في بلد تتصارع فيه خمسة مشاريع سياسية واربعة جيوش وثمانية رؤساء وثلاث حكومات، يصبح من الطبيعي جدا ان تتفاقم تبعات هذه الصراعات على اوضاع الناس المعيشية عموما وعلى تدهور قيمة العملة المحلية التي يشكو منها الناس على وجه الخصوص.
وبدون توحيد القوى المتناحرة بمشاريعها السياسة وقواها الميليشاوية وإخضاعها لدولة اليمن الشرعية الواحدة بمؤسساتها الرسمية، لايمكننا انجاز معالجات اقتصادية أو مالية ولو أستقدمنا خبراء عالمين أو استحضرنا حتى (عفاريت عدلي علام).
وعليه فأنه من غير المعقول ان نحمل المسؤلية على رئيس الحكومة او رئيس مجلس القيادة او وزير اوشخص بعينه.
والملفت للنظر اننا نتفاجا باشخاص كنا نعدهم من حكماء هذا البلد يحاولون ايهامنا كشعب انه لو كان فلانا رئيسا لمجلس القيادة أو لو عينتم فلانا رئيسا للحكومة الشرعية لتمكن من ايجاد الحلول السحرية لكل هذه المشاكل.
وبالنظر الى معطيات الواقع سنجد اننا لسنا بحاجة للحديث عن الكفات الشخصية في هذا التوقيت، اذ لايمكن لاي شخص او جهة ان تحدث معالجات إقتصادية ونقدية بمعزل عن معالجة الوضع السياسي متعدد الاقطاب مهما كانت قدراتها ومهما كانت حاجياتنا لهذه المعالجات.
لإن الذي يحدث باختصار شديد ان كل قطب داخل البلد يوظف كل إمكانياته لافشال الحكومة الشرعية وتنفير الناس من حولها والسبيل لوحيد والاكثر تاثير لهذه القوى هو التلاعب باوضاع الناس المعيشية ورفع معدل معاناتهم إلى اقصى حد ممكن.
وللاسف الشديد ان الحملة النقدية البارزة على السطح والتي تقفز على معطيات الواقع إلى الاقتصاد المعيشي واسعار العملات بمعزل عن الاوضاع السياسية والادارية ،تعيدنا إلى المربع الذي تخندقنا فيه جميعا في احداث فبراير ٢٠١١.
حيث كنا نعتقد ان ازالة شخص علي عبدالله صالح من موقعه الرئاسي وإستبداله باخر سيحيل اليمن الى جنة فردوس لساكنيها، كون الاعلام الذي كنا يحرضنا ويتلاعب باحلامنا الوردية في التغيير ومشاعرنا الثورية وقتها، لم يسلط الضوء على مشاكل اليمن الحقيقية وقضاياها المستعصية على قدرة الشخص ومعاونيه مهما كانت مؤهلاتهم العلمية وقدراتهم الادارية ، فما بالكم بالوضع المتشضي الذي تعيشه اليمن حاليا.
ومازال البعض يفكر بنفس الطريقة ولايدري هولاء المزايدين على حكومة بن مبارك ورئاسة العليمي ان التفكير باصلاح الاقتصاد المعيشي بمعزل عن الفوضى السياسية الراهنة وتعدد قواها المتناحرة على ارض الواقع، يعد ضربا من التفكير الخرافي وتماديا في الغي السياسي.
هذا اذا تحاشينا وصف الحملة الداعية لمعالجة اسعار الصرف، بانها حملة تحريضية تستفيد منها جهات معينة هي اكثر الفئات المتسببة في الحاق الضرر باليمن واليمنين.
علما بان تعاطينا مع المشكلة بواقعية لايعني اننا ننكر خطورتها ولاننكر حجم الضرر الذي لحق بالناس بسببها ، لكننا ندعوا للتفكير بجدية شاملة لمجمل الاسباب الحقيقية لهذه المعانات.