قابلت يوم أمس زميل عزيز على قلبي وهو دكتور جامعي فاضل دمث الأخلاق نشيط جداً نادراً ما يغيب، يحب أن يكون في قاعة المحاضرات بين طلابه فهو يجد نفسه في هذا المكان المقدس بين طلابه كما يقول ذلك باستمرار عندما نلتقي به ونسلم عليه ...
كنت دائماً عندما التقي به يبتسم لنا ويستقبلنا بحفاوة بالغة ويمدنا بطاقة إيجابية، ولكن يوم أمس رأيته شخص آخر في وجهه نظرة انكسار وحزن عميق وعبوس وتذمر وهذه ليست من عوايده!!!، فقلت له مالك يا دكتور، هل أنت مريض!؟
فأخذ نفس عميق ونفثه، وقال جاءني مولود جديد فسبب لي عجز مالي وما قدرت أن اختنه، وقدك تعرف أن الراتب يالله يكفي إيجار ومتطلبات الأسرة من راشن وخضرة ودواء ومدارس ... الخ !!!
تصدق يا أخي أنني اليوم لم يتوفر لدي حق المواصلات ولو تعلم من أين أخذت حق المواصلات لن تصدق هذا ابدأ !!!
جاء نساء الحافة يزاوروا زوجتي بعد الولادة واعطينها (قهوة) وهو مبلغ بسيط من المال وأنا اخذت هذا المبلغ مواصلات كي اذهب الى كليتي واحاضر طلابي !؟!، وكانت عيونه حمراء وكأنها ستنفجر من الغضب !!! وقال والله كرهت نفسي، دكتور لا يستطيع أن يختن إبنه ويأخذ حق المواصلات من زوجته النفاس !!!
فهونت عليه وقلت له أنت رجل مثل الجبل لن تهزك هذه الريح العابرة، إن شاء الله تنتهي هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وقلبت الموازين رأسا على عقب، وجعلت الشرفاء أمثالكم يعانون أشد المعاناة ولا يجدون حق المواصلات بينما الفاسدين السرق يتبوؤن أعلى المناصب وينهبون خيرات البلاد !!!
ثم ودعت زميلي الدكتور وذهبت إلى قاعة المحاضرة وأنا حزين على زميلي الذي لم أستطع أن اساعده لأني منتظر الراتب الذي لو كان يأتي في وقته كنت أخذت منه ولو القليل لمساعدة زميلي ولكن دائمًا يتأخر، وكنت في صراع نفسي رهيب وكئيب !!!
*د.غسان ناصر عبادي*