صاحبة الزبالة هو وصف اطلقه احد الاصدقاء حين كان ذات صباح في أحد المطاعم مع زميل له ينتظرون الجرسون ليقدم لهم الفطور فرأى احد العاملين في المطعم يحضر ربطة صحف من خارج المطعم ليضعها على احدى الطاولات ويقطع الخيط الذي يلفها ويشرع في فرشها على طاولات المطعم.
دفع صديقنا الفضول لينهض ويسحب احدى الصحف ويكتشف انها الصحيفة الصادرة في نفس اليوم، فألتفت لصديقه قائلا، يا خسارة، ايعمل هكذا في (صاحبة الجلالة) فقال صديقة، اجلس افطر فهذه ليست صاحبة الجلالة انها (صاحبة الزبالة) فهي من المطبعة الى صاولة الطعام الى صندوق الزبالة فهكذا صحف لا تهم الناس لهذا لا يقرأونها فيوفر اصحابها تكاليف نقل (المرجوع من المكتبات) ويصرفوها من المطابع الى المطاعم رأسا.
يسمونها في بلدان الحرية (السلطة الرابعة) بعد السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ويسمونها (صاحبة الجلالة) نظرا لهيبتها، وهيبتها مستمدة من نزاهة ضمائر القائمون عليها، لهذا تجمع بين كونها سلطة تصنع رأيا عاما وبين هيبة تهز فرائص اللصوص والفاشلون.
من الطرائف الكثيرة التي قرأناها ان احدى الصحف الباريسية كتبت ان (نصف اعضاء المجلس البلدي لصوص) فاستشاط اعضاء المجلس غضبا وارادوا مقاضاة الصحيفة، فنصحهم احد عقلائهم بأن لا يفتحون على انفسهم ابواب جهنم ويستعدون الصحافة وسعى الى حل ودي تعتذر بموجبه الصحيفة، وفي اليوم التالي ظهر الاعتذار التالي (نأسف لوصفنا بأن نصف أعضاء المجلس البلدي لصوص، والحقيقة ان نصف اعضاء المجلس البلدي ليسوا لصوص).
لأن الشيء بالشيء يذكر فقد كنا ذات صباح في مكتب فقيد الجنوب والصحافة الجنوبية عطر الذكر المرحوم هشام باشراحيل، علي الغريب واحمد بن فريد وانا، واتينا على ذكر مقال كتبته احدى النساء تسئ فيه للجنوبيين وللايام، وكانت تصف ديوان الايام واماكن جلوس رواده وكأنها دخلته مع ان ديوان الايام لا تدخله النساء لأنه مقيل، فعرفنا انها مجرد (مستكتبة) وان هناك من اكل البصل بفمها.
فاجأنا أثناء ذلك هشام قائلا (تنقطع يدي لو سمحت بنشر اي إساءة لأي جنوبي في السلطة، فيكفينا جراحات)، كان ذلك تاكيداً على كون الكاتبة جنوبية.
كانت الصحافة الجنوبية تترفع عن الإساءات الشخصية، حتى لخصومنا، وكانت الايام تسيطر على سوق الصحافة حتى في الشمال، وأرقام التوزيع شاهدة على ذلك، وفي المقابل فأن الضرر الذي لحق بالجنوبيين كان من اجهزة السلطة وليس من الصحافة او الصحافيين من الشمال، بل ان بعضهم تعاطف مع القضية الجنوبية نظرا لأن اهل هذه القضية يعرضونها على الراي العام بنزاهة ودون اساءة او ابتذال لفظي.
عندما تفقد الصحافة وظيفتها كعين للمجتمع تتبنى قضايا الناس وهمومهم ومعاناتهم، وترتفع فوق الاشخاص، مدحا او ذما، عند تفقد هذه الصفات تفقد معها الاحترام والهيبة وتتحول الى مسخ لا لون له ولا طعم ولا رائحة، لهذا ليس غريبا ان تختصر طريقها الى المطاعم بدلا من المكتبات (اليتيمة اصلا) ومن يد القارئ الى صناديق الزبالة).
عدن
٢٩ اكتوبر ٢٠٢٤م