د.امين عبدالخالق العليمي
في بلاد العجائب، نعيش يومياً مغامرة جديدة، حيث تصبح أبسط الأمور اختباراً لصبرك، وأحياناً لاختبار قدراتك على ضبط النفس حتى لا تخرج من طورك وتصير نجماً في برنامج الكاميرا الخفية،
تبدأ القصة عندما تقرر مغادرة بيتك، جاهزاً لليوم بكل تفاؤل، تفتح الباب، وما ان تخرج من باب العمارة، الا وتستنشق رائحة البلاليع، المُزكمه للانوف، واذا باحد المتخصصين بفن الذوق الرفيع قد رمي القمامه في شارعك ونثرها كالورود علي الشارع مع راحة بامبرز الاطفال، وماان تصل ناصية الشارع، فتتفاجأ بالبني ادم العزيز الذي يصبح عليك كل يوم بدلاً من قول صباح الخير، يُلقي عليك محاضرة عن كيف كانت الحياة أفضل في الماضي، ويذكرك أن كل شيء يسير من سيئ إلى أسوأ، كأنه الصحفي الأول في نشرة أخبار التذمر اليومي،
تهرب إلى سيارتك، محاولاً الفرار من هذا المُود السلبي، ولكنك تصطدم مباشرة بالموجة التالية:
زحمة مرورية من الطراز الأول، بسبب سائق رفيع الذوق جالس يشرب شاهي فوق الدباب او تاكسي الاجره غير مبالي بغيره، والجميع في عجلة من أمرهم،
كل السائقين يتصرفون وكأن لديهم موعداً لا يمكن تفويته مع أحد الكواكب البعيدة،
تجد نفسك عالقاً بين سيارة قررت أن تمشي بسرعة السلحفاة، وأخرى يعتقد سائقها أنه سائق "فورمولا ون"
تصل إلى العمل، وأنت تقول في نفسك:
،أخيراً، ملاذ آمن، لكن هيهات!
زميلك الغالي في المكتب قد استيقظ بمزاج الناقد الرسمي ، وقدشرب قهوة الاحباط والاكتئاب، فتبدأ دوامك بنشرة اخبار طويلة عن أداء العمل، واقتراحات لإصلاح كل شيء، حتى آلة تحضير القهوة المسكينة الجِزوه يقول لك لو كان لها اذنين كان افضل من اذن واحده ولم تسلم من نقده اللاذع حماها الله من ان تحترق اذنها الوحيده،
في واحة الافطار ، تهرب إلى المطعم أو الكافتيريا القريب، لكنك تجد نفسك محاصراً بنقاشات زبائن لا تعرفهم، كل منهم يرى أنه الحل الوحيد لكل مشاكل الكون، واحد يُلقي خطبة نارية عن السياسة وكأنه مستشار رئيس الدولة، والآخر يتحدث عن فوائد زيت الزيتون وكأنه طبيب قديم في اليونان، وأنت جالس هناك، تحاول جاهداً أن تتناول افطارك دون أن تنفجر من الضحك أو البكاء!
تعود إلى المنزل بعد يوم طويل، وتأمل نفسك في لحظة من الهدوء والاسترخاء، تفتح التلفاز، وإذا بالبرامج الترفيهية تتحول إلى مهرجان للنكد،
أخبار سياسية؟ كلها مشاكل وأزمات،
قنوات التسلية؟ حدث ولا حرج:
برامج مسابقات سخيفة تجعل من الهوايات العادية مشاريع كبرى، مباريات عالم الدومنه، كيف تتعلم الباصره في يومين(لعبة البطه)،
حتى الإعلانات التجارية، تبيع لك منتجاتك التي تحتاجها على أنها العلاج السحري لكل أزماتك النفسية!
تتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد نفسك في مواجهة مع جماعة "أصدقاء النكد الدولي"،
في كل مجموعة، أو جروب، وكل صفحة، تجد من يتفنن في نشر الأخبار السيئة، التحليلات العجيبة، والشائعات التي لا يصدقها حتى مؤلفو أفلام الخيال العلمي،
كل نقاش يتحول إلى معركة من نوع جديد،
من هو الأكثر إحباطاً؟
ومن لديه الحق المطلق في التذمر؟
تذهب للنادي أو المنتديات التي كنت تظنها ملاذك الأخير، لتكتشف أنها مسارح احترافية لفن النكد والتكدير ومنها تاخذ الروشته لوصفات الاكتئاب والاحلام الليليه المزعجه، تجد محاضرة عن كيفية تقبل الفشل في الحياة،
ونقاشاً حول مستقبل الفوضى في العالم،
ومناقشة لماذا الزوجة تقتل زوجها وآخرون يملؤونك بالقصص المخيفة وكأنهم يتنافسون على جائزة أفضل كابوس،
وفي نهاية اليوم، تجلس مع نفسك وتتساءل: "أين يمكنني أن أجد قليلاً من الفرح؟" لكنك تدرك أن الحياة، رغم كل هذه التحديات، مليئة بالمواقف الطريفة، والكوميديا الخفية التي تجعلنا نستمر،
ربما يكمن الحل في أن نضحك على هذا الجنون، ونتعامل مع كل هذه الفوضى كجزء من مسرحية هزلية يومية، بطلها نحن والجميع، في محاولة للتعايش مع واقع يفوق الخيال في كوميديته وعبثيته،
فهيا بنا لنحاول أن نجد شئ من الضحك والترفيه في اي زاوية من حياتنا، والسخرية من كل موقف، فالعالم من حولنا قد يبدو كأنه صُنع خصيصاً لتعليب وتوريد النكد، وصُنع الالم لكننا، بإرادتنا وبضحكه طارده للهم والغم، نستطيع تحويله إلى مهرجان للابتسامات، وقصص طريفة نرويها لأصدقائنا، نُضحك بها قلوبنا ونخفف بها عن أنفسنا ثقل الأيام .