آخر تحديث :الأحد-22 ديسمبر 2024-03:07م

(العشوائيات)

الثلاثاء - 10 سبتمبر 2024 - الساعة 08:08 ص
سعيد عولقي

بقلم: سعيد عولقي
- ارشيف الكاتب


(العشوائيات) شل نخس من الرشبة.. ثم اجلس بأمان وفكر بسلام.. وتعال نفكر معاً في بداية العشوائيات التي حلقت على اطراف واوساط كل مديريات عدن بلا استثناء. !!
كان من حظ حكومة الثورة ان ورثت عن الاستعمار البريطاني افضل النظم الادارية والمالية في العالم.. حتى ان وفد الالمان الشرقيين قال لوزير المالية : ماذا تريدون تعلمه منا ولديكم افضل الانظمة الادارية والمالية على الاطلاق. !!
حافظت حكومة الثورة على عذرية عدن وبكارتها لتسلمها كاملة غير منقوصة لدولة الوحدة.. وفي عهد محافظ عدن العزيز محمود عراسي شهدت عدن اكبر هجمة للعشوائيات في تاريخها كله.. خرج الناس في كل مديرية وهم يحملون جواني النورة، مسحوق البودرة الابيض، ليخططوا لانفسهم توسعات غير قانونية شهدت تدشين اطلاق العنان للعشوائيات بعد خطاب الرئيس علي عبدالله صالح الذي اراد فيه التقرب الى فقراء عدن والفوضويين فيها لدق المسمار الاول في مسيرة تحويل عدن المدينة الى قرية ريفية بائسة.. وخطة صالح كانت بناء مدينة موازية لعدن، وبناها. !!! -- لذلك جلس العراسي في بيته بالروزميت في كريتر معتصماً في احتجاج لم ينفعه ولا نفع غيره.
في الزمن الذي سبق الاستقلال كانت نظم البلاد تحدد مشاريع البناء والتعمير بقوانين صارمة تحافظ على سلامة وحسن تخطيط المدن واعمارها.. عدد طوابق كل عمارة يجب ان لا تتجاوز الطوابق الخمسة او الستة كحد اقصى.. ويلزم صاحب كل عمارة بمخرج طوارىء ومصعد، لفت او اسانسير، ومراعاة الساحة المحيطة من الازدحام ومواقف السيارات.. وفي بعض المناطق الالتزام بموقف السيارات ولو تحت كل عمارة كما تبين صور بعض العمارات.. وبالنسبة لدور السينما والفنادق يلزم اصحابها بشراء بقعة ارض مجاورة لوقوف السيارات كما حدث مع سينما ريجال في خورمكسر وبرافين في كريتر الذي اجبر صاحبها مستر حمود على شراء الارض المجاورة للسينما وتحت فندق التلال الذي بنا في خلفية السينما(صورة برافين هنا ظهرت مغششة).. وقد برز الالحاح على مواقف السيارات بعد اكمال بناء فندق الصخرة في مدخل التواهي بلا موقف سيارات.. والفندق مملوك لشركة لبنانية مالكة لسلسلة فنادق باسم صخرة الروشة اللبنانية حول العالم.
حافظت حكومة الثورة على هذا النظام بالتمام والكمال، واذكر ان نسيباً لي اغترب للعمل في السعودية.. وجاء الى عدن في الثمانينيات ليشتري بقعة ارض يبني فوقها بيتاً يسكنه عند رجوعه.. وطفت معه الى كل مكان.. كان يريد ارضاً وسط العمران او قريبة منه.. لكن قوانين البناء لم تسمح بغير بقع خالية في الخبوت العارية من العمران مما اضطره الى شراء بيت جاهز عرض له مما سمح به قانون تأميم الاسكان.. ولم يمر على ذلك كثير وقت حتى تسلمت العشوائية دفة حياتنا.. وتحولت المساكن والمتاجر وحتى الطرقات التي باتت رهينة بيد العشوائية.. ولم تعد تجد بيتاً واحداً لم يسور باحواش العشوائية الا فيما ندر.. او لكونه في الطابق الاوسط. !!!
كان ذلك هو تدشين زمن العشوائية والفوضى وميلاد عهد الهمجية.. ومسمار جنازة المدينة العظيمة التي كانت