في الفترات الماضية ومنذ أن لجأت اليمن إلى مؤسستي الصندوق والبنك الدوليين في العام 1995 في أعقاب حرب 94 للمساعدة في إصلاح الاختلالات المالية والنقدية وتنويع الهيكل الاقتصادي للبلاد لم تستطع حكومات المؤتمر المتعاقبة إنجاز الاصلاحات المالية الصعبة واهمها رفع الدعم عن النفط ومشتقاته بحيث تباع في السوق المحليةباسعارها الحقيقية حسب توصية صندوق النقد الدولي نظرا لحساسية الإصلاحات السعرية خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنزين والديزل والمازوت لأن رد الفعل الشعبي ستكون عنيفة ولذلك تجنبت الحكومات المتتالية رفع الدعم على هذه السلعة الاستراتيجية .
وقد ظل صندوق النقد الدولي يقول في تقاريره السنوية التي تتناول الوضع الاقتصادي في اليمن أن أسعار النفط في السوق المحلية تباع بنصف السعر العالمي وان الدعم الذي تقدمة الدولة حسب الصندوق بلغ 7في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 واضاف الصندوق لهذا السبب أصبح النفط يهرب إلى الخارج وان الدعم لايصل للفقراء بل يستفيد منه الأغنياء في اليمن واقترح تعويض المواطنين نقديا للتخفيف من أثر رفع الدعم .
وقد أصر الصندوق بضرورة تنفيذ توصياته بعد أن وعد بمنحة مالية بمبلغ 950 مليون دولار لدعم الموازنة العامة للدولة عندما لجأت
له حكومة الوفاق الانتقالية برئاسة الاستاذ باسندوة لإصلاح الاختلالات المالية في أعقاب تفجيرات أنبوب النفط الذي ينقل النفط من مأرب إلى رأس عيسى في البحر الاحمر وعلى اثر تراجع أسعار النفط عالميا منذ ذلك الحين أصبحت اليمن مستورد صافي للنفط ومشتقاته .
الصندوق في طلب تنفيذ توصيات لم يكترث بالظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها اليمن آنذاك وبذلك قبلت الحكومة التحدي بنية اصلاح فاتورة النفط وان بشكل تدريجي حيث أقرت في النصف الثاني من عام 2014 رفع الأسعار وبنسب (20 '50 و100في المائة)للبنزين والديزل والمازوت على التوالي وعلى إثر ذلك خرجت في العاصمة صنعاء مسيرات ضخمة عفوية وتحديدا من قبل المزارعين خاصة وأن اليمن شهدت في تلك الفترة موجه قاسية وطويلة من الجفاف ولذلك عمل الحوثيون على امتطاء الهبة الشعبية العفوية احتجاجا على رفع أسعار النفط وسخرها لخدمة أهدافه والقصة وماحدث بعد ذلك من تطورات سياسية وعسكرية واضحة ..
اليوم أسعار النفط ومشتقاته تباع في السوق المحلية باستثناء الغاز بإعلا من اسعارها في الخارج ويقبلها المواطنين على مضض ولم تاتي بموجب إصلاحات اقتصادية ولكنها جاءت كنتاج للأزمة الاقتصادية والسياسية وتوقف انتاج وتصدير النفط وللحرب كمتغير مستقل التي لازلت تعاني منها البلاد بعد مضي عقد كامل بالتمام و الكمال .
لذلك من المتوقع في مرحلة السلام القادمة إن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية الحقيقة ستصبح حاجة وضرورة وطنية ولا نحتاج للمؤسسات الدولية سواء في تقديم المشورة الفنية وتقديم الدعم دون شروط .
فقد أدت المعاناة والفاقة والفقر وتراجع الدخول الى توفير البيئة المناسبة لأي حكومة وطنية قادمة مخلصة تستهدف استنهاض البلاد اقتصاديا وتعويض المواطنين عن مراحل الحرمان والبؤس وهذا يعني أن الأزمات مهما كان حجمها وقسوتها ستخلق معها الفرص ..
وحدها فاتورة المرتبات وخاصة مرتبات المؤسسات الأمنية والعسكرية والجيوش الجرارة المدعومة خارجيا ستكون حملا وعبئا ثقيلا على أي حكومة وطنية توافقية قادمة بعد أن التحق بها اعداد متعاضمة من الشباب لاتتسع لهم ولا تستطيع أن تستوعبهم الموازنة العامة للدولة ولذلك لحل هذا الملف يتعين التوافق مع المانحين في أن يستمر دعم المرتبات لخمس سنوات قادمة على الأقل لتميكن اي حكومة من الحل التدريجي لهذه المشكلة ومنها مرحلة من التكيف النفسي وٱعادة تأهيل وتدريب المنخرطين في هذه المؤسسات ليعملوا في قطاعات الاقتصاد الوطني وفي اعمال منتجة ومفيده عبر برنامج دولي ومحلي واسع النطاق يحضى بدعم المانحين ومنظمات الأمم المتحدة و المؤسسات الدولية الداعمة .
د.يوسف سعيد احمد