تعد اليمن من أبرز الساحات التي شهدت تصاعدًا للإرهاب من قبل جماعات مختلفة على مدار العقود الماضية، فقد تأثرت البلاد بوجود تنظيم القاعدة، ثم بظهور داعش لاحقًا، وأخيرًا بتصاعد نفوذ مليشيا الحوثيين. يمكن القول إن الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وكذلك الموقع الجغرافي اليمني، أسهمت بشكل كبير في تعزيز نمو هذه الجماعات وتوسّع نفوذها. يعود تاريخ القاعدة في اليمن إلى التسعينيات، حيث استغلت الجماعة حالة عدم الاستقرار، وضعف سيطرة الدولة في بعض المناطق لتأسيس معاقل لها، وخاصة في المناطق الجبلية والبعيدة عن سلطة الحكومة المركزية. توسعت أنشطة التنظيم مع تأسيس “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” عام 2009 بعد اندماج فرعي التنظيم في السعودية واليمن. استطاع هذا الفرع، بقيادة شخصيات بارزة مثل ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، تنفيذ هجمات واسعة استهدفت مصالح غربية ومحلية، ونفذوا عمليات إرهابية ذات تأثيرات كبيرة على الساحة اليمنية والدولية. كما عمل التنظيم على تجنيد مقاتلين وتدريبهم، مستفيدًا من البيئة القبلية اليمنية وتزايد السخط تجاه الحكومة. في المقابل رغم سيطرة القاعدة على المشهد الجهادي في اليمن لفترة طويلة، إلا أن ظهور تنظيم “داعش” (الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا عام 2014 شكل عامل جذب للعديد من العناصر المتشددة. بدأ التنظيم ينشط في اليمن أيضًا مستهدفًا مواقع مدنية ودينية وسياسية، ومؤسسات أمنية تابعة للدولة، وسعى لفرض نفسه كبديل للقاعدة في زعامة التيار الجهادي. وتباينت أساليب داعش عن القاعدة، حيث اعتمدت داعش في اليمن على استهداف المدنيين والمساجد، مما زاد من حدة الصراعات الداخلية بين الجماعتين الجهاديتين، ونتج عنه انشقاقات واشتباكات متقطعة بين عناصرهما. بخلاف القاعدة وداعش، فإن الحوثيين يمثلون حركة سياسية عسكرية ذات خلفية دينية تنتمي إلى الطائفة الزيدية الشيعية. وقد بدأ الحوثيون كحركة معارضة في صعدة بشمال اليمن، حيث قاد حسين الحوثي أول تمرد لهم ضد الحكومة اليمنية في عام 2004. واستمر التوتر بين الحوثيين والدولة، حتى اشتعلت مواجهات مسلحة بشكل متكرر. لاحقاً، ومع اندلاع الأزمة اليمنية في عام 2011، استطاع الحوثيون استغلال الفراغ السياسي والتوترات القبلية، وبسطوا سيطرتهم على مناطق واسعة في البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. يتميز الحوثيون بارتباطهم السياسي والديني بإيران، مما جعلهم محورًا لتبادل الاتهامات في الساحة الإقليمية، خاصة من قِبل دول الخليج التي تعتبر أن الحوثيين يشكلون تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الحوثيين “جماعة إرهابية” وفقًا لمصطلحات بعض الأطراف الدولية والإقليمية التي تصنفهم بناءً على نشاطهم العسكري والسياسي، لا سيما بعد استهدافهم بالصواريخ الباليستية والمسيّرات في النزاع مع المملكة العربية السعودية.
أدت مجموعة من العوامل إلى تعزيز نمو هذه الجماعات المتطرفة في اليمن، منها: التهميش الاجتماعي والاقتصادي حيث ان ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب الخدمات الأساسية، وضعف التنمية، وهي عوامل أدت إلى خلق بيئة قابلة لاستقطاب الشباب للانضمام إلى الجماعات المسلحة. وكذلك ضعف الدولة وغياب الأمن حيث تسببت النزاعات السياسية المستمرة والانقسامات الداخلية في ضعف سلطة الدولة وفقدان السيطرة على عدة مناطق، ما أتاح للجماعات الإرهابية حرية الحركة والتوسع. وأيضاً العامل القبلي حيث ان اليمن مجتمع قبلي بامتياز، وتؤدي القبائل دورًا كبيرًا في تحديد التوازنات الداخلية، وتعتبر بعض القبائل من الحلفاء المحتملين للجماعات الإرهابية سواء من القاعدة أو الحوثيين، وفقًا للمصالح المتبادلة. خلّف انتشار الجماعات الإرهابية في اليمن آثارًا مدمرة على المستويات كافة. فقد تضررت البنية التحتية بشدة، وتعطلت التنمية الاقتصادية، وزادت معاناة المواطنين جراء النزوح والدمار، فيما تعززت الانقسامات الاجتماعية والطائفية. كما أثّر العنف والإرهاب على جهود السلام في البلاد، حيث تعقدت المفاوضات بسبب تنوع الأطراف المسلحة وتداخل أجنداتها، سواء المحلية أو الإقليمية. ورغم الجهود الدولية والمحلية، إلا أن محاربة الإرهاب في اليمن تواجه تحديات معقدة. فقد تدخلت الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات جوية استهدفت قيادات في القاعدة، وساعدت الحكومة اليمنية في تدريب وتجهيز القوات لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، يبقى تحقيق الأمن الشامل بعيد المنال بسبب استمرار النزاعات الداخلية وتضارب المصالح الإقليمية. لمواجهة الإرهاب بشكل فعال، يجب تحقيق عدة خطوات، منها: تعزيز بناء الدولة بدعم المؤسسات الحكومية وضمان سيادتها، لتتمكن من فرض القانون والنظام. وكذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية بإيجاد فرص عمل للشباب وتحسين الخدمات الأساسية، لتقليل الفقر والتهميش الذي تستغله الجماعات الإرهابية.
بالإضافة الى تعزيز الحوار الوطني لتحقيق التفاهم بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، وتحييد التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد النزاع. ختاماً تواجه اليمن تحديًا مركبًا في مواجهة الإرهاب، حيث تتنوع الأطراف الإرهابية وتتقاطع مصالحها مع التوترات الإقليمية والمحلية. وفي ظل الأوضاع الراهنة، يبقى الحل الأكثر فعالية هو التوجه نحو بناء دولة يمنية قوية ومستقرة تستطيع مواجهة هذه التحديات الأمنية وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للمواطنين.