آخر تحديث :الخميس-21 نوفمبر 2024-12:52م

مسؤولية المعلّم

الأربعاء - 28 أغسطس 2024 - الساعة 08:05 م
محمد أحمد بالفخر

بقلم: محمد أحمد بالفخر
- ارشيف الكاتب


في الأسبوع الماضي كان مقالي بعنوان (إضراب المعلمين) وكالعادة بعد كل مقال،
 ومن فضل الله تأتيني العديد من الرسائل من اخوة أكارم لهم مكانتهم العلمية والسياسية والاجتماعية يوافونني ببعض الملاحظات على ما كتبت ويكفيني فخراً وشرفاً أنهم يقرأون ما أكتب، وقطعاً ملاحظاتهم هي محل اعتبار وتقدير ولها في النفس مكانة، وهي عامل مساعد في تحسين الأداء،
 وهذه الملاحظات بكل تأكيد تعطيني انطباعاً طيباً انني اسير في الاتجاه الصحيح ضمن مسار معركة الوعي الطويلة،
 وما نكتبه ما هو إلاّ مجرد إضاءات بسيطة قد يكون نورها خافتاً في سواد الليل الحالك لكن قطعاً هي عامل مساعد لتلمّس الطريق لمن أراد الوصول الى ضوء النهار الساطع،
أرسل اليّ الأستاذ القدير محسن بن شملان التميمي الحضرمي ردّاً مطوّلاً على مقال الأسبوع الماضي (إضراب المعلّمين) وللفائدة واستكمالاً لما طرحته الأسبوع الماضي يسرّني أقدمه لكم هنا في عمودي الأسبوعي (كُل خميس) وتم تأجيل مقال آخر كنت قد كتبته على أن ينشر في الأسبوع القادم بإذن الله.
الأستاذ محمد،
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت مقالكم (إضراب المعلمين)  
لكن لي رأي خلاف ما قلت،
ربما استند رأيي إلى قناعتي الشخصية أن دور المعلم يتعدّى مهنته إلى خدمة المجتمع بصرف النظر عن دخله المادي،
 والمعلم في المجتمع الإسلامي كان يقوم بدوره طوعاً وطلباً للأجر الأخروي بصورة أساسية.
وقديما كان معلمو الكتاتيب وحتى معلمو الجامعات يمتهنون المهن العادية من صياغة ونسيج ومهن أخرى إلى جانب دورهم التعليمي في المساجد والكتاتيب والجامعات. لكن مع تقدم الزمن وتأثر المجتمعات الإسلامية بنظام الغرب أصبح التعليم مهنة أساسية يعتمد عليها المعلم قواماً لمعيشته ومعيشة أسرته واختفى دوره الطوعي،
 وبرزت إلى الوجود بعد ذلك ظاهرة التعليم الخاص الذي أصبح احتكارياً واستغلالياً إلى أبعد الحدود فكان من نتائجه السلبية إقصاء الطلبة الفقراء عن ساحاته وإن كانوا أذكياء نابغين، وفسح المجال لأبناء الأغنياء وإن كانوا خاملين.
هذه مقدمة للقول إن إضراب المعلمين الحالي لا يصبُّ في مصلحة الوطن بل يهدم أحد أسسه حيث يتربى النشء جاهلاً كارهاً للمدرسة وجدرانها،
والأولى بمعلمي الأجيال أن يقبلوا بالتضحية بجزء من رواتبهم دون التوقف عن مطالبة الدولة بإنصافهم حتى ينالوا تلك الحقوق كاملة غير منقوصة في قادم الأيام وبذلك يحفظون النشء من الضياع وهذا أمر مهم وحيوي.
ثم علينا ألاّ ننسى أن المعلمين مرتبطين كغيرهم من موظفي الدولة بالجهاز الحكومي وطاقمه الضخم والجميع يعانون من شظف العيش وتأزم الوضع المادي،
 والصبر في مثل هذا الحال محمود وهو علاج رباني في كل الأحوال.
 والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
انتهى كلام الأستاذ محسن بن شملان وهو كلام رائع ورسالة تحمل معاني كبيرة وتحث على استنهاض العمل الطوعي لخدمة المجتمع والحفاظ على النشء من الضياع بعد أن غابت الدولة ويكاد الوطن هو الآخر أن يغيب بعد أن عَرَضَهُ بعض الساسة في سوق النخاسة بثمن بخس بعد أن تم تدمير الحِسّ الوطني في وجدان الشعب فأصبح لا يدرك إلى أي اتجاهٍ هو يسير،
 وكأننا بكلمات الشاعر سلطان الصريمي ماثلة امامنا:
أصحابها ضيّعونا كسّروا الميزان
باعوا الأصابع وخلّوا الجسم للديدان
وقطّعوها على ما يشتهي الوزّان
ولهذا حتى رسالة العمل الطوعي للمعلم لن تُجدي نفعاً ولن يكون بمقدوره تأديتها بعد أن أصبحت تكاليف الحياة باهظة ولا وجود لمهنٍ ممكن ممارستها لسد حاجته سوى العمل في مهن قد لا تتناسب مع قدرات بعض المعلمين الجسدية كأعمال البناء أو التحميل وحتى هذه الأعمال شبه متوقفة نظراً لحالة التردّي التي وصلت اليها البلاد،
ولهذا فالمحصلة النهائية انهيار المنظومة التعليمية وانتشار الأمية وابتعاد الطلاب عن استكمال دراستهم وتوجههم نحو الاغتراب للبحث عن فرصة عمل او الانخراط في صفوف المكونات العسكرية والأمنية المدعومة خارجياً لأن المرتبات مجزية، فأدناها ما يعادل ألف درهم،
 وسلّم لي في النهاية على السيادة الوطنية التي ستذهب مع مهب الريح، وبيدي لا بيد عمرو كما يقول المثل العربي الشهير.
ونختم بأبيات للصريمي أيضاً: 
نشوان في سوقنا ما أرخص الإنسان
سوق المذلّة وسوق الزور والبهتان
وفي الدواخل يسيل الغدر كالوديان
وساعِدِي يشتروه بأرخص الأثمان.