آخر تحديث :الإثنين-16 سبتمبر 2024-11:01ص


أول أيام الجامعة

الجمعة - 06 سبتمبر 2024 - الساعة 01:34 م

علي الخضر العجرة
بقلم: علي الخضر العجرة
- ارشيف الكاتب


لم يكن صباحاً عاديا ، فقد انبثق نوره ، بعد مخاض طويل ، لليلة من أطول ليالي العمر ، ليلة مرت ساعاتها رويداً رويداً ، حين خاصم طرفي فيها المنام ، وسافر بي الخيال على متن سرير عزبتي المتهالك ، حتى توقلت في عالمه المثخن بالاماني والأحلام ، وحين ارهقتني أسفاره ، أدركت انه قد حان وقت الذهاب للدراسة ، في أول أيام الجامعة .
أرتيديت اجمل ثيابي وانطلقت ، متأبطا دفتر محاضرات ، وسندات قبولي في الجامعة ٠٠ كنت حينها شابا ورعا ، لين القوام ، يرى في مخيلته انه قد آن الأوآن ليسابق الزمن ، عله يطأ بقدمه على أول عتبات المستقبل ، وحين وصلت ، وقفت امام بوابتها العتيقة ، استشعر قوافل المارين عبرها ، فكيف لي الا استشعر مواكبهم ، وانا ابن الدفعة السابعة والثلاثين لهذا الصرح العلمي الشامخ .

كان بابها مفتوحاً على مصراعيه ويجلس في أحد جنباته رجل الأمن على كرسيه الخشبي ، والابتسامة تكسو ملامحه ، بينما يقف بجواره زميله ، و هو يحتسي كاس الشاي واقفا ، وينفث دخان سجارته ، ولا يكف عن التحديق في وجوه المارة ، حتى اني شعرت بأتساع بؤبؤة عينيه اثناء مروري ، وكأنها ترسل للمارين اشعارات الدخول ، دخلت الى باحتها وكانت تعج بالطلاب المستجدين أمثالي ، جاءوا من كل حدب وصوب ، كان من السهل تمييزهم من بريق أعينهم المتفائلة ، وفرط حماسهم الزائد ، وهم يجوبون المكان في جماعات ، فتراهم مجتمعين على لوحة إعلانية تارة ، ويتجمهرون حول الأساتذة المارين تارة أخرى ، اتجهت الى قسم الأحياء وأخذت الجدول الدراسي ، وكان يشير الى القاعة رقم ١٤ ، كانت قاعة كبيرة الحجم ، ويجلس بها عدد قليل من الطلاب ، دخلت وجلست منتظرا ، ثم بدأت في تقليب وريقات من ملزمة حصلت عليها من صديق يدرس بالمستويات السابقة ، مر الوقت دون ان انتبه ، حتى دخل نائب عميد الكلية ، وبملامح يكسوها الغضب ، طلب منا المقادرة ، والاتجاه للقاعة رقم ٢٦ نظراً لتعديل جدول المحاضرات ، ذهبت اليها وكانت عبارة عن مبنى خشبي طويل ، يشبه الى حد ما باصات النقل الجماعي ، لكن هذا الخشبي يقف كالطود صامداً بطابعه الإنجليزي العريق ، منذ أكثر من نصف قرن من الزمان .

اتجهت للباب الأمامي وكنت أقرع الباب تارة ، والوح بيدي تارة اخرى ، منتظراً ان يأذن لي الاستاذ بالدخول ، لكن دون جدوى ، كانت القاعة تضج بأعداد مهولة من الطلاب ، فأشار لي أحدهم بالدخول من الباب الذي يقع في الجهة الخلفية ، ففعلت ، ودخلت الى قاعة المحاضرات ، في اول أيام الجامعة .

جلست في المقاعد الخلفية ، وسألت من بجواري هل فاتني الكثير ، فاندهشت لانه كان يخزن القات و كان منهمك في مكالمة هاتفية مع شريكه تحمل تفاصيل مهمة للباعة ، كالجودة وسعر البيع ، بحسب بورصة سوق سناح المركزي ، كان يمط شدقيه ليعبر لي انه لا يعلم شيء ، ويعاود الحديث ، ولا يكاد ينتهي من مكالمة حتى يستقبل أخرى ، كنت اتنطط من مقعدي على نغمات هاتفه النوكيا ، محاولا ان ارى استاذ المادة ولم يتسنى لي ذلك ، الا بعد عدة محاولات . كان رجلا كهلا يجلس على كرسيه ، ويلتف حوله بعض الطلاب ، بينما تعم الفوضى اجزاء واسعة من القاعة ، عدت الى مكاني ، وكان من بجواري قد انتهى من مكالماته ، فبدأنا بالتعارف ، ثم انهمكنا بالحديث طويلا ، بعدها أدخل يده في كيسه الكبير ، وناولني حفنه من اعواد القات ، و أشعل في سجارته .. وابتسم لي قائلا : لن يفوتك شيء بعد الآن .