ليست مصادفة أن تكون العصاء آخر ما ألقاه بطل الأمة ، وإيقونة الأحرار المجاهد العظيم ( يحيى السنوار ) في وجوه جنود الاحتلال....
كلَّا وحاشا ....
ولكن تلك الحادثة لها قيمتها ، ولها دلالتها ، ولها رمزيتها ، ولها مفاهيمها في ميدان الصراع بين الحق والباطل .
ذلك أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين العصا ، والصراع مع بني إسرائيل ، ولها تاريخ مديد ، ترجع جذوره إلى تلك اللحظة التي قرر فيها سيدنا موسى الرجوع إلى مصر بعد أن قضى حوالي عقداً من الزمان أجيراً عند نبي الله شعيب .
فبينما هو في طريق عودته وقد استاق قطيعاً من الأنعام ، وفي يديه عصاه الملازمة له....
سمع صوتاً من السماء يقول له : (وما تلك بيمينك يا موسى ؟
قال : هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى )
قال : ألقها يا موسى ، فألقاها فإذا هي حية تسعى ) .
ومن هنا بدأت حكاية العصا في الصراع مع بني إسرائيل ، وكانت تلك العصا أهم وأخطر معاول الهدم التي حطمت ملك فرعون ، وأزالت ظلام الباطل الذي مارسه على شعبه .
وهاهو موسى يتلقى الأمر ، والتكليف الإلهي للذهاب إلى الطاغية فرعون - والذي هرب من بطشه قبل عقد من الزمان - وليس له منعة - بعد الله - إلا عصاه ، وليس له قوة مادية إلا ذلك العود اليابس الذي يحمله بكلتي يديه !!
فما أن وصل إلى فرعون حتى ألقى تلك العصا أمام الجبار ، الظالم ....فإذا هي ثعبان مبين .
فكانت تلك هي الضربة الأولى التي هزت أركان عرشه ....
فحاول فرعون أن يلملم خيبته ، وأن يطبب مصابه ..
فدعا السحرة للنزال أمام موسى ، فقام بجمع الناس لتشاهد النزال ، وجاء السحرة ليزيفوا وعي الشعب ، ويزينوا للباطل ..... فألقوا حبالهم ، وعصيهم فخُيَّل للناس من سحرهم أنها
تسعى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) تسرب الخوف إلى قلبه وذلك من شدة براعة أولئك السحرة ، وقدرتهم على التلاعب بمشاعر الجماهير .
وفي تلك اللحظات يتلقى النداء من ربه :
( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) ...
أنت الأعلى بما تحمله من الحق ، الأعلى بما في يديك من البرهان الكاشف لزيف المطبلين..
( وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا )
وعلى الفور ألقى العصا....فإذا هي تلقفوا ما صنعوا ....
وفي حالة ذهول وصدمة .. تغير كل شيء ، وانكشف الزيف ، وتعرى الباطل ، ولعلع صوت الحق ، وأشرقت القلوب بنور ربها ..
(فألقي السحرة سجدا ، قالوا:آمنا برب هارون وموسى) !!!!
إنها اللمسة تصادف العصب الحساس فينتفض الجسم كله ، وتصادف "الزر الصغير" فينبعث النور ويشرق الظلام ، إنها لمسة الإيمان للقلب البشري تحوله في برهة ...من الكفر إلى الإيمان ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الإستكانه إلى العزة .
في تلك اللحظات الحاسمة جنَّ جنون فرعون ، فصاح كالثور الهائج وقرر استخدام لغة الإبادة الجماعية لكل من يقف في طريقه ...
لأقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ..
إنها الحماقة التي يرتكبها كل طاغية ، حينما يحس بالخطر على عرشه أو شخصه ، يرتكبها في عنف وغلظة وبشاعة .
وفي جنح الظلام تسلل موسى هو وصحابه خلسة - خوفاً من بطش فرعون - وبينما هم قد أوشكوا على الوصل إلى البحر ....رفعوا أبصارهم فإذا بفرعون على مقربة منهم ، فأيقنوا
أنه الهلاك لا محالة ( البحر أمامهم ، وفرعون خلفهم ) فقالوا : ( إنا لمدركون ) .
هنا تقدم موسى فرفع صوته بلغة الواثق من ربه فقال :( كلا أنَّ معي ربي سيهدين ) .
استخدم لغة الوكيد لتطمئن قلوب أصحابه ، وهو واثق من أنَّ ربه سينصره رغم أنَّه في وسط اللهب ، وكل المؤشرات المادية تؤكد أنَّ المواجهة هنا خاسرة .
وهذا ما ينبغي أن يستشعره المسلمون اليوم في مواجهتهم للباطل ، وفي صراعهم مع طواغيت العصر الحديث ( إستشعار معية الله ، وتأييده ، ونصره ، وحفظه لهم ) .
فلمَّا بلغ الكرب منتهاه وتراءى الجمعان ، وأوشك فرعون على الإمساك بهم ،وكادت المصيبة أن تقع ...
هنا تدخلت القدرة الإلهية لتحصل معجزة غير متوقعة ، وإذا بموسى يضرب البحر الزاخر ، الهائج ، العظيم ....يضربه بتلك العصا الصغيرة ،ذلك العود اليابس القديم ..
فينفلق نصفين وكأنَّه جسر نُصب على ظهره ، فتسابق القوم يهرولون عليه من بطش فرعون حتى تمكنوا من اجتيازه بسلام ، وواصل الطاغية الغبي سيره ظاناً أنه سيلحق بهم .
فلما وصل منتصف الطريق ، أمر الله موسى أن يحرك ذلك الجندي ( العصا ) ليضرب بها البحر مرة أخرى فيهلك فرعون ومن معه ، وتنتهي قصته المؤلمة ، ويستريح الشعب من بطشه وظلمه .
اليوم تُعاد ذكريات العصا في الصراع مع اليهود...
فهاهو البطل المغوار ( السنوار ) يرمي عصاه التي كانت آخر مالديه من وسائل المقاومة في وجه طاغية العصر ( النت ياهو ) ويختم بها حياته .
فمن دون شك ، ولا ريب ، ولا مواربة .....
أنَّ لإصرار السنوار أن تكون العصا آخر ما يرميه في وجوه اليهود ....هي أبلغ رسالة لأتباعه أن يوصلوا المشوار ..
وكأنه يقول لهم : إنها عصا النهاية لمجرم العصر ( النت ياهو ) .
فبالأمس هلك سلفه ( فرعون ) بعصا موسى ...
واليوم سيهلك هو ( بعصا السنوار ) ..
لا تشغلوا أنفسكم ( كيف سيهلك النت ياهو ، ومتى سيهلك ، وكيف سيزول هذا الكيان القذر ) .
فكل ذلك بمقدار يقدره سبحانه وتعالى.
فما بين هذه العصا وتلك العصا .....
ينتصر الحق ،،،