كتب / فايد دحان
عامان وأربعة أشهر وثمانية وعشرون يوماً... هنا، في هذه الأرض التي تتسابق مع الزمن، كأنها تولد من جديد مع كل إشراقة. المملكة العربية السعودية تفتح لك ذراعيها كل يوم بحلّة جديدة، وكأنك في قلب نبض حياةٍ لا يهدأ، لا يتوقف.
هنا، لا يوم يشبه يومًا آخر، ولا أفق يتكرّر؛ كأنّهم يخطّون تاريخاً جديداً كل صباح، بريشة ترفض أن تنحني أمام الماضي.
شوارع المملكة ليست مجرد طرقات، بل هي حكاياتٌ تتدفق بالتجدد والطموح، من أضواء الرياض إلى ضجيج جدة، ومن شواطئ البحر الأحمر إلى نسمات الدمام، مرورًا بتفاصيل الحياة في الجبيل وعبق الأصالة في مكة والمدينة، هنا تجد صوراً تسلب الأنظار وتلامس الأرواح، وطنٌ يحملك على كفّيه، يجعلك تشعر بأنك لم تغادر قلبك، وكأن هذا المكان جزء من روحك، يرافقك حيثما ذهبت.
واليوم، أستعدّ للرحيل، وللمرة الأولى أشعر بثقل المغادرة؛ كأنما قلبي يريد أن يبقى هنا بينما جسدي يذهب إلى مصر، في رحلةٍ عابرة لضرورات العلاج، لكنها في العمق تظل مجرد زيارة إلى حيث يطيب الجسد للاطمئنان.
في السعودية، الرعاية الصحية ليست ترفاً؛ إنها حقٌ مشترك يسري في شرايين الوطن، لكنني أجد نفسي، لظرف مؤقت، مضطراً للبحث عن علاج لا يحتمل التأجيل، ومع ذلك أرحل وأنا أحتفظ بصورة لهذا المكان حيث السكينة تلامس كل شيء، وحيث الأمان يحتضنك دون أن تشعر، وكأن هذا الوطن يقسم ألا يتركك وحدك.
هنا، يبنون مجداً يصافح السماء، ويكتبون المستقبل بأيدٍ تعي الطريق، رؤية 2030 ليست مجرّد أهداف؛ إنها دقات قلب كل سعودي، بل ان الامر يتعدى ليشمل قلوب كل العرب، خريطة تتجاوز اليوم إلى غدٍ أكثر إشراقاً، هنا، تتلاشى البيروقراطية، ويصبح الوصول إلى ما تحتاجه سهلاً كأنه في جيبك.
أما الإنسان السعودي، فهو الحكاية الأسمى؛ من بعيدٍ قد تتشكل لنا صور مشوّهة، صنيعة ألسنة الجهل أو دعايات الزيف التي رسمها لنا أرباب السلالة الكهنوتية في اليمن، لكنك حين تقترب، تجد واقعاً مختلفاً تماماً. هذا الإنسان، بكل ما يحمل من نُبل، ينمو ويكبر في أرضه كما تنمو الأشجار في عمق الصحراء، هنا، تكسب قبيلة بأكملها، سنداً يقف معك حيثما تكون، إنه مزيجٌ من أصالة الصحراء وعراقة الجبال، يحمل في عروقه ماء النقاء وكرم التاريخ.
في الدوائر الحكومية، لا تجد مشقة البحث خلف ستائر البيروقراطية. هنا، ترى ابتسامة الموظفين كأنهم في خدمتك قبل أن تطلب، كل معاملة تتحرك برشاقة، كأنها محمولة على أجنحة الرياح.
رؤية 2030، إن أمعنت النظر فيها بعيني، لرأيتَ وطناً ينهض من رماد القيود إلى عالم يتسع لأحلامه، لماذا نواصل النظر إلى نجاحات الغرب، ونحن نعيش بين أيدي طموح وطنٍ يرسم مجده بيده؟
استحضر اليمن ملياً ، أستشعر الحسرة، موطني الحزين ينحني للرياح بينما يعيش في جوار هذه الأرض العملاقة. لا أملك إلا أن أرجو لوطني أن يتعلم من جاره كيف ينبعث من جديد، وأن يجد الطريق إلى الحياة التي يستحقها.
ابتسم، وتمنى لوطنك الخير، وارفع رأسك عالياً في حضرة مملكة صنعت إنسانيتها وطموحها بيدٍ فتية شابة تليق بالتاريخ.