في عامي 1966م و 1967م وهي السنتين الأولى من خدمتي في جيش الجنوب العربي، كنت اناوب مرة الى مرتين بالشهر في عمليات الجيش وكان يشاركني في المناوبة احد الصف او الجنود من الكتبة الانجليز.
كانت مهمتنا استلام البرقيات الواردة من كتائب الجيش وفروعه الادارية والمتضمنة أحدث الوقائع والمستجدات العسكرية والامنية في انحاء البلاد خلال 24 ساعة اي من بداية المناوبة في الساعة السابعة صباحا حتى الساعة السابعة صباحا اليوم الذي يليه.
اتولى مع الكاتب الانجليزي طباعة تقرير الموقف العسكري والامني في البلاد اقوم بطباعته باللغة العربية ويقوم الانجليزي بطباعته باللغة الانجليزية.
في يوم من أيام شهر رمضان الكريم سألني الكاتب الانجليزي انت صايم سيدي يخاطبني بكلمة "سيدي" لأني كنت وكيل عريف وهو جندي فرديت عليه نعم والحمد لله.
ابتسم قائلا حدث ان احد اصدقائي (انجليزي طبعا) كان متحرك قبل اسبوع بسيارته الشخصية وفي جولة ريجل شاهد مواطن واقف ظهرا في جولة ريجل فعطف صديقي على الرجال. قال اكيد صايم والوقت كان منتصف اليوم في رمضان، فتوقف صديقي ليركب المواطن معه من جولة ريجل.
في منتصف الطريق المؤدية من جولة ريجل الى جولة كالتكس اخرج المواطن من جيبه علبة سيجارة يعرضها على صديقي الذي استغرب فتوقف مباشرة وطلب من المواطن النزول من السيارة، فانزله من السيارة ليتحمل عناء ما بقي من الطريق وسط حرارة الشمس.
تعمدت اليوم ذكر هذا الموقف الذي حدث في عصر الاحتلال والذي يكاد ان يكون بسيطا حين لم يكن هناك مجالا يذكر للمجاملين والمنافقين مثلما هو حاصل اليوم من نفاق ومجاملات في قضايا وطنية كبرى تمس حرية واستقلال وأمن الوطن.