آخر تحديث :الثلاثاء-17 سبتمبر 2024-09:45م


دخل عيونك حاكينا

الأربعاء - 11 سبتمبر 2024 - الساعة 10:25 م

احمد مهدي سالم
بقلم: احمد مهدي سالم
- ارشيف الكاتب


في كل مرافق عملنا.. في ديوان المحافظة في الشارع.. في السيارة.. في طريق البيت تواجهك العيون الجميلة، الآسرة التي يزيدها سواد البرقع والعباية جمالًا، وبهاءً.
.. وجاء ارتداء البراقع والعبايات من بعد الوحدة، وكنا من قبل كاشفين ليمنح اكثر الفتيات والنساء غير الجميلات فرصة لإخفاء العيوب، وإظهار جمال العيون الذي فيه كل السحر والفتون.. وقد يمر هذا على أمثالي من كبار السن، والرجال ضعيفي التركيز.. تختلط علينا الأمور لكنه لا يمر على الأكثرية من الرجال والشباب ممن يمتلكون قدرات تركيز غير عادية مثل توفيق بعضهم في رؤية فتاته، أو قريبته أو جارته.. من بعيد من خلال مشيتها فقط.
ينذهل الفرد منا، وتصيب جسمه قشعريرة محببة حينما يجد نفسه أمام فتيات جميلات ذوات لواحظ ساحرة، فاتنة في العمل، الطريق، الورشة، المواصلات، والندوة، وغيرها. ويزيد الوقع الحسن لجمال العيون إذا صاحب خروج كلمات، أو انتقادات، وفيه شيء من الإبهار الموسيقى فيجعل مشاعرك تتفاعل، وتتمنى أن يجد هذا الجمال الفاتن من يستحقه، أو ترجو في نفسك أن يكون من نصيبك، وذا حق مشروع..مع أن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.
إبهار العيون الناعسة، الكحيلة هي أبرز مميزات جمال المرأة التي ينظر لها العاشقون كمخلوق ملائكي طاهر، و تطوف في ذهني العاشقُ الحسن دومًا، أبيات اللبناني د.خريستو نجم التي تعد أشهر ما تغنى بالجمال الساحر، المبهر:

خلقتَ الجمال لنا فتنةً
وقلت لنا: يا عباد اتقون
فأنت جميلٌ تحبُّ الجمال
فكيف عبادُك لا يعشقون؟!


كما تعجبني رائعة أبوبكر سالم بلفقيه " نسَّم القلب دنياه "، وبالذات مقطعه الذي يصدح فيه مترنمًا بسحر جمال عيون الحبيب التي تقطَّع قلوب العشاق بالسكاكين دون شفقة،أو رحمة :

نسَّم القلب دنياه..
تاليتها إلى الطين
لحظ عينه قاتل..
مثل قطع السكاكين

وكلمات مقالتي هذه ماهي إلا دعوة إلى إعادة تجديد حب الحياة، والتمتع بالجمال في كل صوره، وأبهى تجلياته سيما لمن تجاوز الخمسين أو الستين من جيلنا في حدود ما تقبله المواضعات المجتمعية؛ ففي المحبة إنعاش لموات للنفس، وتنشيط لعدة خلايا تجعلك تشعر أن الحياة جميلة، وتستحق أن تُعاش.. تأخذ حقك من بهجتها ونضارتها.
ربما جيلنا نحن في جنوب اليمن الذي حل فيه العذاب وسكن..بعد أن خضع لتسلط العربان، وارتهن..أن عشنا نصف عمرنا في انفتاح مع المرأة، وأجواء تحرر من سيطرة عادات دفن الفتاة في خيمتها السوداء المتنقلة، ثم في نصفه الثاني بعد تحقيق الوحدة في ظروف منع اختلاط، وفرض الحجاب والنقاب، والابتعاد مسافةً ما عن النصف الآخر الذي يمثل بهجة الطبيعة، وأكسير الخلود، وابتسامة الزمان.
ولا نمدح هنا، أو نذم هناك؛ وذلك من منطلق أن لكل نظام مجتمعي وضعه، واشتراطاته النابعة من قوة تسلط الأيديولوجيا المتماشية والمتفاعلة مع ثمة تمظهرات خارجية مؤثرة في عديد من المراحل التي مررنا، ونمرُّ، بها متحملين صفعات الحاضر، وقهر الظروف دون أن نبدي مقاومة فاعلة.
أجدني خرجت في فاصل تنظيري عن وصف جمال العيون السود..ذي تسبي الأسود، وكيف صادني الرغدود.. وكنت ببذل الغالي، وللوارث عمود..وعاده حصَّله..
حيث تغزل كثير من شعراء العرب بسحر العيون الفاتكة، وأشهرهم جرير في قوله:

إن العيون التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يأسرن ذا اللبِّ حتى لا حراك به
وهن أضعف خَلق الله إنسانا

كل ما في الحياة والطبيعة جميل، والمرأة أهم عناصر الجمال المحافظة على التوازن البيئي والوجداني والحياتي.. فلنحرص على إضفاء لمسات جمالية على حياتنا وواقعنا، كما نحرص أن نسرق لحظات سعادة من هذا الزمان الكئيب نتمتع بها جماليًّا، ونعيش حياتنا كون الجمال داخل نفوسنا، ومستقر في أعماقنا، ولا نحاول نحن إخراجه.. كتموا نفوسنا، ومشاعرنا كتم الله أنفاسهم، وقبلنا نحن على مضض، أو صاغرين.
قال أيليا أبو ماضي الذي أطلقت عليه شاعر التفاؤل العربي في مقالات سابقة بصحيفة الثورة الصادرة بصنعاء:

والذي نفسه بغير جمالٍ
لا يرى في الوجود شيئًا جميلًا