آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:29م


رؤيتي لحل مشكلة التصعيد الشعبي في أبين

السبت - 14 سبتمبر 2024 - الساعة 02:50 م

قيس الشاعر
بقلم: قيس الشاعر
- ارشيف الكاتب



إن الحراك الشعبي المطالب بالكشف عن مصير المختطف علي عشال، والذي برز حجم التفاعل الجماهيري معه من خلال التظاهرات التي أقيمت بمدينة عدن في 3 اغسطس، ومدينة زنحبار عاصمة محافظة أبين في 7 سبتمبر 2024، لا يمكن الاستهانة به وغض الطرف عنه، أو التقليل من شأن وحجم الغليان الشعبي القبلي والمجتمعي الحاصل في محافظة أبين تحت مسمى المطالبة بالكشف عن مصير عشال، بل يجب أن يكون الأمر محل اهتمام ودراسة لوضع معالجات جادة للحد من حدة التصعيد الذي سيتحول إلى أزمة. 

والحد من التوتر القائم في أبين عن طريق اللجوء إلى استخدام الطرق التقليدية المتعارف عليها، من استخدام القوة المفرطة والقمع والاعتقالات والتشويه و ترويج الإشاعات وكيل الاتهامات عبر الإعلام الموجه، وغيرها من الوسائل التي يعتقد أنها كفيلة بوضع حد للأمر، لن تجدي نفعاً بل ستكون عاملاً مساعداً في حرف مسار الحراك الشعبي، وستسهم في إضافة أسباب سيتم استغلالها لتكون دافعاً محفزاً للجماهير على المشاركة، ورفع سقف المطالب والانتقال إلى مرحلة أخرى من التصعيد.

ومن الواضح أن قضية المقدم عشال التي أصبحت قضية رأي عام، ما هي إلا سبب لإشعال فتيل الغليان في مناطق أبين الوسطى، ولم تنتقل عدواها بشكل واسع في مناطق الدلتا، أي أن القضية كانت مجرد سبب في إيقاظ التراكمات الماضية التي كانت خامدة في نفوس أبناء أبين، ولم يتم العمل على وضع معالجات لها وإعادة الأخطاء والتجاوزات المرتكبة المخالفة للقانون، وإحياء تلك التراكمات مجدداً في نفوس أبناء أبين، وإحياء الإحساس بالمظلومية والشعور باستهدافهم دون غيرهم، مثلما حصل مع المقدم عشال. 

لذلك، اللاوعي المسيطر على الجماهير المشاركة في الفعاليات المطالبة بالكشف عن مصير المقدم علي عشال، تقودها تلك التراكمات التي يجب دارستها بعناية لوضع معالجات جادة لها، وليس العمل على مفاقمة الوضع.

إن المشاركة الجماهيرية في فعالية عدن وزنجبار بهذا الزخم الشعبي في أقل من شهر، رغم ضعف خبرة اللجان التحضيرية وصدور أمر منع إقامتها في عدن، وما حصل من خلافات ومحاولات لإرباكها في زنحبار، إلا أنها أقيمت، وأيضاً ما سبق تلك الفعاليات من لقاءات ضمت الشخصيات الاجتماعية والعسكرية والأمنية والقبلية من أبناء ابين، كان أبرزها اللقاء الحاشد الذي احتضنته قاعة الفخامة في مدينة عدن.. كل ذلك دليل على ما أشرنا له في الفقرات السابقة عن المحرك الحقيقي للجماهير، أي أن قضية عشال جاءت والنفوس ممتلئة، وفيها ما فيها من الإحساس و الشعور بالظلم والمهانة.

وإسناد مسألة دعم وتحريك الجماهير إلى أطراف يشار لها بفاقدي المصالح كالترويج، الهدف منه الحد من التصعيد ليس حلاً، ومشاركة هؤلاء ما هو إلا نتيجة طبيعية أفرزها سوء التقدير للموقف والإصرار على التجاهل، والتقليل من حجم المشكلة ومواجهتها بوسائل غير مجدية يعتقد أنها ستحد منها.

ومن حق الذين يتم توصيفهم بـ"فاقدي المصالح" أن يتخذوا من أبين مسرحاً للوصول إلى أهدافهم، وبالذات أنهم من أبناء المحافظة، طالما التجاهل والتهاون والتقليل من حجم المشكلة هو سيد الموقف والتقديرات المرفوعة مخالفة للواقع.

كما أن الرمزية التي اتخذت في الفعاليات، من حيث مكان إقامتها في ساحة العروض في خورمكسر وثم في زنحبار من أمام منزل الشيخ طارق الفضلي، لما لهذه المواقع من رمزية تاريخية في مسيرة الحراك الجنوبي، ورفع المشاركين للأعلام الجنوبية، كل ذلك كفيل في إبطال ونفي أي حملات أو محاولات لتشويه التصعيد والتشكيك في أهدافه.

إننا لا نتحدث عن محافظة جنوبية حدودية تقع في أطراف البلاد يمكن عزلها واستخدام القوة المناسبة لإخماد التصعيد الشعبي أو التمرد على السلطة والقانون، بل هي محافظة تتوسط المحافظات وتمثل حلقة الوصل والتواصل بينهم، أي أنها بمثابة شريان الحياة، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها يعني تعطيل شريان الحياة.. لذلك يجب عدم إغفال أهمية موقعها الذي جعل منها مطمعاً للتنظيمات الإرهابية والمليشيات الحوثية، كونهم يعلمون أن من يريد أن يضرب الجنوب وقضيته عليه أن يسيطر على أبين. 

لذا، علينا مراعاة كل ذلك وإعطاء محافظة أبين كل الاهتمام، وعدم التقليل من شأن أي تفاعل شعبي يحصل فيها في ظل المخاطر التي تحيط بها، وسرعة البت في المعالجات بأسلوب عقلاني متحضر يحترم رأي وإرادة أبناء أبين، ويؤسس للعدل والمساواة والشراكة الوطنية الحقيقية، ويساهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة وسيادة النظام والقانون، وتماسك النسيج الاجتماعي ووحدة الصف الجنوبي، ويحافظ على الأمن والاستقرار، ويساعد على إعادة دوران عجلة التنمية. 

بعد كل ما أشرنا لها من تفاصيل وتوضيحات حول الحراك الشعبي في أبين، نضع مقترحات نرى أن العمل وفقها سيسهم في إصلاح ذات البين ولملمة الخلافات، ووقف حدة التوتر والتصعيد الحاصل في أبين، وهي كالآتي:

أولاً: أين عشال؟ والإجابة عن هذا السؤال تتلخص في سرعة الكشف عن مصيره.

ثانياً: سرعة القبض على المجرمين الهاربين وبذل مزيد من الجهود لإعادة الهاربين منهم خارج البلاد 

ثالثاً: إقالة المحافظ وإعادة ترتيب وهيكلة السلطة المحلية في المحافظة، التي هي سبب في وقف عجلة التنمية وتدهور الوضع المعيشي ومفاقمة معاناة الناس.

رابعاً: تشكيل فريق للحوار كل أعضائه من خارج محافظة أبين، يضم شخصيات عسكرية وأمنية وقانونية وسياسية وقبلية واجتماعية ودينية وسطية.

خامساً: يعقد فريق الحوار لقاءات منفردة مع كل شخصية نافذة لها ثقلها، ومحركة للمشهد ومتحكمة فيه من مشائخ القبائل والشخصيات العسكرية والأمنية والاجتماعية وقيادات المقاومة ورجال الدولة السابقين.

سادساً: أن لا تقتصر لقاءات فريق الحوار على أطراف دون غيرها بسبب توجه الشخصيات الأخرى السياسي، بل يجب أن يشمل الحوار كل الأطراف بغض النظر عن التوجه السياسي.

سابعاً: أن تكون اللقاءات غير معلنة، حتى يتم الحفاظ على مسار الحوار ونجاحه.

ثامناً: تغيير الخطاب الإعلامي وتكريسه لتهدئة الوضع وخدمة التفاهمات و التقارب الذي يعمل فريق الحوار من أجله.

إن العمل وفق المقترحات المشار لها أعلاه سيحدث نقلة كبيرة نحو تعزيز الثقة وإصلاح ما تم إفساده نتيجة الأخطاء التي حدثت في الماضي، والتي حصلت في وقتنا الحاضر وكانت سبباً في إعادة  تراكمات الماضي من أخطاء وسلبيات إلى الأذهان التي صورتها، على أساس أن التاريخ يعيد نفسه. 

وفي الختام أسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح لهذا الوطن.