الحرب في اليمن ليست مجرد مواجهة عسكرية بين الشرعية المعترف بها دولياً ومليشيا الحوثي، بل أصبحت ساحة تعج بالتناقضات والولاءات المتعددة. أحد أبرز هذه التحديات يتمثل في ظهور شخصيات محسوبة على الشرعية اليمنية والجمهورية، لكنها تمارس أدواراً مزدوجة، تدعم الشرعية علناً بينما تسير في خطٍ موازٍ مع الحوثيين خفيةً. هذه الازدواجية تثير تساؤلات خطيرة عن مصير الحرب وآفاق الحل السياسي، وتنعكس سلباً على الثقة الشعبية والجهود الوطنية لإنهاء الأزمة. ومن أبعاد الازدواجية في الولاء هي التناقض في القرارات والمواقف، حيث أن بعض المسؤولين والشخصيات السياسية يتخذون قرارات تخدم مصالح الحوثيين بشكل غير مباشر، مثل التراخي في مواجهة اختراقاتهم أو غض الطرف عن عملياتهم، كما قد تصدر عنهم قرارات أو مواقف تتماشى مع أجندات الحوثيين، سواء عبر تيسير مصالحهم أو تعطيل جهود التحالف العربي. وفي الوقت ذاته، يظهرون في لقاءات علنية ومؤتمرات دولية كمدافعين عن الشرعية والجمهورية. وأيضاً هناك تصريحات موجهة حسب الجمهور، حيث يلاحظ أن هناك من يتبنى خطابين مختلفين: خطاباً جمهورياً يدعو لإسقاط الحوثيين واستعادة الدولة أمام الأنصار والمؤيدين، وخطاباً مهادناً أو متماهياً مع الحوثيين في المجالس الضيقة أو اللقاءات السرية، في محاولة لكسب مصالح متبادلة مع الطرفين. وأيضاً الاستفادة من الوضع القائم، حيث أن هناك بعض المؤثرين إعلامياً وشخصيات نافذة يستغلون الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية، مثل الحصول على امتيازات مالية أو تعزيز مكانتهم السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة البلاد. على سبيل المثال يكتبون في الصحف أو على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يوحي بدعمهم للشرعية، ولكن بين السطور، يدافعون عن ممارسات الحوثيين أو يبررونها، في محاولة لإحداث بلبلة وزرع الشكوك بين صفوف أنصار الشرعية. ولفهم ظاهرة ازدواجية الولاء، يجب النظر إلى السياق الذي أوجد هذه الحالة والتي منها المصالح الاقتصادية والسياسية، حيث أن هناك الكثير من الشخصيات المرتبطة بالشرعية لديها استثمارات أو علاقات اقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما يدفعها لتقديم تنازلات أو الحفاظ على علاقات ودية معهم لضمان استمرارية هذه المصالح. وكذلك ضعف الرقابة والمحاسبة، وذلك في غياب نظام رقابي فعال داخل مؤسسات الشرعية سمح لهذه الشخصيات بالتحرك بحرية وازدواجية دون أي رادع، مما شجع على ازدياد هذه الظاهرة. بالاضافة إلى الابتزاز الحوثي، حيث إن بعض المسؤولين والمؤثرين يتعرضون لتهديدات مباشرة من الحوثيين، سواء كان ذلك عبر استهداف أفراد عائلاتهم أو تهديد مصالحهم الشخصية، ما يدفعهم لتقديم الولاء سراً. وأيضاً وفي بعض الحالات هناك التكتيكات السياسية، حيث يسعى البعض للعب دور “الوسيط” بين الشرعية والحوثيين على أمل تحقيق مكاسب سياسية في المستقبل، في حال حدوث تسوية شاملة. ان ازدواجية الولاء داخل الشرعية اليمنية تؤدي إلى إضعاف وحدة الصف الجمهوري عبر خلق الانقسامات الداخلية، وفقدان الثقة الشعبية بسبب شعور المواطن بالخيانة، وتعطيل جهود التحالف العربي نتيجة القرارات الموجهة للتعطيل، مما يطيل أمد الحرب ويمنح الحوثيين وقتاً إضافياً لتعزيز سيطرتهم. ولإنهاء ازدواجية الولاء، يجب محاسبة الشخصيات المتورطة بحزم لتعزيز الشفافية، وإصلاح مؤسسات الشرعية باستبدال العناصر المشبوهة بكفاءات وطنية، وتعزيز الإعلام الوطني لكشف الممارسات المشبوهة، مع إعادة بناء الثقة الشعبية عبر تواصل شفاف يعزز روح المقاومة الوطنية. إذا لم تتم معالجة مشكلة ازدواجية الولاء، ستظل الأزمة اليمنية عالقة في حلقة مفرغة. الحل يتطلب إرادة وطنية صادقة تعمل على تصحيح مسار الشرعية وتنقية صفوفها من المنتفعين والانتهازيين. المستقبل لن يكون مشرقاً إلا بوجود قيادة موحدة ومخلصة، تضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار. فقط حينها يمكن الحديث عن إنهاء الحرب وبناء يمن جديد يستعيد سيادته واستقراره. ختاماً إن تعدد الولاءات والانتماءات حسب المنفعة الشخصية لا يخدم إلا أعداء اليمن، وعلى الشرعية أن تدرك أن نجاحها يعتمد على نزاهة صفوفها ووحدتها الداخلية. الشعب اليمني يحتاج إلى قادة مخلصين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وليس إلى انتهازيين يرقصون على حبال المصالح الشخصية والسياسية.