سلاماً عليك يا رسول الله ،،
الجمعة - 13 سبتمبر 2024 - الساعة 06:02 م
"لا يعرف التاريخ البشري غير محمد رجلاً أفرغ الله وجوده في الوجود الانساني كله كما تنصب المادة في المادة , لتمتزج بها فتحولها ..فتحدث منها الجديد فإذا الإنسانية تتحول به وتنمو , وإذا هو وجود سارٍ فيها فما تبرح هذه الإنسانية تنمو به وتتحول"
بهذه المقدمة الرائعة الجميلة للأديب العظيم الرافعي أحببت أن أستهل هذه المقالة في ذكرى مولد الحبيب المصطفى .
لقد كان ميلاده ..
ميلاد أمة , وبعث حياة, وغيث أرض , وينبوع رقراق يتدفق ، وفجر جديد يشع ، ونور مبين يتلألأ , وصبح وضاح يبتسم ..
بل كان ميلاده...
حدثاً جليلاً ، وأمراً هائلاً، ونبأً عظيماً ، وخبراً مزلزلاً..
لكأنما معاني الانسانية قد أسنت ووهن عظمها ونخر جسمها الشر واستولى عليها البلاء واستحكم بها الفساد .....فكان لزاماً لتلك الأدواء من دواء , ولتلك الانحرافات من مصلح , ولهذا الظلام من جلاء ...
لذلك ابتعث الله الرحمة المهداة , والنعمة المسداه , والنور المبين , والدواء الناجع...فتمثل كل ذلك في شخص الحبيب محمد الذي وصفه ربه فقال ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
وهنا وقف تاريخ الأمة بين مسارين اثنين ..
مسار يجدد لها طريقها من حيث ابتدأت به الإنسانية كفاحها في الحياة بوجود سيدنا آدم عليه السلام الذي فتح لها باب المجيء من الجنة .
والمسار الآخر تمثل في ميلاد الهادي الذي فتح لها طريق العودة مرة أخرى إلى الجنة .
فإذا كان سيدنا آدم سر وجود الإنسانية على الأرض ...فمحمد هو سر كمالها !!
هكذا أرادت مشيئة الله أن يُبْعَثَ محمدعليه السلام في ذلك التاريخ الذي وصلت فيه حياة البشرية إلى أسفل مراحل انحطاطها..
فكان طلوعه كأنه الشمس الساطعة تطارد فلول الظلام الدامس وترسل أشعة النهار الوضاح لتعلن يقظة الحياة واستمرار عطائها المتدفق .
وأمٌَا هو فقد أيقظ القلوب من سباتها , وأحيى النفوس من مواتها , وأطلق ينابيع الحكمة من آسارها , وأعاد الأمور إلى نصابها, وأنقذ الأمة من حيرتها .
لذلك لم يكن حدث ميلاد الرسول حدثا اعتيادياً أبداً ..بل كان زلزالاً هز أركان الكون ...كل الكون وتفاعلت معه كل الموجودات على الأرض ، واستبشرت به كل المخلوقات ، ورافق تلك الولادة بشارات ، وإشارات جعلت اليهود يقولون( لقد ولد نبي العرب) أجل لقد ولد نبي الإنسانية ,لقد ولد النور الساري كما وصفه شوقي فقال : لقد ولدته وهاجا منيراً** كما تلد السموات الشهابا.
ولقد استطاع - عليه السلام - بصبره وجلده, وعزيمته, وثباته _ وهو وحيد فى تلك البيئة الملغومة بالتصورات المنحرفة والعقائد الباطلة والخرافات الغير معقولة والقيم الفاسدة والأخلاق القبيحة _ استطاع في تلك الفترة الوجيزة من عمر الزمن أن يصبغ تلك البيئة النتنة بصبغة إسلامية كأنما صب عليها محلولاً كيميائياً فحولها كما تتحول المادة الصلبة...
فأوجد نواة لمجتمع راق فريد متميز أخضع الله به طغاة الأرض وطوى به صفحات كالحات من تاريخ البشرية الاسود ،ونشر به دينه في مشارق الأرض ومغاربها ، وشهد الله له بالخيرية , ورضي عنهم ورضوا عنه .
هكذا أزال الحبيب ذلك الركام الهائل الجاثم على قلب البشرية.... . وأنشأ مجتماً آخر بروابط جديدة , وبقيم جديدة , وبأخلاق جديدة وبتصورات جديدة , وبأفكار جديدة , وبعقائد جديدة ......رسمت لهم معالم الفوز والفلاح في الدارين .
فلك أيها القارئ الكريم أن تجعل بينك وبين قلبك ، صورةً منْ ذاكَ النّورِ النبويِّ الذي شرّف الأرضَ ، ورَفَعها ، وخطّ لسكانِها طريقاً إلى الجنّةِ العامرةِ ، من بعدِ ما أُخرجوا منها ، بما جاءَ بهِ منْ معاني الإنسانيةِ السّاميّةِ ، والخصائصِ التي أَحالتْ حربَ النّفس مع أختِها النّفس ، في همّ الدّنيا و مفاتِنها ، إلى تكاملِ الحبِّ بينَ جموعِ الإنسانيّةِ ، ولتصنعَ منْ ثَمَّ .....
آفاقَ العالمِ الخالدِ ، بسماتِ الحياةِ السعيدةِ ، لكلِّ بني البشرِ .
فأي عظيم أنت يا رسول !!
اليوم ونحن نحتفي بهذه الذكرى من وراء ذلك الزمن الطوييييييل.
نستروح تلك الذكريات الغالية على نفوسنا، والأمة تعيش أسوأ مراحل انحطاطها...
نتمنى أن تكون هذه الذكرى بمثابة منبه للامة للعودة إلى دين نبيها , ومنهج رسولها , وصراط ربها , ومعرفة عظمة حبيبها صلى الله عليه وسلم .
فسلاماً عليك يا من جثيت على ركبتيك لتواسي غلاماً صغيراً كان يبكي لموت عصفوره ، وتخفف من لوعته .