آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-08:11م

محمد المياحي التغييب الذي لا يغيب ودور المثقف

الإثنين - 28 أكتوبر 2024 - الساعة 02:48 ص
د. لمياء الكندي

بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب



د. لمياء الكندي


محمد المياحي ذلك الشاب الذي نسج علاقته وملكته الكتابية بحرفية امتزجت مع رؤى وتصورات نقدية للحالة اليمنية الخاصة التي فرضت نفسها لتكون جزء من هوية الكاتب الملقحة بأبجدية ثقافية وفلسفية كانت ثمرة إطلعاته التي جعلت من قلم الرجل وكل ما يصدره رياعه عبارة عن ثورة في الأسلوب الكتابي وفق مبدأ فلسفي تم إسقاط نظرياته النقدية لتجد نفسها حاضرة فيما يكتبه.


غالبا ما كان المياحي يكتب بقلم مشاغب وروح متمردة وحروف اشتقت من معاني السمو والجمال الذي يرفض القبوع في قبو العتمة المتدثر بزوايا الظلام الهامشية التي تحاول أن تسطو على كل حياتنا وتصادر كل بقعة ضوء لم تصل إليه جحافل الغزو الطارئة التي طرأت قسرا على حياة اليمنيين.


كتب محمد عن الحب والعشق وصدر من خلال كتابته تلك ملامح جديدة لشباب يمني يتوق أن يعيش حياته بدون وصاية تقيد مشاعره او تصادر خفقات قلبه تحت مسمى العيب غير ابهين بما يعانيه هذا الجيل المحاصر بالفقر والحرب، هذا الجيل الذي وجد من يقرأ منه لمحمد المياحي طعم مختلف لفلسفة الكتابة ومتعة القراءة وسط مجتمع يمارس سطوة الكبت مخافة الإنحراف.


كان محمد المياحي يدرك أن استمرار قلمه في الكتابة عن مشاعره ومشاعر أبناء جيله او الكتابة عن تلك النظريات الفلسفية و التجارب الفكرية الانسانية التي منحها الكثير من وقته دون أن تنعكس روح الثقافة وحكمة الفلسفة وإلهام النبوة المكتملة بالقضية على واقعه الحياتي الذي بات يرتبط بحال كل اليمنيين كما يرتبط بالسياسة العامة التي يصدرها من يحكم البلد محاولة كتابية ناقصة.


لقد سمعنا بمن يطالب بفصل الدين عن الدولة وكيف تم سلبا وايجابا التعاطي مع هذه المسألة التي خلقت تيارات مناصرة ومعارضة لها، ولكننا لم نسمع بمقولة فصل الثقافة عن السياسية أو فصل الثقافة عن الدولة إلا في الحالة اليمنية الراهنة.


نعم ففي كل يوم يمر علينا نجد من يدعوا لفصل الثقافة والمثقفين عن الخوض في مسائل ترتبط بالسياسة او تتعلق بالدولة، وكأننا في فضاء مستقل او نعيش في عالم زهري لا يستوجب النقد، كأننا نتقاسم حياتنا مع كائنات ملائكية تحكمنا وكأن أولوياتنا في الحياة مستثناة بمطالبة الرفاه، وكأن مطالبنا بالحرية مجرد ترف زائد عن الحاجة كما لو كنا نسكن دبي او هونجكونج او سدني وأخواتها.


ان الحديث عن مطلب فصل الثقافة عن السياسة او فصل المثقف عن الكتابة والحديث عن الواقع السياسي الذي تمر فيه اليمن من قبل سلطة الشرعية، او سلطة صنعاء الكهنوتية التي ضربت صور فضيعة من حالة الإجهاض الفكري المتعمد لكل أشكال الفكر والتنوير والنقد لممارساتها وسياستها، فامتلأت سجونهم بسجناء الرأي واعتبر كبار كهنتهم المخاطر التي تنتج عن الأقلام التي ترصد تشوهات سياستهم وتعري فضائح ادعاءاتهم وتنزع ستر خرافتهم هي أكبر الأخطار التي يتجاوز تأثيرها تأثير الطلقات النارية في معارك الحرب.


لقد أرادوا للمثقف في صنعاء ان يكون بوقا لخرافة الدجل او شحات يتوسل عبر كتابته فتات الموائد وهامش المجالس التي تصلي وتسلم على كهنة البلاد الجدد وتنحني أمام من باتوا قصرا يطلقوا على أنفسهم مسمى السادة.


والمثقف الناجي في صنعاء هو من التزم الصمت والتزم الحياد، من تختنق في صدره العبره وهو يرى وطنة يقدم على طبق من صفيح ليشبع من خيراته كل نطيحة وجرذ تستهويه رغبة الحكم بادعاء سلالي صرنا نحن وشعبنا العربي في فلسطين اخر شعوب الأرض التي تعيش واقع نازيته وكهنوت خرافته المتبجحة بإرهاب القوة ووقاحة الفكرة وبشاعة الوسيلة.


لقد انعكست المخاوف من تأثير المثقف وكتاباته مع تحقق وسائل النشر عبر تطبيقات السوشيل ميديا على قمة الهرم الدكتاتوري الحاكم الذي وجه ادواته واجهزتة الأمنية والاستخباراتية لقمع حالة المثقف الواعي وقمع الحركة الثقافية ككل ووصل الأمر الى تهديد الاقلام الحرة التي تتبنى القضايا المهمة التي ترتبط بحياة الناس وواقع معيشتهم وسياسة التجهيل المتعددة التي يتعرض لها الشعب وسلبها جوهر وروح مكنوناتها وردع وترهيب كل من يكتب حولها.


يرافق ذلك ممارسة منهجية من التضليل المتعمد وتزييف الحقائق وتتويه الشعب بقضايا وشعارات خارج اهتماماته ومعاناته وتمييع قضيته واحتياجاته، واغراقه بالزيف والتفاهة ليتناول موضوعات واهتمامات خارج السياق الوطني والأزمات اليومية التي تمر به في عملية أشبه بالتخدير العام تحت تأثير الدعاية المنظمة المضللة، والإرهاب السلطوي المنظم الذي يمارس ضد الشعب وبالأخص الفئات المتنورة والمثقفة او تلك الفئة البسيطة بثقافتها لكنها غنية بما تملكه من حرية ووطنية باتت مهوى سلوكها وغاية حلمها وسر وجودها، وهذه الفئة اثارت غبار الهكنوت الإمامي الذي حاول ان ينتفض في وجهها وهم يحاولون إخبارهم انهم يمثلون شعب الجمهورية العظيم من فلاحين وباعة وبسطاء قرروا ان يحتفلوا بتاريخ جمهوريتهم وثورتهم المجيدة صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر، لذا قررت جرذان الكهف ان تهدم معبد سبتمبر وقدسية الوطن والثورة على رأس كل يمني يناهض إماميته، فوجهوا اجهزتهم لتمارس قمع الشعب وترهبه بصميل الجهل وقيود السلطة الغاشمة فقرروا ان تصل أيديهم الوسخة إلى أحرار سبتمبر وهم يرفعون الأعلام ويهتفون رددي أيتها الدنيا نشيدي.


لم يخرج المثقف والكتاب الجمهوري محمد المياحي ولم يستثنى من اجندات القهر الذي تمارسه العصابة الحوثية ضد أبناء سبتمبر وهو المغيب في سجونها لأنه فضح ادعائها وجنايتها بحق الشعب وهو يتجول في ساحات وشوارع صنعاء التي أرادوا لها الخروج البذيئ في احتفالية جندوا لها اقذر أدواتهم لتزييف الوعي اليمني ونهب ثروات اليمنيين وتعميق حضور سلطتهم السلالية تحت مسمى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.


وجد المياحي نفسه حاضرا وشاهدا على جريمة السلالة في صنعاء وجنايتها على شعبها فكتب عن لون السلالة الأخضر الذي غشى كل شيء فيها كتب عن الادعاء وعن الخرافة وعن السلطة السلالية، وكتب عن سبتمبر وكانت كتابته تلك بمثابة خيار استشهادي يمارسه المثقف الوطني في ظل سلطة كهنوتية قابضة على أمنها وبقائها بالجهل المصحوب بالقوة الرادعة والمرهبة للحقيقة لكنه لم يرتهب ولم يخف ومضى في تجريده لجرذان السلالة لتعلن بعد أن ضاقت به اعتقاله لتغيبه في سجون القمع والترهيب وهو المغيب الذي لا يغيب وتمنع عن أهله معرفة أدنى معلومة تخبرهم ان محمدا مازال بخير.