يشهد الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية معقدة، تتأثر بملفات عدة من أبرزها الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتوترات بين إسرائيل ولبنان، فضلًا عن تأثيرات الحرب في اليمن. وفي خضم ذلك، يبرز محور “المقاومة” الذي يضم عدة قوى في المنطقة، مثل الحشد الشعبي العراقي، حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، إلى جانب الحوثيين في اليمن. يلعب كل طرف من هذه الأطراف أدوارًا مختلفة في هذا المحور، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن أن تتطور أدوار الحوثيين ضمن هذا المحور، خاصة في سياق الصراعات المستمرة في غزة ولبنان ؟ تتطور مليشيا الحوثي، المعروفة أيضًا بأنصار الله، بوصفها قوة سياسية وعسكرية تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن، وهي مرتبطة بعلاقات غير رسمية بإيران، مما جعلها جزءًا من المحور الذي يجمع بين إيران وحلفائها في الشرق الأوسط. وتعتبر العلاقات بين الحوثيين وإيران عاملًا رئيسيًا في انخراط الحوثيين في محور المقاومة؛ فالدعم الإيراني للحوثيين يمتد من التسليح إلى التدريب والمساعدات التقنية، وذلك ضمن استراتيجية إيرانية لزيادة نفوذها في المنطقة وتشكيل توازن ردع ضد النفوذ الإسرائيلي والغربي. أبدت مليشيا الحوثي موقفًا داعمًا للفلسطينيين وأدانت العمليات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. كما أعلنت مرارًا عن وقوفها بجانب المقاومة الفلسطينية. ومن الممكن أن يتطور دور الحوثيين ليشمل دعمًا أكثر فعالية عبر توفير الإمدادات، وتقديم المعلومات الاستخبارية، وحتى تنظيم احتجاجات وأنشطة إعلامية لتحفيز الرأي العام في العالم الإسلامي. يحتمل أن يتسع هذا الدور ليشمل محاولات تقديم دعم عسكري غير مباشر، من خلال نقل التقنيات العسكرية التي قد تكون حصلت عليها من إيران. ولكن هذه الاحتمالية تبقى مقيدة بالواقع الجغرافي والسياسي، إذ يصعب نقل الأسلحة من اليمن إلى فلسطين بسبب المسافة الطويلة والعوائق اللوجستية. يمكن أن يساهم حزب الله في تسهيل تنسيق حوثي أكبر مع المقاومة الفلسطينية عبر قناة اتصال مباشرة، نظرًا لعلاقات حزب الله الوثيقة مع حماس والجهاد الإسلامي، وكذلك إيران. ومن الممكن أن يكون هناك نوع من تبادل الخبرات العسكرية والتقنية، حيث يمكن للحوثيين الاستفادة من خبرات حزب الله في تكتيكات المقاومة. في هذا السياق، قد يقوم الحوثيون بتطوير قدرات طائراتهم المسيّرة وصواريخهم، بما يمكنهم من تهديد المصالح الإسرائيلية بطرق غير مباشرة. وقد ألمح الحوثيون إلى قدرتهم على توجيه ضربات لإسرائيل من اليمن، وقد نفذ الحوثيين عدة هجمات وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، ويضيف تحديًا جديدًا لإسرائيل.
يبدو أن الحوثيين يسعون إلى تعزيز موقعهم داخل محور المقاومة عبر تقديم أنفسهم كفاعل إقليمي قادر على لعب دور في الصراع مع إسرائيل، وإن كان هذا الدور لا يزال في مراحله التكوينية. في ضوء استمرار التحالف مع إيران، يمكن تصور عدة سيناريوهات لدور الحوثيين في محور المقاومة مستقبلاً ومنها
استغلال وسائل الإعلام التابعة لهم لنشر دعاية تحفيزية للمقاومة وتكثيف الدعم المعنوي للفلسطينيين وللشعوب المتعاطفة مع المقاومة. بإلإضافة الى التنسيق الميداني والاستخباري حيث قد يتعمق التنسيق الاستخباري بين الحوثيين وحزب الله أو الحرس الثوري الإيراني لدعم العمليات في الأراضي الفلسطينية، عبر استهداف مواقع حساسة أو الضغط على مصالح إسرائيل بطرق غير مباشرة. كما قد يقوم الحوثيون، بدعم إيراني، بتطوير تكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى لتكون قادرة على استهداف المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر أو حتى المناطق الجنوبية لإسرائيل، مما يضعهم كطرف إضافي في الصراع، قادر على التأثير عن بعد. وأيضاً ومع تعاظم التحديات الإقليمية، قد ينشأ تحالف أو تنسيق سياسي أكثر رسمية بين الحوثيين وباقي أطراف محور المقاومة، مما قد يمنحهم دورًا دبلوماسيًا أوسع في دعم القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية.
بالرغم من الطموحات الحوثية، يواجهون تحديات كبيرة تحد من فعالية دورهم في محور المقاومة. من بين هذه التحديات هي العوائق الجغرافية واللوجستية حيث يعاني الحوثيون من صعوبة في الوصول إلى الأراضي الفلسطينية أو لبنان، حيث يتمركز أغلب القوى التقليدية لمحور المقاومة. كما قد يؤدي توسيع الحوثيين لدورهم في محور المقاومة إلى استثارة ردود فعل مضادة من دول المنطقة، خاصة السعودية والإمارات، اللتين تعتبران الحوثيين تهديدًا مباشرًا. بإلإضافة الى ذلك تعاني اليمن من وضع إنساني واقتصادي متدهور بسبب الحرب المستمرة، مما يجعل توسيع نشاط الحوثيين خارجيًا تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل الحاجة إلى استقرار مناطقهم. ختاماً يبرز الحوثيون كفاعل جديد نسبياً داخل محور المقاومة، مع سعيهم لتعزيز دورهم إقليميًا، سواء في دعم القضية الفلسطينية أو في مواجهة النفوذ الإسرائيلي. ورغم التحديات الجيوسياسية واللوجستية، فإن التحالف مع إيران يمنح الحوثيين نافذة لزيادة تأثيرهم في هذا المحور، على الأرجح عبر استخدام أساليب غير تقليدية مثل الحرب السيبرانية، والدعاية الإعلامية، والعمليات العسكرية عن بُعد. ومع تطور الصراع في غزة ولبنان، من المرجح أن يسعى الحوثيون لتعزيز حضورهم كطرف مؤثر على المستوى الرمزي والعسكري في مواجهة إسرائيل، ليقدموا أنفسهم ليس فقط كقوة إقليمية في اليمن، ولكن أيضًا كجزء لا يتجزأ من محور المقاومة الأكبر في الشرق الأوسط.