آخر تحديث :الخميس-14 نوفمبر 2024-11:29ص

في ظلال الأربعين

الأربعاء - 11 سبتمبر 2024 - الساعة 01:11 م
امين عبدالخالق العليمي

بقلم: امين عبدالخالق العليمي
- ارشيف الكاتب


مع كل يوم يمضي، نشعر أن العمر يتسرب من بين أيدينا كما تتسرب الرمال في ساعة الزمن،
 نكبر عاماً بعد عام، نُخلِّف خلفنا ذكريات وحكايات، 
نمضي نحو الأمام ونفقد جزءاً من أنفسنا،
 مع كل خطوة تُهدينا الحياة الكثير، حُباً ودفئاً، وحضوراً لا يُقدّر بثمن،
لكنها بمرور السنين تسترد ما أعطته لنا، وتبدأ الرحلة مع الفُقد،

من اول بداية الأربعين، تبدأ الملامح بالتغير، يصبح الحاضر ثقيلاً، والحب الذي كان يغمر كل لحظة في الماضي يتحول إلى ذكريات، أول ما يُدركه القلب هو ذلك الفقد الأول الذي لا يمكن تفسيره أو الهروب منه، فقدٌ كان كطعنة صامتة، حيث تنطفئ إحدى أهم القناديل التي كانت تضيء مسيرة الحياة امك، ذلك القنديل الذي كان ينبض دائماً بالعطاء، ولا يتوانى عن تقديم كل ما يملك، اختفى فجأة، وها هو الفراغ يتسع، والحياة كل يوم تُسدي لك طعنه وما من مدافع مثلها،

وفي كل يوم، يزداد حدة هذا الفراغ  يصبح المكان أكثر اتساعاً، الأحاديث أقلّ، والحنان الذي كان حاضراً دوماً كأنه تلاشى في الهواء، 
لم تعد هناك تلك اليد التي كانت تمسح على الجبين بلطف، لم يعد هناك من ينتظر عند الباب بابتسامة حانية، ولم يعد في الحياة تلك البساطة التي كانت تجعل كل شيء ممكناً،

لكن الفُقد لم يكن نهاية القصة، فهناك من بقي، من كان يقف بجانبك دائماً، ترى في عينيه بريقاً قد خفت، وفي ملامحه تعابير لم تعد تُخفيّ الضعف والوهن، 
لا يزال حاضراً اطال الله في عمره، لكنه حاضر معه ضعفُه الذي يؤلمني، والذي لم تعهده فيه من قبل،
 تراه يكافح ليُخفي قلة حيلته، تراه يحاول أن يكون كما كان دائماً، لكن واقعه يُكذب كل ذلك،
 في لحظات معينة، قد تلمح عيناه تلك النظرة التي تحمل كل الحزن، كل التعب الذي لا يُقال، ولايتحدث، فتتمنى لو استطعت أن تمحو عنه هذا الضعف والوهن، لكنك تدرك أن الزمن يمضي بلا رحمة،

وها أنت، في منتصف الطريق، ترى كل ما كنت تعرفه يتغير، أولئك الذين كانوا يملؤون حياتك بالدفء، ينسحبون من المشهد بصمت، أحدهم غادر بالفعل، والآخر يذبل أمامك ببطء،
 الزمن الذي كنت تظن أنه لن يُمسِك بك، هاهو يُمسِك بكم جميعاً،

ومع كل خسارة، تزداد الأسئلة،
 لماذا؟
 كيف يمكن للحياة أن تأخذ كل هذا منا؟
 كيف يمكن أن نفقد تلك الأرواح التي كانت بمثابة الأساس؟

 وكيف يمكننا أن نمضي قدماً ونحن نرى الضعف يلتهم كل من أحببنا؟

كلما مشيت في رحلة الاربعين وتقترب من الخمسين، تكتشف أن هذه الرحلة ليست سوى سلسلة من الخسارات، وأن كل ما تمنيت الاحتفاظ به سيصبح، عاجلاً أم آجلاً، مجرد ذكرى،
 تجلس في صمتك، تحاول التمسك بكل ما تبقى، لكنك تدرك أن الحياة لا تنتظر، وأن الزمن لا يتوقف،

حين تبدأ تفقد، تكتشف أن ما كنت تظنه دائماً، لا يدوم،
 تبدأ تشعر بوقع الفقد على روحك، ليس فقط لمن غادر، بل لمن بقي، لأنك ترى الزمن يمضي به ويمضي بك، وتعلم أن النهاية قد تكون قريبة لكل شيء، وقد يكون القادم انت .