذي تعايش مع الإنجليز لفترات طويلة ....ليست انتقاماً من الثورة ، ولا ندماً على ما قدمه الثوار ( كلَّا ، وحاشا ) وإنما مردها إلى مراراة الكأس الذي تجرَّعوه - بعد مغادرة الإنجليز - ممن تسلَّقوا ظهر الثورة ، وكانوا إبَّان النضال ( يرتشفون) من حليب ماما ( لندن) في فنادق عواصم أوروبا!!


السؤال الذي يطرح نفسه علينا اليوم بعد مضي حوالي

ستة عقود :

هل رحل المستعمر أم لا يزال متواجداً ؟


هذا السؤال يجيب عنه د. تميم البرغوثي في كتابه الرائع الذي عنون له ب ( الوطنية الأليفة )


من خلال هذا الكتاب يجيب الكاتب عن التبعية المقية التي تسيطر على الأنظمة العربية والإسلامية منذ رحيل المستعمرين وحتى اللحظة.


حيث يرى البرغوثي أنَّ المستعمرين عندما شعروا بأنَّ الشعوب بدأت تتململ ، وأنَّ المقاومة الشعبية آخذة في التصاعد ، وأنَّ بقاء القوة العسكرية أصبح محالاً ...

انتقلوا إلى الخطة رقم ( ب ) والتي تقتضي - بحسب الكاتب - أنْ يخلقوا أنظمة مهمتها الأولى والأخيرة ضمان ( تبعيتها المطلقة ) للقوى الاستعمارية ، وتمكينها من السيطرة على مقدرات الشعوب ، ونهب ثرواتها ، والتحكم في قرارها ، وسلبها حريتها.


ليس هذا فحسب بل أنَّ المستعمرين عملوا على التشبث بكل أساليبهم الخبيثة حتى تصبح هذه الأنظمة ما هي إلا بديلًا لهم مهمتها ( الحفاظ على مصالحهم وهيمنتهم) !!!


اتخذ المؤلف من (مصر) و (حزب الوفد) أنموذجاً لدراسته في إطار نظرية ما بعد الاستعمار .


حيث أثبت في فصل من فصول دراسته (أنَّ النخبة الوطنية المصرية )خلقها الاستعمارُ (سياسيًا واقتصاديًا ) وأنها وإن كانت من صنيع المستعمِر فقد طوّرت مصالحها ومطالبها الخاصة، كما أنٌَ هذه المصالح كانت تابعة لأوروبا ومعتمدة عليها بنفس القدر التي كانت تعتمد عليه لكونهم من أهل البلاد، وهو ما خلق التمثيل أو الوساطة حيث كان أولئك القادة ( وسطاء بين القوة الاستعمارية وأهل بلادهم ) وهو ما دعا الكاتب أن يطلق عليهم أسم ( الوطنية الأليفة ) .


لا يسعنا المقام هنا أن نستعرض بقية فصول الكتاب والتي يثبت الكاتب من خلالها مدى مكر ، ودهاء المستعمرين بخلق بدائل يخلفونهم في مستعمراتهم بعد رحيلهم عنها عسكرياً ، ويضمون لهم مصالحهم ، وفي الوقت ذاته تقوم الدول الإستعمارية بإبرام إتفاقيات تمكنها من حماية تلك ( الأنظمة الأليفة ) عسكرياً إذا اقتضى الأمر .


هذه الدراسة التي قدمها د. تميم إلبرغوثي على واقع الحال في مصر بعد الثورة ...هي صورة معبرة لوضع جميع الدول العربية والإسلامية.


وبمناسبة عيد الجلاء ، ورحيل الإنجليز عن جنوبنا الحبيب ....فإنَّ الحديث عنه اليوم لذو شجوووون .

ذلك أنَّ كلما تحدث عنه البرغوثي في دراسته الوطنية الأليفة يمكننا اسقاطها بحذافيرها على واقع الجنوب بعد رحيل آخر جندي بريطاني من عدن .


ففي الوقت الذي كان الثوار يروون شجرة الحرية بدمائهم الزكية ، ويبنون مداميك دولتهم المنشودة بأجسادهم الطاهرة.....

كان الإنجليز قد استقطبوا قادة ( الوطنية الأليفة) وأخذوهم إلى عواصم الدول الأوروبية

يسلخون وطنيتهم ، ويغسلون أدمغتهم ، وينزعون ضمائرهم ، ويفصلون أفكارهم ، ويعملون على ترويضهم ، وتدجينهم ، وتأليفهم ، وتأهيلهم حتى يتمكنوا من القيام بدور العمالة والخيانة، وضمان مصالحهم بعد رحيلهم .


ما أقوله هنا ليس من باب النكاية ، ولا من باب التجني.....

ولكن كل ذلك تؤكده الوقائع على الأرض ، وتعمَّده الأحداث التي حصلت ، وتشهد له المآسي ، والجرائم التي عاشها الجنوب منذ الثلاثين من نوفمبر ( 1967م ) وإلى هذه اللحظة .


ولعل أبرز سؤال نوجٌَهه لمن لا يروق له (مثل هكذا حديث ) .

أين قادة الثورة بعد الإستقلال مباشرة ؟

أين أثر أهداف الثورة بعد التحرر ؟

ما هي أبرز المنجزات التي تحققت للشعب بعد مغادرة

الإنجليز من عدن ؟


لا يستطيع فصيح مفوَّه ، ولا ثرثار مموٌه...... أن يجيب على مثل هذه التساؤلات .

وذلك لأنَّ الواقع يؤكد ما أورده ( البرغوثي) في كتابه الرائع ( الوطنية الأليفة) .

فأولئك ( الأليفون ) نفَّذوا ما خطط له الإنجليز بحذافيره.


تجلى ذلك بكل وضوح في الانتقام من كل الثوار ، وتصفيتهم ، وتشريدهم ، ونهب ممتلكاتهم ، ونفيهم خارج الوطن ....

بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث انقلبوا على كل اهداف الثورة ، والانقضاض على مبادئها ...

وما شهده الجنوب من صراعات دموية ، عبيثة ، أهلية .... ولا يزال حتى اللحظة يتجرع كأس مرارتها ( هو تجربة عملية للوطنية الأليفة ) !!


خلاصة القول :

كلما رحل عن الجنوب عام ( 1967م ) هو رأس الاخطبوط ، أمَّا أرجله القوية ، وأياديه العابثة...

فلا تزال تعمل عملها ، وتعبث عبثها ، وتؤدي دورها في جنوبنا الحبيب ....ولكن ( برأس محلي أليف ) .


هذه خلاصة ما أراد د. تميم إلبرغوثي أن يوصله للشعوب العربية المغفلة ، المصفقة للشعارات الوهمية ، اللاهثة وراء سراب الخطابات المزيفة ( والمساكين لا يدرون أنَّ من يصفقون لهم وطنيون أليفون ) .


المجد والخلود لشهداء ثورة أكتوبر ..

رحمكم الله رحمة الأبرار ، وأسكنكم فسيح الجنان .

وسوف تستمر مسيرة النضال ،،،